الوقت- أعلن وزير الخارجية الإيراني، "محمد جواد ظريف"، عقب عودته من زيارة قام بها لأمريكا، أن بلاده تبحث في عدد من الخيارات بعد تشديد العقوبات الأمريكية على طهران خلال الفترة الماضية، من بينها الانسحاب من معاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية "إن بي تي"، مشيراً إلى أنه يعتزم زيارة كوريا الشمالية في الأيام المقبلة.
إن تسلسل هذه التحركات الدبلوماسية جاء عقب تكثيف الضغوط الأمريكية على طهران وفرضها المزيد من العقوبات الاقتصادية على النفط الإيراني وعدم استجابة قادة البيت الأبيض للاقتراح الذي قدّمه وزير الخارجية الإيراني المتمثل في تبادل الأسرى كخطوة أولى لدراسة نوايا واشنطن الحقيقية لعقد مفاوضات قادمة وهذا الأمر أثار العديد من الأسئلة حول ما هي الرسالة التي يحاول "ظريف" إرسالها بعد إعلانه عن تلك الخيارات ومن هو المخاطب الذي وجّه له "ظريف" رسالته؟
إيران ومعاهدة الحدّ من انتشار الأسلحة النووية "إن بي تي"
معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية هي معاهدة دولية، بدأ التوقيع عليها في 1 يوليو 1967 للحدّ من انتشار الأسلحة النووية التي تهدد السلام العالمي ومستقبل البشرية وفي وقتنا الحالي وقّع على الاتفاقية 189 دولة ومع ذلك مازال خارج الاتفاقية ثلاث دول نووية هم الهند وباكستان و"إسرائيل" ولم تصرّح تل أبيب حتى الآن عن امتلاكها للسلاح النووي رغم الكثير من المؤشرات التي تؤكد ذلك. إحدى الأطراف التي يحتمل امتلاكها لقوة نووية هي كوريا الشمالية أيضاَ التي ما زالت خارج الاتفاقية ولقد تم اقتراح الاتفاقية من قبل إيرلندا وكانت فنلندا أول من وقع عليها.
وتنص المادة 4 من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، بأنه يحق للدول الأعضاء البحث والتطوير في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية، وشجعت أيضاً هذه المادة الدول التي تمتلك التكنولوجيا النووية على التعاون مع الأعضاء الذين يملكون تكنولوجيا قليلة لنقل المعرفة النووية السلمية لهم ولكن للأسف الشديد قامت واشنطن بالانسحاب من الاتفاق النووي، وهذا عمل غير قانوني، لكي تفرض المزيد من القيود والضغوط على طهران ومنعها من استخدام التكنولوجيا النووية السلمية وفي هذه الحالة، يمكن أن يكون التزام إيران بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية مضراً بمصالحها الحيوية، ولكن وفقاً للمادة 10، فإنه يحق لأي دولة الانسحاب من هذه المعاهدة إذا ما شعرت بأن مصالحها الحيوية تتعرّض للخطر.
معنى انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي
لا يعني انسحاب إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي، التحرك نحو امتلاك سلاح نووي، لكن سيصبح من حقها عدم القبول بدخول مفتشين نوويين إلى أراضيها، وبالتالي، فإن واحدة من أكثر الرسائل التي قالها "ظريف" للغرب تتمثل بأنه عندما يؤخذ امتياز المادة 4 من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية من إيران فعلياً، فلن يكون هناك حق للغرب في التفتيش.
لقد جاءت تصريحات "ظريف" هذه بعدما عرضت إيران مراراً قضية تبادل الأسرى الأمريكيين مقابل الأسرى الإيرانيين، لكنها لم تتلق رداً إيجابياً من أمريكا وهذا الأمر يدل على أن قادة البيت الأبيض لا يكترثون بعملية إطلاق سراح أسراهم. لذلك، فإن الإعلان عن إمكانية انسحاب إيران من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية يظهر في نفس الوقت المساعي الإيرانية الجدية والحميدة فيما يتعلق بأمورها الدبلوماسية.
ومن جهة أخرى يعني هذا الإعلان احتمال انسحاب إيران من معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية كما أن التزام إيران بالمبادئ التي في الأصل لا تلتزم بها أمريكا، يعدّ أمراً غير منطقي وغير معقول، لذلك، قال وزير الخارجية الإيراني: " الأمريكيون لا يوفون بالتزاماتهم" وبالنظر إلى التجارب الإيرانية طويلة الأمد في مواجهتها للعقوبات وانكشاف جميع البطاقات الأمريكية التي استعان بها قادة البيت الأبيض لممارسة الضغط على طهران خلال العام الماضي، فإنه يمكن القول هنا بأن طهران تملك في وقتنا الحالي العديد من الخيارات التي تمكّنها من الرد على عدم التزام واشنطن بالمواثيق والاتفاقات الدولية وعلى تقاعس الدول الأوروبية واختلاقها للكثير من الأعذار والمبررات.
زيارة "ظريف" القادمة إلى كوريا الشمالية وروسيا
لقد عزز التعاون الصاروخي الإيراني – الكوري الشمالي دائماً الدفاعات التقليدية للبلدين، إلا أن الدعوات الدبلوماسية الأخيرة بين طهران وبيونغ يانغ لها أهمية كبيرة من البعد السياسي. فبعد يوم واحد من استئناف العقوبات الأمريكية على طهران، قام وزير خارجية كوريا الشمالية "راي يونغ يو" بزيارة رسمية إلى إيران.
يذكر أن محادثات أمريكا مع كوريا الشمالية لم تكن مرضية ولم تكن ناجحة، لذا فإن زيارة "ظريف" إلى كوريا الشمالية كدولة قامت في الماضي بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي يمكن أن يجعل إجراءات "ترامب" ضد كوريا الشمالية وإيران تنقلب ضده. كما أن هذه الزيارة سوف تعزز موقف بيونغ يانغ من الصمود أمام المطالب الأحادية لأمريكا.
من ناحية أخرى، ونظراً لأن حكومة "ترامب" قد أعلنت أن كوريا الشمالية وروسيا والصين وإيران تشكّل تهديداً لاستراتيجيتها الدفاعية والأمنية، فإن هذا الأمر سيعزز علاقات هذه الدول مع بعضها البعض وستكوّن كتلة قوية لمواجهة الأطماع الأمريكية في العالم.