الوقت - تحولت فكرة "تقسيم سوريا" إلى مادة إعلامية دسمة عند الكثير من الباحثين خلال الأعوام الأخيرة، ومع كل تغير عسكري يطرأ على جغرافية سوريا تنطلق الأفكار التي تتحدث عن التقسيم، معززة بفكرة المؤامرة الأمريكية - الصهيونية ضد المنطقة من جهة، والواقع الذي يشهده الشرق الأوسط من جهة ثانية.
فمنذ اندلاع الأزمة السورية قبل ستة أعوام سعى الكيان الإسرائيلي ومن ورائه أمريكا إلى تنفيذ مخططهم الرامي إلى إضعاف محور المقاومة لاسيّما حزب الله الذي تمكن من تحقيق انتصار تاريخي على هذا الكيان في صيف عام 2006.
وتعتبر دمشق الحليف الاستراتيجي لطهران، والأخيرة هي الداعم الرئيس لمحور المقاومة في عموم المنطقة، ومن هذا المنطلق يمكن إدراك كنه المحاولات التي يبذلها كيان الاحتلال الإسرائيلي لإضعاف حكم الرئيس بشار الأسد والتي تهدف إلى تقسيم سوريا في نهاية المطاف إلى ثلاث مناطق (كردية في الشمال، وعلوية في الوسط، ودرزية في الجنوب).
الباحث الروسي والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط "سيرغي ملکانیان" ناقش هذا السيناريو وتطرق لحلقاته ابتداءً من الفكرة وحتى التنفيذ من خلال المحاور التالية:
التهديدات الرئيسية التي تواجهها "إسرائيل"
يمكن تخليص هذه التهديدات بما يلي:
- وجود قوات حزب الله في المناطق الجنوبية من سوريا القريبة من مرتفعات الجولان التي يحتلها الكيان الإسرائيلي منذ عام 1967.
- وجود القوات الإيرانية التي تساعد القوات السورية في التصدي للجماعات الإرهابية وإمكانية دخولها في مواجهة مع القوات الإسرائيلية في أي لحظة لاسيّما في منطقة الجولان ومحيطها والتي تتواجد فيها العناصر الإرهابية خصوصاً من تنظيم "داعش" المدعوم من كيان الاحتلال.
تقسيم سوريا الخيار المفضل لـ "إسرائيل"
من المعلوم إن تدهور الأوضاع الأمنية في سوريا يصب في صالح كيان الاحتلال باعتباره يمهد الأرضية لتقسيم هذا البلد ويضعف الحكومة المركزية فيه ويجردها من إمكانية تنفيذ عمليات عسكرية مؤثرة ضد هذا الكيان، ولن تتمكن بالتالي حتى من استعادة الجولان.
- یخشى "الکیان الإسرائيلي" من الأسلحة الروسية المتطورة المتواجدة على الأراضي السورية لمحاربة الجماعات الإرهابية بالإضافة إلى الأسلحة الاستراتيجية التي نشرتها القوات الروسية في سوريا خصوصاً في قاعدتي "طرطوس" البحرية و"حميميم" الجوية باللاذقية، ومن بينها منظومات صواريخ "اس 300" و "اس400" والتي بإمكانها أن تشكل عامل ضغط على الكيان الإسرائيلي في حال سمحت موسكو لدمشق باستخدامها ضد هذا الكيان.
- تقسيم سوريا بالنسبة للکیان الإسرائيلي يكتسب أهمية وجودية في هذه المرحلة، لاسيّما بعد حرب تموز 2006، حيث سقطت العقيدة العسكرية الإسرائيلية القائمة على الردع والإنذار والقدرة على الحسم، فالمقاومة اللبنانية والفلسطينية أدخلت الرعب في قلب الكيان الإسرائيلي، إذ أنها استطاعت أن تحيّد ترسانته العسكرية وتفقدها قدرتها على الحسم، وكل ذلك يثير مخاوف جدية لدى قادة الاحتلال تتعلق بمستقبلهم في ظل ما يثابرون على المحافظة عليه، وهو التحوط لأسوأ السيناريوهات. وعليه فإن تقسيم سوريا وتشكيل كيانات سياسية في هذا البلد يبدو الخيار الأمثل لتأمين مستقبل هذا الكيان، خاصة بعد دخول أمريكا بقوة على خط الأزمة السورية، لأسباب عدّة لعل أهمها هو الحفاظ على حدود آمنة لـ "إسرائيل" انطلاقاً من نظريتها المعتمدة على خلق مناطق ساخنة لتبرير تواجدها على الأرض السورية، وهذا المشروع ليس جديداً، كما أنه ليس مشروعاً أمريكياً، وإنما مشروع إسرائيلي في الأساس.
فـ "إسرائيل" تعمل جاهدة لاستكمال مخططها الرامي إلى مد نفوذها من النيل إلى الفرات، وتسعى بشكل جدي للاستفادة من الوضع القائم في سوريا والعمل على إضعافها ومن ثم تقسيمها إلى دويلات عدّة، لكي تضمن حدود آمنة معها، خاصة بعد أن سيطرت الأزمة السورية على مفاوضات رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، وتشديده على أن الوضع في الجولان غير قابل للنقاش! وهو ما يؤكد أن سيناريو تقسيم سوريا قد بدأ الاستعداد له منذ زمن طويل لأنه يصب في مصلحة إسرائيل ومن ورائها أمريكا بالدرجة الأولى.
ويخلص الباحث الروسي إلى نتيجة يؤكد من خلالها صعوبة فرضية تقسيم سوريا على أرض الواقع لأسباب داخلية وأخرى خارجية، إقليمية ودولية على السواء، لأن التقسيم الجغرافي بحسب اعتقاده يختلف كثيراً عن التقسيم السياسي، لأن المناطق العسكرية أو ما يمكن تسميتها الكانتونات العسكرية ليست قائمة على حقائق ووقائع قومية أو مذهبية أو طائفية، بمقدار ما تعبر عن معطيات عسكرية متحولة، ويشير كذلك إلى أن مناطق النفوذ شيء ونشوء كيانات سياسية جديدة شيء آخر تماماً، وعليه فالتقسيم العسكري الذي تفرضه ظروف المعركة لا يمكن أن يتحول إلى تقسيم سياسي أو يؤسس لكيانات ودول جديدة على الأرض السورية في المستقبل.