الوقت- يزداد القلق الدولي يوما بعد يوم ازاء الاخطار التي تشكلها الجماعات المسلحة الارهابية في سوريا ومنها تنظيم داعش وهو ما يدفع اللاعبين الدوليين ومنهم روسيا الى البحث عن سبيل دبلوماسي لانهاء هذه الازمة، وقد طرحت روسيا مؤخرا فكرة ايجاد محور رباعي يضم سوريا وتركيا والاردن والسعودية لمواجهة خطر الارهابيين وان هذه الفكرة تحمل ايجابيات وبعض الشوائب ينبغي الوقوف عندها ودراستها.
الاهداف والمصالح الروسية في سوريا
تربط روسيا بسوريا علاقات تاريخية تعود الى ما قبل استقلال سوريا ولهذه العلاقات الان أوجه سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية ويمكن تلخيص هذه العلاقات بشكل موجز فيما يلي:
- وجود قاعدة طرطوس البحرية والتي تعتبر القاعدة اللوجستية الوحيدة المتبقية من زمن الاتحاد السوفياتي في الخارج وهي قاعدة يحرص الروس على الاحتفاظ بها.
- العامل الاقتصادي الذي يتلخص في شراء سوريا الاسلحة من روسيا حيث تعتبر روسيا من اكبر مزودي سوريا بالاسلحة والجميع يعلم بان روسيا تسعى الى ايجاد سوق استراتيجي لبيع اسلحتها في الشرق الاوسط.
- الجانب الأمني في العلاقات الروسية السورية والذي يرجع الى قرب سوريا من جمهورية داغستان الروسية حيث تصل المسافة بين دمشق وميناء ماخاجكالا في داغستان الى ألف ميل فقط.
روسيا والازمة السورية
كان الجميع يظن في البداية ان الأزمة في سوريا هي امتداد لثورات الربيع العربي لكن مع مضي الوقت ظهرت الصورة الحقيقية للمسلحين الارهابيين وحقيقتهم وثبت ان هذه الحرب هي حرب داخلية تشارك فيها اطراف خارجية وقد اعلنت روسيا الى جانب سوريا والصين بأنهم ضد تنحي الرئيس السوري بشار الأسد وانهم يبحثون عن حل سلمي للأزمة وقد اراد الروس بذلك ان يعلنوا بأنهم يقفون ضد السياسات الامريكية الأحادية في غرب آسيا.
مشاريع الحلول الروسية
طرحت روسيا في عام 2012 مشروعا لعقد جلسات حوار بين الممثلين عن الحكومة الروسية وممثلين عما يسمون بالمعارضة ومن ثم طرحت موسكو في عام 2013 مشروعا لاخلاء سوريا من الأسلحة الكيميائية بعد ان تذرع الغرب بوجود الاسلحة الكيميائية في سوريا لمهاجمتها، وهناك مشروع روسي ثالث طرحه الرئيس فلاديمير بوتين يتناول القضاء على خطر تنظيم داعش الذي بدأ انتشاره من العراق وذلك عبر انهاء الأزمة الجارية في سوريا.
ويتضمن مشروع بوتين ايجاد ائتلاف رباعي بين سوريا وتركيا والاردن والسعودية وقد قال الروس ان هذا المشروع طرحه في البداية وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان اثناء زيارته الى موسكو في شهر يونيو الماضي.
وقد استفاد الروس من التجربة الليبية وهم لايريدون اطلاق يد امريكا في سوريا لتفعل ما تشاء والجدير بالذكر ايضا ان روسيا قد رتبت زيارة لرئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك الى السعودية رغم النفي الاعلامي السوري لحصول مثل هذه الزيارة.
وربما يمكن القول ان الخطة الروسية تهدف الى اخراج موسكو من عزلتها الدولية بسبب الأزمة الاوكرانية وقيامها بدور دولي اكبر وايلاء الاهتمام بمخاوف السعودية الامنية بعد الاتفاق النووي بين ايران والدول الست في فيينا، ورغم ان عدم اشراك ايران في هذه الخطة يعتبر من نقاط ضعفها لكن بوتين (الذي اكد على دور ايران الاقليمي) قد برر ذلك بالمخاوف والهواجس السعودية.
وفيما يتعلق بموقف الدول الاربع التي تشملها الخطة الروسية فيجب القول بأن جميع هذه الدول يعطون الاولوية لمحاربة الارهاب لكنهم يختلفون على كيفية التنفيذ فتركيا ترى ان المشكلة هي وجود الأسد في السلطة ولذلك لن يرغب الاتراك في المشاركة في الخطة كما ان هناك خلافاً سعودياً تركياً حول الأكراد فالسعودية تريد دعم الاكراد فيما تعتبرهم تركيا اعداء لها، ومن جهة أخرى تدعم السعودية الجماعات الارهابية في سوريا فيما يعتبر موقف الاردن ايضا قريبا من الموقف السعودي وفي النهاية تقف سوريا التي تعتبر مواقفها في هذا المجال قريبة من مواقف روسيا.
الفرص والتهديدات الموجودة في الخطة الروسية
ان نجاح الخطة الروسية يؤدي الى ابقاء الاسد في السلطة واضعاف الجماعات الارهابية المسلحة مثل داعش وهذا ما يؤمن المصالح الروسية على الصعيد الدولي بعد محاولات عزل روسيا على خلفية الازمة الاوكرانية كما ان تنفيذ هذه الخطة يعزز مكانة سوريا دوليا لكن يجب الانتباه إلى ان تنفيذ هذه الخطة لايمكن اعتباره "فرصة" فقط لأن رفع مستوى العلاقات بين روسيا والسعودية وازدياد التعامل بينهما يمكن ان يؤدي الى بعض المساومات بين الجانبين ازاء القضية السورية حيث يمكن ان يتخلى الروس عن الرئيس الاسد ويساوموا على بقائه وهذا ما يمكن اعتباره تهديدا.
ان مكافحة الارهاب بشكل حقيقي يتطلب الابتعاد عن المصالح الشخصية والآنية واعطاء الأولوية للعمل المشترك بعيدا عن الاجندات السرية والمصالح الضيقة وهذا العنصر لم يتوفر حتى الآن لدى من تتحاور معهم روسيا بشأن سوريا كما لم يتوفر لدى امريكا التي اعلنت انشاء حلف لمواجهة داعش لكنها تنفذ سياسة الحفاظ على هيمنتها على المنطقة بأي ثمن كان.