الوقت- في تطور جديد من شأنه أن يرسم خريطة سياسية جديدة لليمن ويعقد أزمة البلاد أكثر وأكثر، قام محافظ مدينة عدن، عيدروس الزبيدي بإعلان تشكيل "مجلس انتقالي جنوب اليمن" يحمل على عاتقه بحسب الزبيدي مسؤولية إدارة المحافظات الجنوبية البالغ عددها سبع محافظات.
وعلى وقع هذا الحدث تباينت الآراء وانقسمت بين مؤيد ومعارض، إلا أن الأكثرية اعتبروا هذا المجلس يمثل تهديدا كبيرا للوحدة اليمنية وانفصال الشمال عن الجنوب وخيانة للشرعية، وطالبوا بتقديم مصلحة اليمن على المصالح الشخصية.
وبين هذا وذاك يقف الشعب اليمني "الذي أنهكته الحرب" بغالبيته في وجه هذا المجلس الانتقالي، معتبرين أنه يهدد استقرارهم ووحدة أراضيهم ويوسع دائرة الصراع كما أنه يهدد بمزيد من الفوضى والدمار ولا يخدم مصالح الجنوبيين حتى.
وفي ظل ما يحدث لابد من أن نتساءل كيف يمكن للزبيدي ومجلسه الجديد إدارة الجنوب بمحافظاته السبعة وهو ملاحق ومتهم بقضايا فساد ورشوة وبيع الأراضي العامة وسوء الإدارة وعدد من القضايا الأخرى في أثناء إدارته محافظة عدن؟.
يضاف إلى هذا تساؤل من نوع آخر، هل أصبح بإمكاننا القول أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أخطأ في طريقة إدارته للازمة اليمنية واتخاذه للقرارات خاصة أن تقسيم اليمن يتعزز يوما بعد يوم؟.
وأجدر من يجيبنا على هذا التساؤل هو نائب الرئيس اليمني، علي محسن الأحمر الذي جري بينه وبين هادي نقاش حاد وجدال محتدم على خلفية إعلان الهيئة الرئاسية للكيان السياسي في الجنوب، محملا إياه مسؤولية ما جرى ويجري.
في موازة ذلك نشهد شرخا عميقا في العلاقات بين السعودية ودولة الإمارات رأسي الحربة في الحرب على اليمن، وتبلور هذا الخلاف بشكل أكبر بعد الإعلان عن تشكيل مجلس انتقالي في جنوب اليمن، لاسيما أن الزبيدي وبن بريك من أبرز رجالات الإمارات وهي الداعم الأساسي لهما، في حين تقف السعودية خلف منصور هادي وتستضيفه على أراضيها لإدارة البلاد.
وبين الدعم الإماراتي العلني للحراك الجنوبي والرفض السعودي له، تبقى طرق الحل مسدودة بين الدولتين الخليجيتين، وهذا من شأنه أن يستنزف كل الآمال المتاحة لإيجاد حل للأزمة اليمنية التي تجاوزت العامين، ولا يخفى على أحد دور هاتين الدولتين بتأجيج الأوضاع داخل اليمن وتجويع أبنائه لخدمة مصالحهم الشخصية أو لخدمة حليفتهم الاستراتيجية الولايات المتحدة ومشاريعها المشبوهة في الشرق الأوسط.
ومن رحم هذا الخلاف نتساءل هل يستطيع قادة "عاصفة الحزم" حزم خلافاتهم المتواترة التي ينفونها باستمرار مدعين أنه لا وجود لها على عكس ما تظهر لنا الأحداث والنتائج؟!
وللتأكيد فإن السعودية استدعت اللواء عيدروس الزبيدي، محافظ عدن المقال، لزيارتها، بعد يوم واحد من إعلانه تشكيل مجلس انتقالي في جنوب اليمن مبدية انزعاجها مما قام به.
وقال مصدر يمني فضل عدم الكشف عن اسمه أن الرياض أبدت انزعاجها من الخطوة التي أقدم عليها اللواء الزبيدي الذي يقال إنه مدعوم من الإمارات، بالإعلان عن "المجلس الجنوبي" الذي اعتبر أنه "انقلاب ثان" على القيادة الشرعية، التي لطالما أعلن السعوديون دعمهم لها.
من ناحية أخرى شكك البعض بزيارة الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في الامارات إلى واشنطن في هذا الوقت بالذات للقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والمسؤولين في إدارته، ورجحت بعض المصادر أن تكون أحد أهم القضايا التي سيتم مناقشتها خلال اللقاء، مسألة الاعتراف بحكومة "الرئيس" عيدروس الزبيدي اليمنية الجنوبية المستقبلية.
وفي الحديث عن الداخل اليمني وكيفية التعامل مع الإعلان عن المجلس السياسي الانتقالي، فقد اعتبر الناطق الرسمي لأنصار الله محمد عبد السلام، في أول تعليق له أن هذه الخطوة تجلٍ لأهداف الاحتلال الأمريكي الموكل أمر تنفيذه إلى الإمارات، وأضاف عبد السلام أن الجنوب لن يكون كما تعتقد الإمارات ساحة خصبة لبناء نفوذ وقوة استعمارية وهذا وهْمٌ سينقشع غباره عما قريب.
وحذر عبد السلام مما يحدث في الجنوب معتبرا إياه تهديد لوحدة أراضي الجمهورية اليمنية، مضيفا أن اليمن شعباً وتاريخاً طارد لكل قوى الاستعمار في الجنوب وفي الشمال.
وفي موقف لافت دعت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان، "منصورهادي" أن يطلب من الإمارات مغادرة اليمن والاستغناء عن خدماتها".
هادي أيضا أعلن رفضه تشكيل محافظ عدن الذي أقاله، عيدروس الزبيدي "المجلس السياسي الجنوبي". وأثناء اجتماعه بمستشاريه أصدر بيانا جاء فيه "يرفض الاجتماع رفضاً قاطعاً ما سمي بالمجلس الانتقالي الجنوبي، لكونه يتنافى مع المرجعيات الثلاث المتفق عليها محلياً ودولياً والمتمثلة في المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني وقرار مجلس الأمن الدولي 2216".
وفي الختام، نقول أن الوقائع والحقائق أثبتت أن المثلث المتمثل بالسعودية والإمارات وأمريكا، لم يقدم أي مساعدة للشعب اليمني بل على العكس تماما، حيث انفضح دورهم التوسعي والاستغلالي والهيمنة على موارد اليمن الطبيعية والنفطية وموقعه الاستراتيجي وموانئه وممراته البحرية والمائية، وكذلك تعطيل سبل الحياة في البلد وتجويع سكانه وإبقائه تحت خط الفقر، من أجل إجبار الناس على التركيز على لقمة العيش.