الوقت- ربما تكون المسافة بين حلب الشرقية والغوطة الشرقية شاسعة تصل إلى "355 كم" وربما أكثر، هذا من الناحية الطرقية أما من الناحية الاستراتيجية للمسلحين الموجودين في الغوطة الشرقية والذين كانوا ينتشرون في حلب الشرقية فالمسافة معدومة لأن ما جرى في حلب الشرقية قبل أكثر من عام يذكرنا كثيراً بما يجري اليوم في الغوطة الشرقية التي يعاني مسلحوها كما عانى من سبقهم في حلب، حتى الحلول بينهما مشتركة وتختصر على "الضغط على الحكومة وإجبارها على التراجع عن طريق استخدام المدنيين كدروع بشرية وقتل من يحاول الفرار منهم إلى الجانب الذي تسيطر عليه القوات السورية".
بالإضافة إلى استهداف المدنيين في المناطق التي تخضع لسيطرة الدولة، كما فعل المسلحون مؤخراً مع سكان العاصمة دمشق، حيث استهدفوا المدنيين بعشرات قذائف الهاون وقتلوا عدداً كبيراً من الأبرياء للضغط على الحكومة في المحافل الدولية بعد أن خسرت المعارضة المسلحة معظم أوراقها وانكشف زيف ادعاءاتها في كل المواضيع التي كانت تتهم الحكومة السورية فيها، ابتداءً من الحوارات الوطنية وليس انتهاءً باتهامها بخرق الهدنة.
واليوم تقف المعارضة المسلّحة على ممر ضيق تحيط به الهاوية من جميع الجهات، أينما ذهبت ستسقط ومهما فعلت ستسقط، لماذا نعتقد ذلك؟!.
إن ما يجري على الأرض والتجربة السورية مع الجماعات المسلّحة والنقاط التالية ستجيب عن ذلك:
أولاً: رغم كل الدعم الغربي للجماعات المسلحة على امتداد عمر الأزمة السورية في المحافل الدولية وعلى الأرض بالمال والسلاح، لم تستطع هذه الجماعات إحراز أي انتصار فعلي على الأرض يتعدى كونها تمكّنت وببراعة من تشريد آلاف المواطنين وتدمير منازلهم بعد سرقتها وتهديد من تبقّى منهم.
ثانياً: الحكومة في بداية الأزمة اعترفت بأن الإصلاح ومحاربة الفساد حق مشروع للمواطنين وتحدّثت عن تقصير من جانبها في العديد من القضايا، ومع ذلك فشلت المعارضة في استغلال نقاط الضعف هذه لدى الحكومة لمصلحتها، وبعد فترة وجيزة لجأت إلى استخدام السلاح وقتلت العديد من عناصر الأمن وهاجمت مراكز حكومية وأضرمت النيران فيها علماً أن هذه المراكز هي لخدمة المواطنين على جميع انتماءاتهم، ورويداً رويداً بدأ جمهور هذه المعارضة يتناقص لمصلحة الدولة السورية التي أصبح همّها الأول والأخير إعادة الأمان والاستقرار إلى البلاد بعد أن توسعت الأمور وأخذت منحىً خطيراً جداً تدخلت فيه عناصر إرهابية وساندت المعارضة المسلحة في مواجهة الدولة.
ثالثاً: سلوك المعارضة المسلّحة في المناطق التي سيطرت عليها أبعد الناس عنها، وجعلها تحقد عليها وتحاربها وتتظاهر ضدها وقد رأينا هذا الأمر على امتداد الجغرافيا السورية من حلب ودير الزور وصولاً إلى دمشق وإدلب وغيرها من المناطق، ومؤخراً حدث الأمر عينه في الغوطة الشرقية، حيث يستخدم المسلحون حالياً المدنيين دروعاً بشرية ويمنعونهم من الفرار والاتجاه نحو المناطق التي تخضع لسيطرة الدولة السورية، لأنهم يعلمون جيداً أنهم ليس لديهم القدرة على مواجهة الجيش السوري إلا عن طريق الاختباء خلف أجساد المدنيين.
وحول سلوك المسلحين في الغوطة قال المتحدث باسم المركز الروسي اللواء فلاديمير زولوتوخين إن "المسلحين في الغوطة الشرقية يفتشون منازل المدنيين، ويصادرون منها أطعمتهم والبطاقات التي تسمح لهم بالخروج من المدينة"، مشيراً إلى أن هذا الأمر "يؤدي إلى تعقيد الوضع الإنساني بشكل مصطنع في المنطقة". وأضاف مركز المصالحة الروسي اليوم السبت إن المسلحين يمنعون المدنيين مجدداً من الخروج من الغوطة، كما أنهم يستخدمون المدنيين لحفر الأنفاق.
وأكد المركز الروسي نقلاً عن شهود عيان من سكان الغوطة الشرقية، يجرون اتصالات هاتفية مع المركز، أن المسلحين يعدمون من يحاول مغادرة المناطق المحاصرة، مشيراً إلى أن الحقائق على الأرض تبيّن عدم رغبة المسلحين تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2401، وذكرت مصادر أهلية أنّ المجموعات المسلحة احتجزت تجمعاً لعشرات العائلات من أهالي الغوطة الشرقية في سوق الهال بدوما ومنعتهم الخميس من الخروج باتجاه الممر الإنساني.
في مقابل ذلك كانت الحكومة السورية حريصة كل الحرص على حياة المدنيين في الغوطة، حيث ألقت مروحيات الجيش السوري منذ اليوم الأول للحملة العسكرية على الغوطة منشورات على قرى وبلدات الغوطة بريف دمشق، وذلك لإعلام المدنيين الراغبين بالخروج من مناطق انتشار التنظيمات الإرهابية بطرق الوصول إلى الممر الآمن المحدد لخروج المدنيين عبر مخيم الوافدين.
من جهته قال مدير منظمة للأمم المتحدة للطفولة "يونسيف" بالشرق الأوسط الجمعة إن الحكومة السورية قد تسمح بدخول قافلة مساعدات لنحو 180 ألف شخص في بلدة دوما الأحد المقبل.
كل ما تقدم يذكرنا بالأحداث التي سبقت "تحرير حلب" وعلى ما يبدو أن الجيش السوري لن يتوقف عن العمليات العسكرية قبل "تحرير الغوطة الشرقية"، ويشير مراسل الإندبندنت إلى أن حصار منطقة الغوطة الشرقية "قد يكون هو الأخير في الحرب السورية"، في إشارة إلى التوجه نحو الحسم العسكري.
في الختام؛ كل التحليلات تشير إلى أن قضيّة الغوطة الشرقية مسألة وقت، لا أكثر وما استخدام المدنيين كدروع بشريّة إلا لإطالة أمد هذه الأزمة وتحميل المدنيين أعباء هم بغنىً عنها عبر منعهم من الخروج.
معركة الغوطة ستنتهي إما بنصر عسكري كبير أو عبر حل تفاوضي تحت الضغط العسكري.