في عام 2011 بدأت الاضطرابات في سوريا ولا تزال حتى يومنا هذا، وبعد ذلك اخذت القوى الاقليمية المخالفة للرئيس بشار الاسد وحكومته بالتدخل في الشؤون الداخلية السورية وحولت الازمة في سوريا من داخلية الى اممية. وخلال هذه الاعوام أبرمت هذه القوى اتفاقيات عدة من اجل إنهاء الحرب وإراقة الدماء في سوريا الا ان جميع محاولاتهم باءت بالفشل.
ومن هذا المنطلق، فإن الولايات المتحدة وروسيا، باعتبارهما القطبين المتنافسين والحاسمين في سياق التطورات السورية على مدى السنوات الماضية، قد أجروا محادثات مختلفة للتوصل إلى وجهة نظر مشتركة بشأن مجموعة متنوعة من المواضيع، ولكن هذه المفاوضات لم تتحقق في نهاية المطاف.
وفي هذا السياق، وعقب اعلان الناطق باسم الحكومة الاردنية عن اتفاق ثلاثي بين الولايات المتحدة وروسيا والاردن حول انهاء العنف في سوريا وتهيئة الظروف المناسبة لايجاد حل سياسي دائم في 20 تشرين الثاني / نوفمبر، وبعد البيان المشترك لـ ترامب وبوتين على هامش قمة "أبك" في فيتنام واتفاق الطرفين حول الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، واستمرار مسارات الاتصال لمنع المواجهات المحتملة بين الطرفين ومواصلة القتال ضد داعش.
ومع ذلك، أعلن أمس وزير الدفاع جيمس ماتيس أن مجلس الأمن منح القوات الأمريكية الحق في البقاء في سوريا وأن هذه القوات لن تترك الأراضي السورية بسهولة، الا ان وزير الخارجية الروسي وصف وجود قوات التحالف الذي تقوده امريكا في سوريا بالغير الشرعي لان امريكا تتسامح مع الارهابيين، متسائلا عن الهدف الحقيقي لتواجد هذه القوات في سوريا، حيث قال لافروف: "إن موسكو بحثت مع الأمريكيين آلية عمل منطقة خفض التوتر في جنوب غرب سوريا، والتي شارك الأردن في العمل على إقامتها، وأن الاتفاقات الروسية الأمريكية الأردنية تفترض سحب "تشكيلات غير سورية" من هذه المنطقة، ولكن الحديث لم يتطرق إلى موضوع خروج إيران أو بالأخص قوات موالية لإيران من سوريا، كما إذا نظرنا إلى من يمثل أكبر خطر فإنهم أتباع للولايات المتحدة، وهم إرهابيون أجانب ومسلحون يحاولون الانضمام إلى الجماعات المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة".
وبالنظر إلى هذه المواقف التي تظهر في الواقع ضربة أخرى للاتفاقات العديدة بين هاتين القوتين في سياق التطورات السورية فإن السؤال الذي يطرح نفسه ما هي الاسباب الحقيقية التي تقف في وجه نجاح الاتفاقات بين واشنطن وموسكو؟
السبب الاول: تضارب المصالح الاستراتيجية
يعد تعارض الاهداف والسياسة التي تعتمدها موسكو ووشنطن في سوريا من ابرز الاسباب التي تقف في وجه اي اتفاق بين الطرفين. ففي حين دخلت روسيا سوريا لمكافحة الإرهاب وخلق الاستقرار والأمن هناك وبطلب من الحكومة الشرعية في سوريا، دخل التحالف الغربي وعلى راسه الولايات المتحدة مع حلفائها الإقليميين لدعم الارهابيين سعيا للإطاحة بالنظام الحاكم وتغيير الوضع القائم، وذلك من اجل الحفاظ على امن الكيان الاسرائيلي وتغيير الحكومة هناك بما يتوافق مع سياسة امريكا في الشرق الاوسط.
