الوقت- في ظل التحديات الجديدة التي تعصف بهيكلية وكيان الاتحاد الأوروبي يجتمع قادة الـ27 دولة الأعضاء في الاتحاد الأوربي في العاصمة الإيطالية روما لإحياء الذكرى الستين لمعاهدة روما.
يأتي هذا الاجتماع في مرحلة تعتبر الأصعب في تاريخ الاتحاد خاصة بعد قرار بريطانيا بدء إجراءات الانسحاب من الاتحاد، وأزمة الهجرة، والخلافات المستمرة بين دول الاتحاد حول مسائل اجتماعية واقتصادية.
من "أوروبا الصغيرة" إلى "الاتحاد الأوروبي"
و في 25 آذار/مارس 1957 وقعت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا على معاهدة روما، وعرف هذا الاتحاد حينها باسم "أوروبا الصغيرة". وبعد عدة سنوات من توقيع هذه المعاهدة "أوروبا الصغير" جذبت إليها الكثير من جيرانها مثل المملكة المتحدة وإيرلندا والدنمارك في عام 1973 إلى اليونان وإسبانيا والبرتغال في عام 1980، وأخيرا عدد كبير من البلدان في أوروبا الوسطى والشرقية بعد سقوط جدار برلين.
في غضون ذلك، أو بتعبير أدق بعد معاهدة "ماستريخت" في عام 1992، تم استبدال "الجماعة الاقتصادية لأوروبا" ليحل محلها "الاتحاد الأوروبي".
باختصار، أصبح الاتحاد في العقد الأول بعد كارثة الحرب العالمية الثانية شجرة طويلة مكونة من 28 فرعا، خمسمائة مليون نسمة، وهو أكبر مساهم في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ويمتلك الدور الأكبر في التجارة الدولية.
ولكن اليوم وبعد ستين عام، هذه الشجرة ليست في أفضل حالاتها بل أكثر من ذلك يبدو أن ربيع الاتحاد تحول إلى خريف في ظل التطورات الأخيرة التي طرأت عليه وخاص فيما يتعلق بخروج بريطانيا من الاتحاد والتي فتحت الطريق للعودة بالاتجاه المعاكس للتاريخ.
التحديات
ولا يعتبر الوضع على هذا القدر من القتامة إذا كان يختصر فقط على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن الأمور أعقد من ذلك حيث يواجه الاتحاد في الوقت الحالي مجموعة من التحديات نذكر منها أن دول أخرى من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي ، تحمل وجهات نظر سياسية جديدة تطالب من خلالها بالخروج من الاتحاد، لا سيما في أطياف من اليمين واليسار المتطرف، وانهيار الاتحاد الأوروبي يعتبر بالنسبة لهذه الأطياف واحداً من الأهداف المركزية لديها.
أعظم إنجاز
أوروبا من خلال اتحادها تمتلك ميزات تجعل كل دول العالم تغار منها، مما توفره من أمن لمواطنيها ومنع تكرار حدوث جرائم جماعية، كذلك إمكانية تنقل مواطنيها ضمن جميع أراضي دول الاتحاد دون الحاجة لجواز سفر أو تأشيرة خروج وغيرها من الإنجازات التي تؤمن كل سبل الراحة للمواطن الأوروبي.
ولكن، لا يمكن الاعتماد فقط على هذه الإنجازات، لأن عجلة الحياة تدور بسرعة فإما أن يواكب الاتحاد ما يجري حوله أو يسقط، وللأسف لا بد من القول أن اليوم أوروبا لا تواكب هذه الحركة.
اليوم، ومع مرور 60عام على تأسيسه، لا يبدو الاتحاد الأوروبي معافى، فالاقتصاد الأوروبي في حالة حرجة والبطالة تجتاح أوروبا بمعدل يزيد عن عشرة في المئة، كما أن مؤسسات قيادة الاتحاد الأوروبي، وعلى وجه الخصوص جهازها الإداري، الذي يتواجد مقره في بروكسل، وقعوا في فخ البيروقراطية الثقيلة، ولم يعد بإمكانهم أن يكونوا قريبين من المواطنين الأوروبيين.
العجز الأوروبي
من ناحية أخرى يبدو أن الاتحاد الأوروبي أصبح عاجز عن مواجهة التحديات الجديدة كتدفق هذا الكم الهائل من اللاجئين جراء الحروب الدائرة في الشرق الأوسط أو مواجهة تهديد الإرهاب الذي يضرب دول أوروبا بين الحين والأخر.
وجاء قرار بريطانيا ليكون ضربة قاصمة لأوروبا، وما أزم الوضع أكثر دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقرار بريطانيا في الخروج من الاتحاد الأوروبي، وحثه الدول الأخرى على الانفصال عن الاتحاد.
وفي فرنسا، التي تعتبر واحدة من القيادات الرئيسة لأوروبا، ظهر على الساحة مؤخراً حزب مناهض للاتحاد الأوروبي "الجبهة الوطنية الفرنسية" والذي أصبح من أبرز المرشحين للفوز بالانتخابات الفرنسية المقبلة، ويطالب هذا الحزب بخروج فرنسا من الاتحاد ومنطقة اليورو وإعادة التعامل بالعملة الوطنية.
ماذا يقول المعارضين للاتحاد الأوروبي؟!
يصر هؤلاء المعارضين على إعادة "المجاورة الطوعية"، أي عدم القبول بأن يجبرهم أحد على أن يكون جزءا من اتحاد يمارس عليهم سلطة معينة، ولا يرغبون بأن يكون أحد فوق رؤوسهم، ويطالبون بإغلاق أبواب بلادهم وحمايتها من الشركات الأجنبية والمهاجرين، كما يرغبون في الحصول على العملات الوطنية الخاصة بهم بدلا من اليورو وتشغيلها بما يحلو لهم...
ويبقى السؤال هل سنشهد انهيار الاتحاد الأوروبي أم يمكننا اعتبار ما يحدث غيمة عابرة ؟! سنبقى في حالة ترقب ريثما تخبرنا الأيام بما هو مخفي.