الوقت - في حوار خاص لـ "الوقت" مع الدكتور المحاضر بسام أبو عبدالله مدير مركز دمشق للدراسات "مداد" تحدثنا حول آخر التطورات في مدينة "منبج" و أبرز المجريات والأحداث في مدينة تدمر الأثرية على الصعيدين العسكري والسياسي وعن أهمية تحرير هذه المدينة وثقلها بالنسبة للدواعش وعن المراحل والخطوات التي سيتبعها الجيش السوري للحفاظ عليها. فكان لنا الحوار التالي...
الوقت: كيف ترى آفاق تطورات مدينة "منبج" بعد تسليم الأكراد عدة قرى للجيش السوري في ريف المدينة، ليحول بينها وبين القوات المدعومة من تركيا مع تعزيز حضور الجيش السوري من جهة وإرسال قوات أمريكية إلى شمال هذه المدينة من جهة أخرى؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: باعتقادي أنّ الوضع معقد جداً في الشمال السوري. فأولاً مدينة منبج ستقطع الطريق في وجه أي محاولة للتوسع والتقدم للقوات التركية، وبالتالي ستجبرهم في الوقت الحالي للبقاء في الباب. لأنّ حجة بقاء القوات التركية هي وحدات الحماية الكردية. بالإضافة إلى أنّ القوات الكردية تُستَهدف من قبل الجيش التركي وهذا الأمر بالتأكيد مرفوض من قبل الأكراد بشكل جذري. كما أنّ تقدم الجيش السوري وتسلمه هذه المناطق جعل الأتراك يضطرون للقول على لسان رئيس الوزراء التركي بأنهم: "ليسوا ضد دخول الجيش السوري إلى منبج ومحيطه لأنّ الجيش السوري هو القوة الشرعية الوحيدة التي يحق لها الدخول لهذه المنطقة".وبهذا تم قطع الطريق على الأتراك للتدخل والتوسع أكثر في الأراضي السورية. وخاصة أنّ تركيا حتى الآن قد أثبتت مراراً وتكراراً من خلال المناطق التي احتلتها من الأراضي السورية أنها تقوم بإنشاء قوى محلية تابعة لها وأيضاً تُلحِق هذه المناطق إلى والي غازي عنتاب وهذا يدل على نوايا ليست طيبة مطلقاً وتتناقض أيضاً مع الكلام الذي يتحدثون عنه عبر وسائل الإعلام ومع مايدعونه. كما أنّ قضية الأكراد ستُحَل داخلياً عن طريق حوار واتفاق سياسي سوري – سوري، و وفق الدستور السوري. بالإضافة إلى أن هذه القضية هي مسألة داخلية سورية فقط ولايحق لأي أحد التحدث عنها. وإذا كان هناك مخاطر أو مخاوف فعلى تركيا التحدث للحكومة السورية وحدها وليس لأي طرف من الأطراف الأخرى.
أما بالنسبة لحضور الأمريكان في شمال منبج لابد من القول بان الأمريكان لديهم حليف واحد فقط في سوريا، ألا وهو الحليف الكردي وهم يريدون التركيز على هذا الحليف كمنطقة نفوذ وخاصة أنّ هذا الحليف يوسع مواقع تركية في الشمال السوري وهذا خرق للسيادة الوطنية لسوريا، وكما تحدثنا عن وجود الجيش التركي فنحن نتحدث عن الوجود الأمريكي والذي يدل على وجود نوايا أمريكية خبيثة لبناء مناطق نفوذ لها في شمال سوريا، ولكي تقف في وجه أي إمكانية لبناء كريدور مابين إيران والعراق وسوريا ولبنان ولهذا تريد الولايات المتحدة قطع كل الطرق على سوريا حتى طريق التعاون الإقتصادي بين سوريا ودول المنطقة.
