الوقت - بعد مضي ما يقارب الأربعة أشهر على تسلم دونالد ترامب لزمام الحكم في أمريكا، والخطوة التي قام بها اتجاه أفغانستان، حيث أمر باستخدام أكبر قنبلة أمريكية غير نووية في استهداف لمنطقة مغاور شرق أفغانستان، وهي القنبلة التي عرفت بأم القنابل الأمريكية، يبدو أن معالم الاستراتيجية الأمريكية في ذلك البلد بدأت بالتبلور فعليا بعد مرحلة من التخبط والمراوحة. فيبدو أن الأخير اتخذ خيار المواجهة والمزيد من الانغماس في ذلك المستنقع.
فقد نقلت وسائل إعلام أجنبية أخباراً تفيد أن مستشار الأمن القومي الجنرال "ماك ماستر" قد سلم ترامب الاستراتيجية الحربية المقترحة قبالة الملف الأفغاني. ومن المنتظر أن يتم الإعلان عن النسخة النهائية من هذه الاستراتيجية خلال الأيام القليلة القادمة.
وطبقا لما ورد في وسائل الإعلام العالمية حول هذه الاستراتيجية، فإن العنصرين الأساسيين اللذين يشكلان هذه الاستراتيجية هما زيادة عديد القوات العسكرية الأمريكية إضافة إلى زيادة الطلعات الجوية والغارات الحربية.
هذا ويتواجد حاليا حوالي 8400 جندي أمريكي على الأراضي الأفغانية إضافة إلى ستة آلاف جندي من جنسيات مختلفة ضمن حلف الناتو، وطبقا للاستراتيجية الجديدة فمن المفترض أن يتم رفد هذه القوات بحوالي 3 إلى 5 آلاف عنصر جديد.
أما فيما يخص الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، فمن الجيد الوقوف عند بعض الملاحظات والأسباب التي أدت لاعتمادها في هذا الوقت بالذات:
فالسبب الرئيسي وراء هذه الزيادة هو توسع رقعة انتشار حركة طالبان مجددا، فهذه الجماعة باتت تسيطر على مناطق واسعة في أفغانستان وهي في حالة توسع دائم وبشكل يومي، وخلال الأيام الأخيرة بدأت الحركة بهجوم على مدينة قندوز التي تعتبر مركز إحدى أهم الولايات في البلد.
وبناء على ذلك فإن أمريكا تريد إعادة ضبط اللعبة الأفغانية ودفع حركة طالبان للانخراط مجددا في عملية السلام في البلاد.
كما أن أمريكا تشعر بالقلق من إمكانية إسقاط حكومة الوحدة الوطنية، وهي الحكومة التي قامت بجهود وزير الخارجية الأمريكي السابق جان كيري، مما يعني أن سقوط هذه الحكومة سيشكل ضربة كبيرة للجهود الأمريكية، خاصة بعد حرب مستمرة منذ عام 2001م عندما غزت أمريكا أفغانستان تحت شعار مكافحة الإرهاب وتحرير الشعب الأفغاني من القاعدة وطالبان.
الملاحظة المهمة أيضا التي تنطوي عليها الاستراتيجية الجديدة والتي سيعلن عنها خلال أيام، هي التخفيف من الضوابط المفروضة على الجنود والضباط الأمريكيين المتواجدين هناك، فبعد إعلان السياسات الجديدة لحكومة ترامب سيصبح للجنود والضباط الأمريكيين حقوق وصلاحيات أوسع من ذي قبل، كما أنه سيسمح لهم بالتدخل ليس فقط بالأمور العسكرية وإنما بالأمور والملفات التي تخص الأجهزة الأمنية الأفغانية أيضا.
المسألة الثالثة هي زيادة الطلعات الجوية وغارات الطيران الحربي، وهذا الأمر مقلق لجهة استخدام أم القنابل مرة أخرى، حيث أن التجربة الأولى وبناء على تقارير محلية قد خلفت ورائها كوارث طبيعية ناهيك عن أضرار على السكان المحليين وصلت إلى عشرات الكيلومترات.
يُذكر أن صحيفة "واشنطن بوست" كانت قد نشرت مؤخرا تقريرا (يتماهى مع ما جاء في استراتيجية ماك ماستر) حثت فيه إدارة ترامب على اتخاذ خطوات جدية في مكافحة طالبان في أفغانستان، معتبرة أن حرب أفغانستان هي الأطول التي يشارك فيها الجيش الأمريكي دون تحقيق أي نتائج، منتقدة أداء إدارة ترامب التي لم تقدم أي استراتيجية واضحة اتجاه أفغانستان، داعية لاتخاذ إجراءات عسكرية من ضمنها زيادة عديد القوات الأمريكية وزيادة الطلعات والقصف الجوي. إضافة إلى توفير التدريب للقوات الأفغانية المحلية ودعم العملية السياسية والمساعدة على مكافحة الفساد الحكومي المستشري في البلاد.
خلاصة
بعد ستة عشر عاما من الغزو الأمريكي على أفغانستان، وما استقدمته أمريكا من أساطيل وألوية من أجل احتلال البلاد، وبدل أن يتم حل مشاكل أفغانستان تحولت البلاد إلى واحدة من أكبر المعضلات العسكرية والسياسية إضافة إلى معضلة الأزمات الإنسانية، وإذا ما اعتقد ترامب أنه ومن خلال بضعة آلاف من الجنود الأمريكيين يستطيع احتواء الأزمة الموجودة، سيعلم فيما بعد حق اليقين أن هذه الأعداد وعشرات أضعافها، لن يتمكنوا من استعادة الأمن في أفغانستان، والسبب أن مجيء الجيش الأمريكي ومنذ الأيام الأولى لم يكن بهدف تحقيق السلام ونشر الديمقراطية بل أتى كقوة احتلال بث التفرقة والفساد في النظام الحاكم مما جعل الكثيرين يقومون اليوم على هذا النظام.