الوقت- موضوع تشكيل الحكومة العراقية لايزال عالقاً حتى اللحظة في ظل عرقلة تشكيل الكتلة الأكبر من أجل تشكيل الحكومة المقبلة، وأغلبية الكتل السياسية تبحث عن تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، لأن إهدار الوقت بهذه الطريقة لن يكون لمصلحة أحد، لذلك لا بدّ من تشكليها قبل نهاية العام الحالي لكون العراق ملتزم بقرار أممي وهو أن يشكل الحكومة قبل نهاية العام الحالي وإن فشل ستفرض عليه الوصاية الدولية والعودة للبند السابع.
هذا التأخير لن يصبّ بطبيعة الحال إلا في مصلحة أمريكا التي تريد حصة من الكعكة العراقية مهما كلف الثمن، خاصةً وأنها غرقت في وحل العراق لسنوات طويلة دون أن تنجز أي شيء يذكر لا على مستوى الديمقراطية ولا على مستوى إرساء الأمن بل على العكس ما شهده العصر الأمريكي في العراق كان سوداوياً ومخيفاً، حيث ظهر التنظيم الإرهابي "داعش" هناك، وتمّت تغذيته حتى تحوّل إلى سرطان استشرى في كل أرجاء العراق، ولولا تضافر جهود العراقيين ودعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لهم في تلك المرحلة لكان هذا السرطان عمّ أرجاء الشرق بأكمله، وبعد تطهير العراق من رجس "داعش" على عكس ما كانت تتوقع واشنطن التي أثبتت عشرات التقارير الدولية بأن لها اليد الكبرى في دعم التنظيم الإرهابي انتقاماً من العراقيين الذين أخرجوها ولسهولة السيطرة على العراق في نفس الوقت، بعد ذلك وجدت أمريكا أن ليس لها "لا ناقة ولا جمل" في المعادلة السياسية الجديدة بعد خروج "داعش"، لذلك كان لا بدّ من السعي للتعطيل.
هذا ما يجري اليوم حقاً، ولكل من يريد أن يتأكد من ذلك ما عليه سوى مراقبة، تحركات المبعوث الأمريكي لدى تحالف واشنطن، بريت ماكغورك، الذي يكثّف لقاءاته مع المسؤولين العراقيين هذه الفترة بغرض إيجاد مكان لأمريكا في التركيبة السياسية المقبلة، وحتى اللحظة لا يبدو أنه قادر على ترك أي بصمة لأمريكا في الحكومة المقبلة، فنتائج الانتخابات لم تأتِ لمصلحتها على الإطلاق، فقد تلقّت واشنطن صدمة بفوز تحالفي سائرون والفتح وما خرج عن تصريحات مسؤولي هذين التحالفين لا يبشّر بالخير لمستقبل واشنطن في العراق.
إذن ما الحل؟!
أولاً: الأمريكي يدعم التيارات والأحزاب في مسار تشكيل الكتلة الأكبر في حالة واحدة فقط، أن تعطي هذه الأحزاب والتيارات الضوء الأخضر تجاه استمرار وبقاء الحضور والوجود العسكري الأمريكي بالعراق، وفي الأمس أكد التحالف الأمريكي بقاء قواته في العراق للمساعدة في استقرار البلاد في مرحلة ما بعد داعش، وقال المتحدث باسم التحالف شون رايان، إن السبب الرئيسي لوجود القوات الأمريكية هو جهود تحقيق الاستقرار.
ويبقى السؤال أن ما عجزت واشنطن عن تحقيقه خلال الـ15 عاماً الماضية هل بإمكانها تحقيقه اليوم؟!، في واقع الأمر الأمريكي يدعم هذا المسار فقط من أجل تحقيق مصالحه في العراق، وهذه المصلحة حالياً تترجم في استمرار وبقاء وجوده العسكري بالعراق، لأن هذا يعتبر مركز ثقل للنفوذ الأمريكي في العراق.
ثانياً: لكون التحالفات العراقية الجديدة لا تتماشى ولا تقف في الخندق الأمريكي، تعمد واشنطن إلى تأخير تشكيل الحكومة، في محاولة منها لدخول العراق مجدداً والسيطرة عليه تحت الفصل السابع، وهذا لن يحدث على الإطلاق، فبالرغم من كل محاولاتها لبث الفتنة بين الأفرقاء العراقيين لم تنجح، ولم تستطع أن تجرّهم إلى صراع مسلّح حتى، وكذلك الأمر بالنسبة للعلاقة بين بغداد وإقليم كردستان.
وأمريكا بحثت سابقاٌ عن ضرورة أن تكون وسيطة في المفاوضات بين بغداد وأربيل لقلب الطاولة على الجميع في حال كانت الحكومة الجديدة ليست في مصلحتها، ومع ذلك لم تعد واشنطن تملك نفس التأثير الذي كانت تملكه في السابق على الأكراد، فعلى ما يبدو أن سحرها تبدد وتلاشى هناك.
يمكننا رؤية ذلك من خلال أكراد سوريا الذين لم يعد بإمكانهم الثقة بالأمريكي لكثرة ما خذلهم، وفي الأمس رجحت إلهام أحمد رئيسة الهيئة التنفيذية لمجلس سوريا الديمقراطية، انضمام قوات سوريا الديمقراطية "قسد" الذراع العسكري للمجلس، بصيغة أو بأخرى إلى الجيش السوري في المستقبل، وأشارت في حديث للـ "بي بي سي" إلى أن ذلك قد يتحقق، عندما يتم الاتفاق على مستقبل سوريا ونظام الحكم فيها، وقالت إنّ طرفي المفاوضات لم يتطرقا إلى قضايا الأمن بعد.
إذن الأمور لم تعد في مصلحة واشنطن في العراق وسوريا خاصةً بعد انخفاض ثقة الأكراد بهم، ومؤخراً كشف القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني محسن السعدون عن "تدخلات” أمريكية "مباشرة" بتشكيل الحكومة المقبلة، مبيناً أن الخارجية الأمريكية خصصت مبعوثاً من أجل الضغط على الكتل السياسية لتشكيل التحالف الأوسع قبل بدء عمل البرلمان.
وفي الختام يمكن القول بأن التجربة الأمريكية فشلت في العراق، ولا يبدو أن العراقيين حاضرون لإعادة التجربة، فأبناء العراق ليسوا راضين عن النظام السياسي الذي جاء به الأمريكيون، وكل محاولاتها لبث الفتنة والتفرقة باءت بالفشل لذلك عليها أن تحترم حق العراقيين في تقرير مصيرهم إن كانت تدّعي الديمقراطية وعدم التدخل بشؤون الآخرين.