لذلك أنظر لتواجد قوات أمريكية على أنه موضوع خطر يجب التعامل معه بأسرع وقت، والولايات المتحدة ماتزال تناور بين أكثر من طرف وهي مضطرة أن تتعاطى على مضض مع وجود الجيش السوري في منبج الآن. كما أنها وجدت أنّ الأكراد أنفسهم لايثقون بالأمريكان لأنهم استنجدوا بالروس والجيش العربي ولم يستنجدوا بهم. وبالتالي تم هذا الأمر مما اضطرهم لإرسال بعض المدرعات و الآليات نتيجة خوف القوى الكردية من وجود الجيش التركي. الصورة في الواقع معقدة جداً ويطول الحديث عنها، ولكن في النهاية التقدم الذي حققه وسيحققحه الجيش السوري بدعم من الحلفاء هو مهم جداً في ريف حلب الشرقي والشمال الشرقي باتجاه تحقيق المزيد من الإنجازات في القضاء على داعش والعصابات الإرهابية من ناحية وزيادة نفوذ الدولة السورية وقطع الطريق في وجه أي مشاريع ومخططات تقسيمية على صعيد الشمال السوري من ناحية أخرى.
الوقت: ماهي أهمية تحرير تدمر في هذا التوقيت بالذات، وماهي خطة الجيش السوري والحكومة السورية في مواجهة الإرهاب في تدمر ومنع سقوطها مرة أخرى بيد الدواعش؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: لايوجد شك أنّ تحرير مدينة تدمر الأثرية له أكثر من رمزية في هذه المرحلة بالذات، القضية الأولى أنه بالإضافة لأهمية تدمر من ناحية الموقع الإستراتيجي وكونها جزء من التراث العالمي إلّا أنها تُعتبر صلة الوصل بإتجاه دير الزور والحدود العراقية أيضاً، وارتباطها بموضوع محافظة حمص الواقعة في قلب سوريا. وأعتقد أنّ تحريرها للمرة الثانية له تبعات كبيرة.
الوقت: هل سيتجه الجيش السوري نحو المناطق التي تشكل نقاط ارتكاز لتنظيم داعش مثل منطقة السخنة، ثمّ الإتجاه نحو دير الزور؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: الأولويات في الوقت الحاضرغير واضحة ولكن الواضح أنّ الجيش السوري والحلفاء مستمرين وسيتابعون عمليات تطهير المنطقة المحيطة لمدينة تدمر، وتوسيع نطاق الأمان لها من ناحية و وضع الأولويات من ناحية أخرى. وأنا أعتقد أنّ العزم سيكون باتجاه مدينة "السخنة" التي تعد نقطة وصل ما بين الصحراء باتجاه مدينة الرقّة ودير الزور. وبالنسبة لخطط الدولة والجيش لمنع سقوطها مرة أخرى هذه أولويات عسكرية. ولكنِّي أستطيع القول أنّ حزام الأمان سيتسع أكثر بمحيط تدمر أولا،ً و ثانياً سيكون الإتجاه نحو السخنة وبعض التلال والأراضي المحيطة بتدمر. كما يجب أن يتمكن الجيش منها حتى يستطيع أن يحمي تدمر ومحيطها القريب، ثم يتم الإنطلاق تجاه عمليات عسكرية أخرى. كما أنّ هذا التحرير يترافق مع ضرب تنطيم داعش في ريف حلب الشرقي وأؤكد أنّ هناك إجراءات كثيرة ستجري بعد هذا التحرير حتى لا تفسح المجال لتكرار مثل هذا الأمر مرة أخرى.
الوقت: لماذا كل هذا الإصرار من قبل الدواعش على احتلال هذه المدينة برأيك؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: هذا الأمر يرتبط بموقع المدينة الإستراتيجي بالإضافة لوجود آبار النفط والغاز ولإرتباطها بشكل أو بآخر بمدينة دير الزور والحدود العراقية بالإضافة لأن داعش تقوم بوظيفتها في تدمير التراث السوري والإنساني. فداعش مصنعة بأجهزة الإستخبارات الدولية وهدفها الأساسي ضرب الهوية والتراث وتدمير التاريخ.
إعداد: عبدالسلام تقي