الوقت- خلال زيارته للعراق، اقترح وزير الخارجية الإيراني "محمد جواد ظريف" انضمام دول المنطقة إلى اتفاقية عدم الاعتداء. وبالتزامن مع هذه الزيارة التي قام بها "ظريف" لبغداد، أفادت العديد من وسائل الإعلام بأن نائب وزير الخارجية الإيراني، "سيد عباس أراغشي"، قام هو الآخر بعدد من الزيارات شملت الكويت وقطر وعُمان، وفي تحرّك موازٍ مع تصريحات "ظريف"، أعرب "اراغشي" بالقول: "إن الحوار مع حكومات المنطقة يستند إلى السياسة الخارجية الإيرانية، وعلى هذا الأساس تعلن إيران بأنها مستعدة لإنشاء آليات إقليمية لبدء المفاوضات والتعاون البنّاء مع هذه الدول".
بطبيعة الحال، كانت إحدى هذه الآليات تتمثّل في اتفاقية عدم الاعتداء وهذا الاقتراح الإيراني يهدف للحدّ من حالة التوترات التي تشهدها المنطقة، ولوضع المزيد من الآليات الدبلوماسية لحل النزاعات العالقة بين دول المنطقة، وهنا تتبادر هذه الأسئلة إلى أذهاننا: أولاً، ما هو هدف طهران من القيام بمثل هذا العمل؟ وثانياً، ما هي الفرص القوية في هذه الخطة وما هي أبرز التحديات التي تقف حائلاً أمام تنفيذها؟
أهداف وسياسات إيران
لفهم أهداف طهران بشكل صحيح من تقديم اقتراح التوقيع على اتفاقية عدم الاعتداء، يجب أولاً النظر إلى أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة.
تتمتع جمهورية إيران الاسلامية بموقع استراتيجي مهم في منطقة الخليج الفارسي وتحتل مكانة جيوسياسية مهمة في المنطقة، ولهذا فإن استراتيجية النظام الإيراني كانت تقوم على تأمين استقرار منطقة الخليج الفارسي من خلال نظام أمن إقليمي تضطلع فيه إيران بدور قيادي قوي طارد لأي وجود قوي من قبل قوة أخرى من المنطقة أو من خارجها، فمن ثوابت السياسة الخارجية الإيرانية منذ الثورة رفض الوجود الأجنبي في منطقة الخليج الفارسي، ولا يقتصر هذا الرفض على الوجود الأمريكي بل أي وجود من قوى إقليمية كبرى خارج النطاق الجغرافي لمنطقة الخليج الفارسي، وبالرغم من تذبذب العلاقات الإيرانية الخليجية بسبب قضيتي الجزر واضطرابات البحرين، استمرت كل من قطر وعمان في علاقة قوية مع إيران، خاصة وأن مضيق هرمز فرض خصوصية التعاون العسكري والأمني بين إيران وعمان وانضمت لهما بعد ذلك الكويت بدرجة أو بأخرى مع استمرار العلاقات متدهورة مع كل من الإمارات وبدرجة أقل البحرين، ولقد احتلت القضية الفلسطينية منذ اندلاع الثورة الإسلامية مكانة خاصة في السياسة الخارجية الإيرانية على مستوى منظومة القيم الأيديولوجية وعلى مستوى السياسات والأدوات المستخدمة للتعامل معها.
كما كونت الجمهورية الإسلامية الإيرانية علاقة خاصة بحماس والتي تعدّ أحد أهم حلفاء السياسة الخارجية الإيرانية في تعاملها مع قضايا الصراع العربي الإسرائيلي، وربطت إيران مثلها مثل بعض الدول العربية والإسلامية بين العدوان الإسرائيلي الفظّ على الشعب الفلسطيني الأعزل والتمادي فيه، وبين الموقف الأمريكي المتخاذل أمام حليفه الاستراتيجي الأول في منطقة الشرق الأوسط. وفي وضع آخر كثر الهجوم الإيراني على أمريكا بالنظر لما تدعيه من كونها المدافع الأول عن حقوق الإنسان في وقت تتجاهل فيه عمليات القتل المنظمة التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي.
