الوقت- أقل من 72 ساعة هي المدّة التي استطاع المحافظ الجديد عبد العزيز المفلحي بقائها في مدينة عدن. وبعد لقاء يتيم عقبه مؤتمر صحفي سريع، أُجبر المحافظ الجديد المُعيّن من قبل الرئيس المستقيل والمنتهية ولايته عبد ربّه منصور هادي، المفلحي على العودة من حيث أتى.
عودة المفلحي إلى فنادق الرياض، تُرسّخ الانقسام الداخلي بين الأطراف المحسوبة على دول العدوان، وهو الأمر الذي حاولت السعودية نفيه عبر محمد بن سلمان في مقابلته الأخيرة، وقبلها الإمارات عبر وزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش، رغم مشاركة كلا الطرفين في ساحة الحرب الافتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي.
في الأسباب، تؤكد مصادر يمنية أن المستهدفين في قرارات هادي الأخيرة، المحافظ المقال عيدروس الزبيدي و هاني بن بريك، قائد قوات الحزام الأمني في عدن، قد أوعزوا إلى مؤيديه بإرباك عمل المفلحي وعدم السماح له بممارسة عمله، الأمر الذي أدّى إلى نشوب خلافات بين المفلحي المحسوب على هادي المدعوم سعوديّاً، وبين أنصار الزبيدي وبن بريك المحسوبين على الإمارات.
ورغم أن السلطة السياسيّة اليوم بيد هادي، إلا أن ما يحصل على أرض عدن ليس كذلك، بل يعدّ بن بريك، قائد قوات الحزام الأمني في عدن الأقوى على الأرض، في حين يتمتّع الزبيدي بتأييد سياسي في عدن لا يمكن تجاهله، الأمر الذي سيعطّل تلقائياً قرارات هادي.
لا شكّ أن احتدام الصراع بين الطرفين، وخروج محافظ هادي المفلحي سريعاً يؤكد أن الخلاف السعودي الإماراتي لا زال قائماً، وأن الحديث عن اتفاق قوى الغزو السعودية والإماراتية على إنهاء الأزمة لا يتعدّى الشاشات الإعلاميّة، باعتبار أن حقل الشاشات الإعلاميّة، يختلف عن بيدر الميدان في عدن.
لسنا في وارد الإسهاب في الخلاف السعودي الإماراتي والمواجهة الغير المباشرة القائمة عبر أطرافهما على الساحة الجنوبيّة في اليمن، إلا أن فشل المحافظ الجديد المعيّن من قبل هادي في البقاء أكثر من 72 ساعة يحمل جملة من الدلالات، نذكر منها:
أوّلاً: يكشف هذا الأمر الفلتان الأمني القائم في المنطقة الجنوبيّة، التي أرادت السعودية تقديمها منطقة انتصار واستقرار بعد سنتين من العدوان. في الحقيقة، ورغم سيطرة هادي السياسية على القرار في الجنوب اليمني نظراً للدعم السعودي القائم له، إلا أن هناك أطراف عسكرية عدّة تتحكّم بالمشهد الميداني، ففي حين يمتلك بن بريك قوّة أمنية وعسكرية ضاربة (قوّات الحزام الأمني) في عدن وبعض المحافظات المجاورة، لا يمكن التغافل عن حضور تنظيم القاعدة. لا ندري مستقبل المشهد الجنوبي في ظل مطالبة الحراك بالانفصال، وإحالة هادي لأقوى رجل أمني وعسكري إلى التحقيق بتهمة الخيانة العظمى، في ظل تمرّد الأخير واستعراض قوّته، ليس آخرها طرد المفلحي.
ثانياً: إن عدم الاستقرار الأمني والعسكري والسياسي دفع بأصوات الانفصال للعودة مجدّداً إلى الواجهة، فإضافة إلى المظاهرات الأخيرة التي طالبت بسحب كافة أبناء الجنوب من جبهات القتال في الأراضي والجبهات الواقعة خارج حدود الجنوب لمنع نزيف الدم الجنوبي الذي ينزف دون أي فائدة"، عمد البعض إلى العودة مجدّداً لطرد أبناء الشمال من المنطقة، فهل هذه هي الشرعية التي تتحدّث عنها السعوديّة؟ أم هل هذا هو الأمن والاستقرار الذي يريده هادي ومن خلفه؟
ثالثاً: والأنكى من هذا كلّه، فإن هادي الذي لا يمتلك قدرة عسكرية توازي بن بريك على أرض الواقع، يعمد إلى تمثيل اليمن على الصعيد الإقليمي والدولي رغم أنّه مستقيل، ومنتهية ولايته. ليس ذلك فحسب، بل إنّه لا يمتلك أي قدرة في الشمال، فضلاً عن الجنوب الذي يرفضه فيه أتباع الزبيدي وبن بريك، إضافةً إلى الحراك الذي طالب الأسبوع الفائت بـ"إغلاق مكاتب حكومة الاحتلال في معاشيق، وإغلاق مطار عدن أمام رئيس دولة الاحتلال اليمني، ورئيس وأعضاء ما يسمى بحكومة الشرعية"!
رابعاً: لا ينحصر أعداء هادي بأبناء جلدته من المحسوبين على الإمارات، بل إن للقاعدة دور لا يستهان به في عدن، وإن كان الدور الأبرز لها في حضرموت. ولعل التنظيم الإرهابي الذي أحسن استغلال الفراغات الأمنية والثغرات السياسية لهادي وقوّاته في البيضاء (جنوب غرب)، شبوة (جنوب)، أبين (جنوب)، ومأرب (وسط)، قد عمد إلى الأمر نفسه في مناطق عدّة من عدن. فقد عزت صحيفة التايمز البريطانية في وقت سابق تزايد نفوذ وسيطرة تنظيم القاعدة المتشدد في محافظات جنوبي اليمن إلى استغلال التنظيم لحالة الفوضى. اللافت أن بن بريك الوزير المقال من قبل هادي قد اتهم الأخير بدعم القاعدة والوقوف خلف اغتيالات سابقة.
لا شكّ أن شعب الجنوب اليمني هو الخاسر الأكبر من هذه الخلافات بين أتباع تحالف العدوان، في حين أن شعب الشمال اليمني يخسر جرّاء غارات هذا التحالف الغير قادر على إدارة أتباعه، فكيف باليمن!