الوقت- مرة أخرى عادت قضية جزيرتي تيران وصنافير للتداول إعلامياً بعد القرار الجديد الذي أصدرته محكمة الأمور المستعجلة المصرية، الاحد، والقاضي بإبطال ملكية مصر للجزيرتين التي سبق للمحكمة الادارية المصرية أن أقرّتها.
و في أحدث تطور على صعيد القضية الشائكة التي سببت الكثير من الجدل والتجاذب الدبلوماسي والشعبي بين البلدين، وبالتزامن مع حديث عن انخفاض حدة التوتر بين الرياض و القاهرة، عاد القضاء المصري ليطاوع القرار السياسي وليناقض وبشكل غريب حكم المحكمة الإدارية العليا في مصر الذي صدر في 16 كانون الثاني/ يناير 2017 والذي أكد مصرية جزيرتي تيران وصنافير، مما يعد إلغاء لإتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، في جلسة بثّها التلفزيون المصري على الهواء مباشرة.
تعليق أهل الاختصاص والقانون
وأثار قرار المحكمة الأخير حملة استهجان واسعة على المستوي الشعبي في مصر، و علّق المحامي والمرشح الرئاسي الأسبق، خالد علي، عضو لجنة الدفاع عن تيران وصنافير، على الحكم في تدوينة مطولة علي حسابه بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"،قائلاً:" يسعى النظام من خلال حكم الأمور المستعجلة إلى منح مجلس النواب غطاء قضائي يستتر به لتبرير بدء مناقشته للاتفاقية بزعم أن هناك حكم قضائي من محكمة الأمور المستعجلة قضى بعدم الاعتداد بحكم الإدارية العليا، ليدعوا بعد ذلك أن الإتفاقية سارية وصحيحة ومن ثم من حق البرلمان مناقشتها"، وأضاف:" تمرد الادارة على الاحكام القضائية التي تصدر ضدها وامتناعها عن تنفيذها امر له عواقب وخيمة، لأنه يهدر مبدأ الفصل بين السلطات ويحطم فكرة العدالة في نفوس المواطنين".
كما اعتبر عضو هيئة الدفاع عن ملكية مصر لتيران وصنافير، مالك عدلي، إنّ الحكم الصادر عن محكمة الأمور المستعجلة بإسقاط حكم المحكمة الإدارية العليا، هو "اعتداء مباشر على صلاحيات واختصاصات مجلس الدولة"، وتابع عدلي "ندرس كل الاحتمالات لمواجهة محاولة الالتفاف على حكم الإدارية العليا ببطلان اتفاقية تيران وصنافير، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن حكم اليوم لا قيمة له، ومصرية الجزيرتَيْن أمر لا مفرّ منه".
بدوره قال الدكتور شوقى السيد، الفقيه الدستوري، تعليقاً على حكم محكمة الأمور المستعجلة بسريان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، إن "الأمور المستعجلة" ليست جهة تشريع مختصة بإعطاء الصلاحية لأحكام اتخذتها المحكمة الإدارية العليا.
أما العضو في مجلس الشعب هيثم أبو العز الحريري فاعتبر إنّ محكمة الأمور المستعجلة غير مختصة بقضية الجزيرتَيْن و"حكمها والعدم سواء".
كذلك اعتبر الدكتور نور فرحات، الفقيه الدستوري والقانوني، في تدوينة له على "فيس بوك": "هذا الحكم يعد نوعًا من اللغو القانوني الذي لم نخبره طوال أربعين عامًا من عملنا بمهنة القانون، المادة 188 من دستور 2014 صريحة في نصها على عدم اختصاص القضاء العادي ومنه محاكم الأمور المستعجلة بما يدخل في اختصاص جهة قضائية أخرى، والمادة 190 من الدستور صريحة في أن مجلس الدولة دون غيره هو المختص بالمنازعات الإدارية، والحكم الصادر في قضية رسم الحدود بين مصر والسعودية حكم صادر من مجلس الدولة في منازعة إدارية".
من جانبه قال المستشار أحمد سليمان، وزير العدل الأسبق، أن حكم محكمة الأمور المستعجلة بشأن اتفاقية تيران وصنافير منعدم، وأن محكمة الأمور المستعجلة غير مختصة في مناقشة أحكام مجلس الدولة، ومجلس الدولة هو الجهة الوحيدة المختصة طبقا للقانون، وأن هذا الحكم لا يساوي ثمن الحبر الذي كتب به.
أما الدكتور محمد عصمت سيف الدولة، الباحث المتخصص في الشأن القومى العربي، فاعتبر أن كل الاحتمالات واردة بشأن تمرير إتفاقية ترسيم الحدود، والتنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، في ظل عودة العلاقات المصرية السعودية إلى سابق عهدها تحت رعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والإدارة الأميركية، تمهيدا لتشكيل تحالف عربي سني فى مواجهة ايران، بمشاركة اسرائيل.
ردود شعبية غاضبة على قرار المحكمة
الى ذلك رفض الناشطون قرار المحكمة وغردوا على هاشتاغ #تيران_وصنافير_مصرية، وعبّر الناشطون المصريون على السوشيال ميديا عن استنكارهم للقرار مؤكدين ملكية بلادهم للجزيرتين.
وبالتزامن مع الحكم المصري الجديد، نشرت الهيئة العامة للمساحة السعودية، وهي مؤسسة حكومية ترتبط بوزير الدفاع وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، خرائط رسمية جديدة تظهر بشكل واضح ضم الرياض لجزيرتي تيران وصنافير للخرائط الرسمية المعتمدة في المملكة، من خلال وضعهما ضمن الحدود الدولية للبلاد.
يذكر أن العلاقة بين الرياض والقاهرة شهدت توتراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة بسبب تباين في المواقف حول السياسة الخارجية لكل منهما بشأن نزاعات المنطقة، لاسيما الملف السوري، ولم تفلح زيارة الملك السعودية سلمان بن عبد العزيز الى مصر في نيسان/ ابريل 2016 في تهدئة ذلك التوتر بل على العكس تصاعد الاحتقان بين البلدين وظهر بشكل جلي على المستوى الشعبي بعد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية والتي نقلت تبعية الجزيرتين الواقعتين في مدخل خليج العقبة إلى السعودية، وبعد قمة العربية الأخيرة في البحر الميت، تحدثت وسائل اعلامية عن ضغط أمريكي لتحسين العلاقات بين الجانبين، وطلب الرئيس الأمريكي شخصياً من ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان (خلال زيارة الأخير الى واشنطن) تحسين العلاقة مع القاهرة، كما جرى الحديث أخيرا عن زيارة قريبة للرئيس المصري عبد الفاتح السيسي الى السعودية.