الوقت - بعد مرور ما يقارب الشهر من انطلاق عاصفة الحزم، سُئل وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن إمكانية العودة إلى طاولة المفاوضات للخروج بحل سياسي في اليمن؛ أجاب يومها بسخرية مفادها أن عمليات عاصفة الحزم في حد ذاتها نوع من أنواع التفاوض والحوار، وأنه ليس بالضرورة أن تكون جميع الحوارات على الطاولة. كان جواب الفيصل يومها واضحاً وصريحاً، فهو يتحدث بلغة المتعالي المنتشي بالقوة، ويوجه رسالة استخفاف للأطراف في الداخل اليمني، بأن لغة القوة هي البديل المطروح حالياً، وهي الطريقة المناسبة لكي يعودوا إلى طاولة المفاوضات بأدنى سقف. لم يكن الفيصل يدرك أن اليمنيين سيقلبون الطاولة رأساً على عقب، ويدسون معيار القوة والتسليح في التراب، بل يمطرون مدن مملكته بباليستيات صنعوها بأيديهم، وبراكين أوقدوا حممها لتصهر الرياض وما بعدها. لقد كان الفيصل غبياً ومثيراً للشفقة، يوم حاول ليّ أذرع اليمنيين بكماشة القتال والحصار، فهو لا يفقه أنه أعطاهم ما يتمنونه ويتقنونه، فهم رجال البأساء وضراغمة الضراء، وأولي البأس الشديد. اليوم تبدو معادلة الفيصل عكسية، حين يرى العالم أجمع، كيف أن مملكة الشيطان هي من تحاول جاهدة للهروب من خيار الحرب، وتهرول بقوة نحو مفاوضات تفضي إلى حل سياسي يخرجها من المستنقع اليمني الذي غرقت فيه بفعل جهلها وغبائها وسياسة مراهقيها.
تفاؤل حذر
يأتي اختيار الأمم المتحدة الدبلوماسي البريطاني مارتن غريفثت مبعوثاً جديداً لها إلى اليمن، بطلب سعودي صرف حتى وإن لم يظهر للعيان تصريح بذلك، ويتجه عمل المبعوث لتفعيل جهود الوساطة الدولية لحل إحدى أشد الأزمات استعصاء ومأساوية في المنطقة. وخلافاً لسلفيه، اللذين ينحدران من أصول عربية، سيكون غريفثت، المبعوث الغربي الأول الذي يتولى مقاليد الوساطة الأممية في أزمة اليمن؛ ما جعل الشارع اليمني يتابع مساعيه بنوع من التفاؤل الحذر. ويتوقع مراقبون أن غريفثت سيكون أوفر حظاً من سابقيه، لأنه إضافة إلى خبرته والقبول السياسي الذي يحظى به، قد يستخدم الحضور السياسي الوازن لبلاده إقليمياً ودولياً، وكذلك حضورها كإحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن.
لقاء مع السيد
على الرغم من فشل الجولات ومحاولات الوساطة السابقة التي خاضها المبعوث الأممي لليمن إسماعيل ولد الشيخ، فإن الجولة الراهنة التي قام بها المبعوث الجديد، والتي بدأت بزيارة عدن ثم صنعاء، ثم اللقاء بالسيد عبد الملك الحوثي، قد تتوافر لها فرص النجاح؛ خصوصاً وأنها تجمع رؤوس قوى العدوان في المفاوضات بعيداً عن أدواتها الموضوعة تحت الإقامة الجبرية، فالرياض ترى أن الحرب بلغت ذروتها وأرهقتها فعلياً ولم يعد أمامها إلا أن تتسع لحرب إقليمية مباشرة لا تستثنيها مع إيران، وهو احتمال ليس من الصعب تصوره بحسابات الظروف الحالية في المنطقة، ولاسيما مع تكرار الاتهامات السعودية الصريحة المتكررة لطهران بأنها من تقف وراء التسليح الباليستي للجيش اليمني ولجانه الشعبية. الآن وبعد أن سقطت ورقتها المتمثلة في الرئيس السابق عن المسرح، وبلغت صواريخ أنصار الله عمق المملكة، فإن الأجواء مهيّأة أكثر للتسوية؛ ولم يعد بإمكانها تعليق أي مفاوضات تسعى لإنقاذها من ورطتها.
رمضاء ونار
بعد عجز قوى العدوان على اليمن لثلاثة أعوام على التوالي من تحقيق أي هدف يذكر بالخيار العسكري، تحاول هذه القوى الجنوح لأي حلول أخرى من شأنها انتزاع اليسير من هذه الأهداف. فالسعودية والإمارات، تدركان جيداً أن أكثر ما يلحق الضرر بهما، أو يشكّل خطراً عليهما، أمران أساسيان، هما: إمكان تشكل دولة مستقلة قوية في الشمال اليمني تحت حكم جماعة أنصار الله، تكون بمثابة رأس حربة لمحور المقاومة، وهي كفيلة بتغيير كلي في المسرح الاستراتيجي للمنطقة وتهدد الأمن القومي للأنظمة المنبطحة للعدوين الأمريكي والإسرائيلي ممثلة بدول الخليج، أما الثاني فهو هجمات أنصار الله وضرباتها المركزة والموجعة على الجنوب السعودي، واستهدافها بالصواريخ البالستية عمق السعودية، وفضلاً عمّا يشكله ذلك من خطر على البنية التحتية والبشرية فإنه يلحق أبلغ الضرر بهيبة الدولة السعودية، ناهيك عن تهديدات العام الرابع التي دشنها اليمنيون قبل أيام، والتي ستتجه فيها القوة الصاروخية اليمنية في ضرباتها إلى تهديد منشآت حيوية وعسكرية ومطارات وممرات مائية ومنشآت نفطية، إضافة إلى المرافق والمشروعات التنموية الكبرى، وتشمل هذه التهديدات دولة الإمارات أيضا.
مسك الختام
أكد اليمنيون في عامهم الرابع من الثبات والصمود في وجه العدوان، أنهم ماضون في انتزاع الانتصار مهما كلفهم ذلك من ثمن، وفي الوقت نفسه يرحبون بأي مساع للسلام والحوار العادل الذي يفرق بين الضحية والجلاد، على أن يكون الوسطاء محايدون، وعلى قدر كبير من الجدية، بعيداً عن الارتهان لقوى العدوان التي جعلت من المبعوثين الأمميين السابقين جنديين لها، ولم تكن مساعيهما سوى تنفيذ أجندات سعودية تحت غطاء السلام الأممي.