ومع ذلك، فلقد كان ردّ فعل جزء من الدول الخليجية، ولا سيما السعودية، سلبياً على تصرفات إيران بسبب سعيها لكسب الوّد الغربي، وخاصة ودّ أمريكا، وإقامتها علاقات واضحة أو سرّية مع الكيان الصهيوني، وتعزيز الوهابية والتطرف في المنطقة.
اتفاقية عدم الاعتداء
معاهدة عدم الاعتداء هي معاهدة دولية تبرم بين بلدين أو أكثر تتعاهد بموجبها الأطراف المشاركة في المعاهدة على تجنّب الحرب أو الصراع المسلح فيما بينهم وحل نزاعاتهم من خلال المحادثات السلمية، في بعض الأحيان معاهدات كهذه تنصّ على تجنّب الحرب حتى ولو كان أطراف المعاهدة يحاربون أطرافاً خارج المعاهدة مثل حلفاء الدول المشاركة بالمعاهدة.
وكانت معاهدات عدم الاعتداء شائعة دولياً في عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين لكنها قلّت بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية ويرجع ذلك إلى أن تطبيق أحكام معاهدة عدم الاعتداء يعتمد على حسن النوايا بين أطراف المعاهدة ولذلك أصبحت الدول تميل إلى إبرام اتفاقات أمنية متعددة الأطراف للأمن الجماعي مثل حلف الناتو وحلف وارسو وحلف سياتو وحلف أنزوس.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من وسائل الاعلام بأن وزير الخارجية "محمد جواد ظريف" خلال لقائه بنظيره العراقي "محمد علي الحكيم" قدّم مقترحاً يتضمّن توقيع اتفاقية عدم اعتداء مع دول الخليج الفارسي.
وأكد "ظريف" أن لدى طهران رغبة ببناء علاقات متوازنة مع جميع دول الخليج الفارسي موضحاً إن إرسال أمريكا قوات إلى الشرق الأوسط، أمر خطير للغاية وتهديد للسلام الدولي.
الفرص والتحديات
إن هذه المعاهدة، فيما لو حظيت بتأييد من دول الخليج الفارسي، من شأنها أن تهدّئ الأوضاع في المنطقة، وتسحب البساط من تحت أقدام أمريكا، لأنها دائماً ما تخوّف هذه الدول بإيران.
ومن ناحية أخرى يمكن أن تفتح هذه المعاهدة الباب للمفاوضات وللحلول الدبلوماسية لحل النزاعات الحالية بين بلدان المنطقة، وسوف تساعد هذه المعاهدة في المحافظة على قدر أكبر من الاستقلال الذاتي للحكومات الإقليمية في البيئة الدولية، ولا سيما فيما يتعلق بالعلاقات مع القوى المهيمنة في العالم، وكذلك تقليل الإنفاق الدفاعي والعسكري، وبالتالي زيادة قدرة الحكومات على معالجة الرفاهية والتنمية لشعوبها.
ومع ذلك، لا ينبغي أن ننسى أن هناك بعض التحديات تقف كحجر عثرة أمام معاهدة عدم الاعتداء، أولاً، ستفقد أمريكا والكيان الصهيوني مصالحهما الحيوية في المنطقة التي جلبت لهم الكثير من الأموال من خلال إشعال فتيل التوترات والنزاعات والأزمات والحروب بين دول المنطقة، وأبرزها مبيعات الأسلحة الضخمة واستمرار الوجود العسكري في المنطقة وهذا الأمر سيجبر أمريكا على التصدي لهذه المعاهدة.
ومن ناحية أخرى، لقد تبنّت بعض الحكومات العربية، مثل السعودية والإمارات، عملياً استراتيجية حربية من أجل خلق حالة من عدم الاستقرار في المنطقة لتحقيق أطماعها والنهوض بمصالحها الخاصة، وهذا الأمر يشكّل بطبيعة الحال تحدياً خطيراً لتحقيق الحلول الدبلوماسية في منطقة الشرق الأوسط وسوف يقف كحجر عثرة أمام تنفيذ هذه المعاهدة.