الوقت- بعد تحقيق الـ"بيتكوين" صعوداً صاروخياً خلال الأشهر الماضية، انهار سعر هذه العملة بنسبة تجاوزت الـ 30 بالمئة خلال الأيام الأخيرة. وهذا الانهيار هو الأسوأ منذ نيسان/أبريل 2013 وذلك إثر تحذيرات شديدة من العواقب السلبية لتداول هذه العملة في الكثير من دول العالم، خصوصاً في شرق آسيا.
وتعرف البيتكوين (Bitcoin) على أنها عملة افتراضية ليس لها وجود فيزيائي ملموس يمكن رصد حركته في النظام النقدي أو المصرفي، ويجري تداولها بين الأفراد أو الشركات والمؤسسات عبر الإنترنت، التي تعتمد تعاملاتها على ما يعرف اصطلاحاً بمبدأ "الند بالند".
وهذه العملة المشفرة، صممتها وأطلقتها شخصية مجهولة الهوية تُعرف باسم "ساتوشي ناكاموتو" في عام 2008 وبدأ رواج استخدامها بشكل محدود بين الأفراد وقطاع الأعمال في عام 2009.
وارتفعت قيمة البيتكوين بشكل لافت خلال 2017، إذ لم تكن قيمتها تتجاوز 920 دولارا، في يناير 2017، لكنها وصلت في منتصف ديسمبر الماضي، إلى أكثر من 20 ألف دولار، ما تسبب بضجة كبيرة في أسواق المال ودفع بالعديد من الخبراء إلى محاولة فهم أسباب هذا الارتفاع، في حين حذّر مسؤولو البنوك المركزية في مختلف أنحاء العالم من عدم القدرة على التنبؤ بتحركات الـ"بيتكوين"، مؤكدين أنها تشكل "أصل فقاعة" يمكن أن ينهار في أي وقت من حيث القيمة.
وهناك فرق جوهري بين العملات الرقمية ونظيرتها التقليدية مثل الدولار والين، فهذه الأموال الافتراضية لا تخضع لتحكم البنوك المركزية أو الحكومات.
ومن سلبيات الـ"بيتكوين" الأبرز هي إمكانية استخدامها في عمليات تجارية غير مشروعة أو قانونية عبر الإنترنت، ومنها تجارة المخدرات، وغياب تشريعات تنظم التعامل بها وتحفظ حقوق مستخدميها، كما أن قيمتها عُرضة للتذبذب بشكل كبير، إلى جانب العدد القليل من المتاجر والمحالّ التي تقبل التعامل بها، وغياب الاعتراف الدولي الكامل بها.
وسبق أن استخدمت الـ"بيتكوين" في عمليات قرصنة حواسيب وحسابات شخصية وطلب فدية، وتحديداً في الهجومين الإلكترونيين العالميين: فيروس الفدية الأول "Wanna cry" والثاني "Petya".
وهنالك 3 عوامل رئيسة كانت وراء ارتفاع الـ"بيتكوين" منذ بداية عام 2017، الأول هو انقسام العملة إلى عملة أصلية وأخرى جديدة تحمل اسم "بيتكوين كاش".
والعامل الثاني يتمثل في تسريع المعاملات الذي يتيحه البرنامج الجديد لـ"بيتكوين كاش"، كما يعمل مطورو الـ"بيتكوين" على زيادة سرعة معاملاتها أيضاً باستخدام برامج عديدة.
والعامل الثالث، وهو الأبرز، يتمثل في ارتفاع الطلب على هذه العملة من قبل عدد من الدول التي اعترفت بها رسمياً أو تركت للشركات والأفراد حرية التعامل بها ومن أبرزها الدنمارك وأستونيا والسويد وكوريا الجنوبية وكندا وفنلندا وهولندا وبريطانيا.
وتجدر الإشارة إلى أن التعامل بهذه العملة يشكل خطراً على المتعاملين بها لكونها نقوداً افتراضية لا تتبناها الجهات الرسمية ويبقى أصحابها الأصليون دائما مجهولي الهوية، مما يفقدها الشرعية والقانونية ونظامية التعاملات بما في ذلك الغطاء، وتبعا لذلك فسعر صرفها متذبذب للغاية.
وهناك تخوّف مشروع من إمكانية استعمال هذه العملة من طرف المجرمين أو عناصر أخرى في أنشطتهم غير المشروعة بسرية كبيرة، حيث لا يمكن ملاحقة هؤلاء قضائياً أو القبض عليهم، لأنه ليست هناك شركة أو رئيس أو مكتب مديري يمكن التعامل من خلاله في هذه الحالة. كما أن كافة الحسابات مجهولة الهوية ومشفرة.
وهناك شباب مراهقون يرغبون بكسب المال بسرعة من خلال التعامل بهذه العملة، وهناك قلق من أن يستخدموها في الاحتيال وفي جرائم تتعلق بالاتجار بالمخدرات.
ويمكن القول بأن إمكانية ظهور عملة تشفير أخرى، تكون أفضل من الـ"بيتكوين"، واستمرار عدم إمكانية الحصول على قيمة واقعية وحقيقية للـ"بيتكوين" سيبطئ من نموها في السوق مع مرور الزمن. والأفراد الأشد تضرراً من تداول هذه العملة هم الذين يمارسون أنشطة ومشاريع تجارية قانونية.
كما أن نظام التداول يؤدي إلى فقدان الثقة بالعملة، لما يتطلبه تصحيح الخطأ من إعادة تثبيت المعلومات البرمجية وإعادة تشغيل النظام الذي سيؤدي بدوره إلى انهيار سعر الصرف بسرعة.
عموماً تكمن الخطورة في أن هذه العملة الافتراضية غير مغطاة بأصول ملموسة، ولا تحتاج في إصدارها إلى أي شروط أو ضوابط، وليس لها اعتماد مالي لدى أي نظام اقتصادي مركزي، ولا تخضع لسلطات الجهات الرقابية والهيئات المالية؛ لأنها تعتمد عبر الإنترنت بلا سيطرة ولا رقابة.
وينبغي التنويه إلى أن النقود الورقية وإن كانت تتحدد قيمتها وفق العرض والطلب، لكن يبقى لها سند وامتداد اقتصادي كميزان المدفوعات وسيادة القانون، في حين لا تتوفر للنقود الرمزية ومنها الـ"بيتكوين" أي خلفية اقتصادية لتعبّر عن امتدادها ولتستمد منها القيمة والقوة الشرائية حتى تحافظ على وجودها من أن تتلاشى.
بمعنى آخر تعتبر الـ"بيتكوين" شكلاً من أشكال غسيل الأموال للتفاوت الكبير في قيمتها، فضلاً عن عدم معرفة مَن البائع ومَن المشتري، كما تعتبر وسيلة سهلة لبعض التمويلات المشبوهة.
من خلال قراءة هذه المعطيات يبقى السؤال مطروحاً حول مستقبل الـ"بيتكوين"، وهل ستختفي مع مرور الزمن وتكون مجرّد وسيلة غير قانونية استخدمها مجهولون لتكوين ثروة قد تقدر بمئات ملايين الدولارات؟