الوقت- ليس هناك ما هو مجاني عند دونالد ترامب، فمن ظن أن نيته زيارة السعودية في أول جولة خارجية له بعد انتخابه يعود إلى اقتناعه أن المملكة هي حليف استراتيجي لأمريكا في الشرق الأوسط فهو مخطأ، فالزيارة مدفوعة الثمن مسبقا من خلال صفقات سلاح وُضعت على نار حامية لإنضاجها قبل الموعد المقرر للزيارة.
فقد قالت مصادر مطلعة في واشنطن أن مباحثات حثيثة تجري حاليا بين كل من السعودية وأمريكا من أجل إبرام صفقات أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات، صفقات بعضها جديدة والبعض الآخر قيد الإعداد منذ مدة. وتشمل الصفقات صواريخ موجهة كانت أمريكا تتريث في تسليمها للسعودية.
هذا الأمر يؤكد الاستعجال والإصرار السعودي على إنضاج هذه الصفقات خاصة بعد تصريحات لترامب في 27 من نيسان أبريل الماضي لوكالة رويترز قال فيها: "بصراحة السعودية لم تعاملنا بعدالة، لأننا نخسر كما هائلا من المال للدفاع عن السعودية".
أما الزيارة المقررة لترامب إلى المنطقة فقد أعلن في الرابع من أيار مايو الحالي، حيث أكد أنه سيزور السعودية وبعدها الكيان الإسرائيلي، لتكون زيارته الثالثة إلى روما والفاتيكان خاتما جولته في بروكسل للمشاركة في اجتماعات حلف شمالي الأطلسي (الناتو) في 25 أيار مايو ولقاء مجموعة الدول الصناعية السبع في 26 منه.
هذه الزيارة تحمل الكثير من الرسائل والدلالات التي يجب الوقوف عندها، من مقدمات هذه الزيارة والتي لا تخرج صفقات الأسلحة المعلن عنها من دائرتها مرورا بارتفاع مستوى التناغم السعودي الإسرائيلي والحديث عن مخطط سكك حديدية يربط السعودية بميناء حيفا الفلسطيني المحتل.
كما يمكن ملاحظة مسألة مهمة جدا في برنامج الزيارة التي اكتفى فيها الرئيس الأمريكي بزيارة كل من السعودية وبعدها الکیان الإسرائيلي، وإعلانه عن هذه الزيارة بالتمهيد لها بكلمات "التسامح هو حجر الأساس للسلام" هذه الكلمات إضافة إلى برنامج الزيارة تؤكد وجود نية ودور أمريكي في الدفع باتجاه تطبيع العلاقات أكثر فأكثر بين السعودية والكيان الإسرائيلي، تطبيع بدأ بأشكال مختلفة، وقد تكون الظروف أصبحت مؤاتية للإعلان عنه بأشكال أكثر وضوحا.
إضافة إلى ذلك فقد تحدث ترامب، إضافة إلى مسؤولين سعوديين عن لقاءات سيعقدها ترامب مع قادة دول العالم الإسلامي بما في ذلك شيوخ وأمراء الخليج الفارسي، وهذا الأمر قد يكون في سياق دعم فكرة تشكيل ما سمي بالناتو العربي بدعم أمريكي.
أما الداخل السعودي، ولأكون أدق داخل أروقة آل سعود، فهناك تعويل كبير على الزيارة من قبل محمد بن سلمان للتسويق لنفسه كمرشح لاستلام الملك بعد والده. ويسعى المقربين من بن سلمان للإشادة بجهوده الجبارة التي أثمرت زيارة ترامب للسعودية. وفي هذا الخصوص غرد وزير الخارجية عادل الجبير قائلا: "جهد جبار لولي ولي العهد بتوليه لملف العلاقات أثمر عن أول زيارة بالتاريخ لرئيس أمريكي لدولة إسلامية.. شكرا محمد بن سلمان ومرحبا بالرئيس ترامب".
هذه التغريدة وتصريحات أخرى للجبير تؤكد حالة النفير لدى الدائرة المحيطة ببن سلمان لتحقيق الاستفادة القصوى من هذه الزيارة لصالح تبني الأخير كمرشح البيت الأبيض للمُلك في السعودية.
وبالعودة إلى تصريحات الجبير فقد أكد أن الدعم الأمريكي للسعودية وللتحالف العربي في حربه على اليمن قد ازداد بشكل ملحوظ بعد قدوم ترامب، وأكد أن الأخير (أي ترامب) يحمل معه نهجا جديدا لعملية السلام في الشرق الأوسط ربما تكون احتمالات نجاحه مرتفعة.
إذا هي زيارة مدفوعة الأجر مسبقا، وتحمل في طياتها خطط ومؤامرات كثيرة في مسيرة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي وبيع القضية الفلسطينية إلى ما لا نهاية، زيارة تفصلنا عنها أيام و من المنتظر أن تكون مليئة بالتطورات السياسية والعسكرية. حيث يخشى البعض أن يزيد محمد بن سلمان من حدة عدوانه على الشعب اليمني الذي ناهز العامين، أيضا في سياق التسويق لنفسه رجل أمريكا الحازم في المنطقة.
ختاما وفي تعليق حول صفقات الأسلحة بين الطرفين، فناهيك عن عشرات المليارات التي ستدفعها السعودية لأمريكا فإن أنهار دماء بريئة في اليمن وفي سوريا ومناطق أخرى ستذهب هدرا من خلال هذه الصفقات، صفقات لا منظار لها سوى الحسابات المادية البحتة طالما أنها بعيدة عن أرض العم سام.