الوقت- اتخذت حكومة ترامب منهجا معاديا لإيران، وتحاول بناء جبهة عربية سنية موحدة لمواجهة إيران، وتكون قادرة على منع التواجد الإيراني في سوريا، العراق واليمن، فيما قد يضع التقارب المصري الإيراني الكثير من العراقيل أمام هذه الاستراتيجيةالأمريكية.
إن الدافع المبدئي لتوجه مصر نحو إيران هو قلق مصر من الإسلام السياسي السني ورغبة مصر باستعادة موقعها السابق في المنطقة بالإضافة الى أزمتها المالية. ومرت العلاقات الإيرانية المصرية خلال العقود الستة الماضية بثلاث مراحل:
المرحلة الاولى: 1950 الى 1960 عندما عاصر جمال عبد الناصر الشاه الإيراني واختلف معه في الرؤى، بسبب نظرة ناصر الثوریة، وتوجهات الشاه الأمريكية.
المرحلة الثانية: العلاقات بعد استلام أنور السادات السلطة، حيث انهارت العلاقات المصرية السوفيتية في عهده، فاتجه السادات نحو أمريكا، وهذا ما جعله يستقبل الشاه الإيراني بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران وهروب الشاه من البلاد.
المرحلة الثالثة: العلاقات بين البلدين بعد انتصار الثورة الإسلامية. ازداد التوتر في العلاقات المصرية الإيرانية يوما بعد يوم بسبب العلاقات الودية بين مصر وإسرائيل، دعم مصر للمواقف الأمريكية في المنطقة، دعم مصر للعراق خلال الحرب العراقية الإيرانية، اطلاق إيران اسم قاتل السادات على أحد شوارع طهران بالإضافة الى علاقات مصر الوثيقة مع دول مجلس تعاون الخليج الفارسي.
بعد سقوط مبارك والاخوان المسلمين، اعتبرت الحكومة المصریة الجديدة بقيادة السيسي إن الإسلام السياسي السني هو السبب الأول لزعزعة الاستقرار في المنطقة، مما دفع مصر للاتجاه نحو إيران وروسيا. وتعتبر القاهرة أن دعم المؤسسات القائمة أفضل خيار لتعزيز الاستقرار في المنطقة مقابل الإسلام السياسي الذي يحاول تغيير الأنظمة القائمة واقامة أنظمته الخاصة، إن جذور قلق المسؤولين المصريين تعود الى التجربة المرة التي مرت بها مصر إبان حكم الأخوان المسلمين من عام 2011 الى 2013.
وهذا ما دفع مصر الى الدفاع العلني عن حكومة الأسد في الصراع السوري، فهي ترى أن إيران روسيا هما الخط الأمامي للدفاع مقابل الإسلام السياسي المتطرف. ومن ناحية أخرى ترفض مصر المشاركة بقوات برية في الحرب على اليمن، بسبب قلقها من حزب الإخوان المسلمين اليمني واحتمال تعزيز السعودية لموقع هذا الحزب في حالة هزيمة الحوثيين وصالح.
ان قلق مصر من الاسلام السياسي السني واعتبارها أن من حقها قيادة العالم العربي، ادى الى ارتفاع وتيرة التوتر في العلاقات المصرية السعودية، فتقاطعت المصالح المصرية مع المصالح الإيرانية. ويرى السياسيون المصريون أن بلادهم ستستعيد موقعها عبر اتباع مسار مستقل.
ومن هذا المنطلق دعا السيسي الرئيس الإيراني حسن روحاني، للمشاركة في مراسم تنصيب السيسي رئيسا لمصر عام 2014. وأبدت مصر فكرة بناء قوة عربية مشتركة ولكنها فشلت بسبب معارضة بعض البلدان لها وعلى رأسها السعودية التي قامت بعد ذلك بتشكيل ائتلافها العسكري الخاص ودعت مصر للمشاركة فيه، فقبلت الدعوة مكرهة، إلا أنها رفضت نشر قواتها البرية في اليمن.
وفيما ترى السعودية أن الإسلام السياسي الشيعي هو أكبر تهديد لها، ترى مصر ان عدوها الأول هو الاسلام السياسي السني، كما ان نسبة الشيعة في مصر قليلة، وهي لا تحس بتهديد شيعي. وبالنظر الى عدم وجود معارضة في الداخل المصري، اتخذ السيسي خطوات اكثر شجاعة في التوجه نحو إيران. كما أن وزير الخارجية المصري، يدافع عن تطبيع العلاقات مع إيران، وطالب بتبادل السفراء بين البلدين.
ومن أسباب التقارب المصري الإيراني الاوضاع الاقتصادية الحرجة التي تمر بها مصر حاليا، وإذا استمرت الأزمة في العلاقات المصرية السعودية، فإن التوجه نحو إيران سيكون من الخيارات الرئيسية لمصر بصورة خاصة بعد إلغاء العقوبات الاقتصادية ضد إيران. وستقود المشاكل الاقتصادية القاهرة نحو اعادة العلاقات السياحية مع إيران. وكان الرئيس المصري السابق، محمد مرسي قد وافق على استقبال السائحين الإيرانيين في عام 2013 وأدى هذا الامر الى زيادة واضحة في أرباح قطاع السياحة المصرية، ولكنه أعاد النظر في الأمر لاحقا.
إن فشل أمريكا في الحيلولة دون الخلاف المصري السعودي، قلق مصر من الإسلام السياسي السني والمشاكل الاقتصادية المصرية قد تهدد مساعي امريكا لاحتواء إيران، وتدفع مصر الى تقريب مصالحها في المنطقة الى المصالح الإيرانية أكثر، مما يعزز موقع إيران وحلفائها؛ وهذا المسار قد يقود الى فشل الخطط الامريكية في المنطقة.