وتسعى الولايات المتحدة لتوسيع وجودها في المنطقة من خلال إنشاء حلفاء جدد وإقامة قواعد عسكرية أكثر، وذلك من اجل زيادة الضغط على إيران وخلق جو تنفسي لإسرائيل من خلال إستهداف دمشق كأحد ابرز ركائز المقاومة. من ناحية أخرى، ترى روسيا التوسع الامريكي في المنطقة وذلك عبر الإطاحة بالدول الاستراتيجية في الشرق الأوسط بعد تطورات الصحوة الإسلامية خطراً كبيراً عليها، فهي تعتبر وجودها في سوريا منصة لعودتها وتوسيع نفوذها في المنطقة بعد ما يقرب من ثلاثة عقود من انسحابها منها، اعتقاداً منها انه قد يقلل من الضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأوروبية الأمريكية عليها. وقد أدت هذه التناقضات إلى تباين واسع في وجهات النظر بين القوتين، وتقويض نجاح الاتفاقات بين الطرفين، والاكتفاء فقط على العموميات مثل الحفاظ على السلامة الإقليمية ومحاربة داعش.
السبب الثاني: عدم الثقة في واشنطن
"عدم ثقة روسيا في الولايات المتحدة"، سبب آخر اساسي يقف في وجه نجاح اتفاقات موسكو وواشنطن. فعلى سبيل المثال، بعد اتفاق مارس / فبراير 2016 بشأن وقف إطلاق النار الشامل في سوريا بين روسيا والولايات المتحدة، اعلن لافروف في 13 مايو / أيار 2016 في ختام القمة التي استمرت يوما واحدا بين مجلس وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا ان واشنطن لم تفي بالتزاماتها قائلاً : "ان الجانب الامريكي قد وعد في شباط / فبراير الماضي بفصل " المعارضة السورية" عن الإرهابيين التابعين لجبهة النصرة، إن وعد الأمريكيين لم ينفذ حتى الآن، رغم مرور 3 اشهر على اعلان مجلس الامن وقف اطلاق النار في سوريا".
ايضاً، وبعد الاتفاق الاخير بين الجانبين، اصر وزير الدفاع الأمريكي على بقاء القوات الأمريكية في سوريا تحت ذريعة محاربة داعش، الا ان موسكو رأت في هذا الأمر خروجا من الاتفاق واعترضت على هذه المواقف. اصرار المسؤولين الامريكيين كان مبني على ان موسكو قد تعهدت باخراج قوات المقاومة من الجنوب، وجنوب غرب سوريا. الا ان موسكو سرعان ما نفت هذا الامر. ويدرك مسؤولي موسكو جيدا أن الأميركيين لن يوفوا بالتزاماتهم واتفاقاتهم، فهم لاحظوا ذلك مرارا وتكرارا في اتفاقات واشنطن مع بلدان مختلفة، مثل التفاوض مع كوريا الشمالية وليبيا وإيران. وعلى هذا الاساس يعد عدم ثقة موسكو في امتثال أمريكا لالتزاماتها في سوريا من الاسباب الرئيسية لعدم استقرار الاتفاقات بين روسيا وموسكو بشأن سوريا وقضايا المنطقة.
السبب الثالث: الاستماع الى الحلفاء
يمكن القول وبدون تردد ان نجاح روسيا في سوريا يعود الى تفاهمها الحصل يبينها وبين قوى محور المقاومة وبالاخص ايران وحزب الله، فقد تمكنت روسيا من خلال هذا التفاهم بفتح موطئ قدم جديد لها على الساحة السورية وجعل منها لاعبا اساسياً في قضايا المنطقة وفي مواجة الولايات المتحدة. وتعد زيارة بوتين لطهران خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتشديده على توسيع التعاون بينهما، بل وتشكيل تحالف استراتيجي إقليمي مع إيران، يؤكد حقيقة أن الروس يأخذون في الاعتبار مخاوف حلفائها الإقليميين (سوريا وايران) في اتفاقاتهم مع الولايات المتحدة حول موضوع سوريا.