الوقت - بعد التدهور الذي شهدته العلاقات بين مصر والسعودية العام الماضي على خلفية الخلاف بشأن عائدية جزيرتي "تيران" و"صنافير" الواقعتين في البحر الأحمر، وكذلك بسبب الاختلاف في وجهات النظر حيال قضايا المنطقة والتي يتعلق جانب كبير منها بموقف الجانبين المتباين من الأزمة السورية، يبدو أن هذه العلاقات في طريقها إلى التحسن بعد قبول الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" دعوة الملك السعودي "سلمان بن عبد العزيز" لزيارة الرياض.
وكان السيسي قد التقى سلمان على هامش القمة العربية التي عقدت مؤخراً في الأردن، وبحث الجانبان سبل تطوير العلاقات بين البلدين. واللقاء هو الأول بين الطرفين بعد نحو عام من زيارة سلمان للقاهرة في أبريل/نيسان العام الماضي، والتي تلاها تباينات في وجهات النظر حول عدد من قضايا المنطقة.
ومن الأمور إلى تسببت بتوتر العلاقات بين القاهرة والسعودية هو عدم رغبة مصر بالمشاركة في العدوان السعودي المتواصل على اليمن منذ أكثر من عامين، واعتقاد القيادة المصرية بضرورة حل الأزمة السورية عبر الحوار والطرق الدبلوماسية وليس كما تصر السعودية على انتهاج الأسلوب العسكري لتسوية هذه الأزمة عن طريق دعم الجماعات الإرهابية، وكذلك مشاركة مصر في المؤتمر المناهض للوهابية في العاصمة الشيشانية "غروزني" قبل عدّة أشهر.
ويعتبر مؤتمر غروزني خطوة مهمة لسحب "المرجعية السنيّة" من السعودية وزيادة عزلتها في العالم الإسلامي وتثبيت تهمة الإرهاب بالفكر الوهابي.
وكانت أزمة نشبت بين مصر والسعودية عقب تصويت القاهرة في مجلس الأمن الدولي منتصف أكتوبر/تشرين أول المنصرم لصالح مشروع قرار روسي لم يتم تمريره متعلق بمدينة حلب السورية، وكانت تعارضه السعودية بشدة ووجهت لوماً معلناً لمصر بسبب ذلك.
وتلا تلك الأزمة إعلان مصري في نوفمبر/تشرين ثان بوقف شركة "أرامكو" السعودية لشحنات منتجات بترولية شهرية بموجب اتفاق مدته 5 سنوات، تم توقيعه خلال زيارة الملك السعودي لمصر، قبل أن تعلن القاهرة منتصف الشهر الماضي عودة الشحنات مرة أخرى.
وتزامن ذلك مع تراشق إعلامي غير رسمي بين البلدين وأنباء عن وساطات عربية لتقريب وجهات النظر المصرية - السعودية، قبل أن تلئتم قمة جمعت السيسي وسلمان بالبحر الميت الأسبوع الماضي.
ومن الأسباب الأخرى التي دعت الرياض إلى اتخاذ موقف غير ودي تجاه القاهرة هو اللقاء الذي جرى بين وزير الخارجية المصري "سامح شكري " ونظيره الإيراني "محمد جواد ظريف" على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.
ومن الإجراءات التي اتخذتها السعودية لمواجهة هذه التطورات هو قطع المساعدات الاقتصادية عن مصر لاسيّما في مجال الطاقة.
ويمكن الإشارة إلى سببين أساسيين في إمكانية تحسن العلاقات بين مصر والقاهرة وبالشكل التالي:
الأول: حاجة مصر للمساعدات السعودية بسبب الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعيشها البلاد والتداعيات السلبية التي تفرزها هذه الظروف على مدى مشروعية نظام حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الثاني: حاجة السعودية لمصر باعتبارها تمثل ثقلاً إقليمياً وتلعب دوراً مهماً في القضايا الإقليمية وفي العالم العربي على وجه التحديد، والذي يلقي بظلاله على الدور السعودي في عموم المنطقة شاءت الرياض أم أبت، وهذا الأمر يثير قلق الحكّام السعوديين باستمرار خصوصاً عندما تتحرك مصر لأخذ زمام المبادرة للمشاركة في حل أزمات المنطقة.
من هنا يمكن القول بأن تحسن العلاقات بين مصر والسعودية يبقى إجراءً تكتيكياً وليس إستراتيجياً خصوصاً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار رغبة الرياض بفرض آرائها على الدول العربية الأخرى وتدخلها في شؤون هذه الدول، الأمر الذي ترفضه القاهرة باعتباره يمثل عنصر إضعاف لسياستها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولهذا يرجح المراقبون أن تتأزم الأوضاع بين الجانبين في المستقبل بسبب وجود العوامل الكامنة لهذا التوتر وحرص القاهرة على أن يكون قرارها مستقلاً وبعيداً عن هيمنة الرياض سواء فيما يتعلق بالقضايا الداخلية التي تخص مصر أو القضايا الإقليمية والدولية.