الوقت- في مقابلة للوقت مع الدكتور بسام أبو عبد الله أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق ومدير مركز دمشق للدراسات "مداد" تحدثنا حول آخر تطورات جبهة الجنوب السوري وعن الدول المتورطة في إشعاله والأهداف الكامنة وراء التورط الأردني في دعم المجموعات المسلحة وعن تنفيذ بنود مؤتمر "أستانه" فكان لنا الحوار التالي.
الوقت: لماذا اشتعلت جبهة الجنوب السوري ومن هي القوى المتصارعة في الجنوب؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: يجب أن نشير إلى أنّ من حرك جبهة الجنوب هي جبهة النصرة وقسم كبير من المقاتلين معهم من جنسيات أجنبية. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هؤلاء اعتقدوا أنّ بإمكانهم أن يحدثوا اختراقاً للدخول إلى درعا المحطة. ولكنهم مُنيوا بخسائر فادحة وحتى المنطقة التي سيطروا عليها والتي تقدر ب 300 متر فقط؛ في الحقيقة هي ليست سيطرة وإنما هي عملية انسحاب من قبل قوات الجيش العربي السوري والحلفاء من أجل إفساح المجال للطيران لكي يستهدف هذه الجماعات لأنه كان هناك معلومات قد وصلت عن هذه بالذات. وبالنسبة إلى أنّ من يحرك هذه الجبهة فأعتقد أنّ الأردن ليس بریء بهذا الشأن لأن الحقيقة هي أنّه حتى الجرحى من الإرهابيين يتم نقلهم إلى المشافي الأردنية والأمر واضح.
العملية بشكل عام فشلت فشلا ذريعا وأعداد قتلى تنسيقيات المسلحين تصل أكثر من مئة وخمسة عشر قتيل (115) ويوجد عدد من شهداء الجيش العربي السوري ولكن بالمجمل فشلت عملية الإختراق برمتها والآن هناك تبادل اتهامات بين هذه الأطراف المتورطة في المعركة الأخيرة وكل طرف يتهم الطرف الآخر بالهزيمة. وبالتالي مصيرهم هو في سوريا وفي كل دول المنطقة وهذا ما حدث.
الوقت : ماهو دور اللاعبين الأجانب في الجنوب السوري؟ وماهو سبب عدم نجاحهم في الإستيلاء على المعبر السوري مع الأردن؟
الدكتور بسام أبو عبد الله : الدعم الأردني والإسرائيلي والسعودي له الدور الأبرز في هذه المعركة وهناك من يدعي أنّ الأردن لم تُدخل السلاح وهذا يعود لكون أنهم أدخلوا السلاح من قبل وكان لديهم مخازن سلاح جاهزة.
تابع بسام أبو عبدالله القول: الهدف من هذه المعركة كان السيطرة على المعبر مع الأردن بشكل كامل وإخراج الجيش العربي السوري من منطقة الجمرك القديم. كما أنّ الكيان الإسرائيلي يهدف أيضاً إلى إقامة مايسمونه بالجدار الآمن من خلال هذه الجماعات الإرهابية التكفيرية؛ حيث يمتد هذا الجدار حسب خطتهم من القنيطرة حتى درعا وكل المناطق الحدودية الجنوبية. ولكن هذا الأمر أُفشِل من خلال المصالحات التي تمت في خان الشيخ بإتجاه ريف القنيطرة بالإضافة إلى ريف درعا. وهذا يعني أنه لم يتبقى إلّا بؤر يمكن علاجها عندما يحين وقتها وهو ليس بالبعيد وأعتقد أنه خلال الفترة القادمة ستتجه المنطقة نحو تحريرها بشكل كامل من الجماعات المسلحة.
الوقت: كيف تُقيِّم نشاط الدور الروسي في الأونة الأخيرة وبالأخص في الجنوب السوري؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: أولاً بما يتعلق بدرعا فإنّ الطيران الروسي قد شارك بكثافة بصد هجمات المسلحين. ثانياً أنا أعتقد بأنّ موسكو هي لاعبة أساسية لعدة أسباب فهي دولة عظمى وتعمل من خلال رؤية سياسية مستقبلية وتعتبر داعم للحل السياسي. وأنا أعتقد أنّ التنسيق بين أطراف المحور حيث أنه لايجري أي شيئ دون التنسيق مع الدولة السورية ومع الحلفاء الإيرانيين فهذا الأمر صحيحح وقائم.
وبالرغم من ظهور بعض التّبايُنات أحياناً ولكن هذا الأمر طبيعي وليس غريب وعمق التحالف بين أطراف التحالف هو أعمق مما يتصور البعض ويهدف إلى رسم مشروع يواجه المشروع الأمريكي.
وتعتبر إيران بشكل أساسي مُرتكز لمشروعين عالميين؛ الأول هو مشروع طريق الحرير (صيني) والمشروع الثاني هو مشروع عسكري ( روسي ) ولهذا مايجري الحديث عنه من خلافات إيرانية-روسية قد يكون هناك شيئ منه ولكن هذه الإختلافات ليست جوهرية أو عميقة.
الوقت: ماهي المرحلة الميدانية القادمة وأين ستكون وجهة الجيش السوري في الأيام الآتية؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: قد تحدث السيد الرئيس لوكالة الإعلام الفرنسية بأنه يجري العمل على ريف حلب الشرقي الذي تم فيه هزيمة تنظيم داعش الإرهابي وتحرير أكثر من 300 كم. والعمليات لها أوليات يضعها الجيش وفق تطورات الميدان. كما يجري الآن التركيز على منطقة تدمر وريف حمص الشرقي وصولاً إلى دير الزور. ويعتبر قرار وقف الأعمال القتالية لفصل المجموعات المسلحة عن المجموعات التي ترغب بالحل السياسي أمر مهم جداً والحديث الآن بأن تتفضل هذه المجموعات التي تدعي أنها تبحث عن حل سياسي وتفصل نفسها عن المجموعات الإرهابية التي فُضحت كداعش والنصرة. وحتماً تعرف الولايات المتحدة أنّ هذه التنظيمات هي تنظيمات هشّة وضعيفة وعمودها الفقري هو تنظيم داعش والنصرة وبالأحرى هو تنظيم القاعدة التكفيري الذي يقاتل في سوريا من منطلق عقائدي. وبمجرد فصلهم ستصبح الصورة والخريطة واضحة وبالنتيجة هذه المجموعات التي تقول وتدعي أنها جاهزة للحل السياسي يجب عليها أن تقاتل أيضاً ضد الإرهابيين.
الوقت : ماهي تبعات إشعال جبهة الجنوب السوري على الأردن وماهي ردة فعل الحكومة هناك؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: "يجب أن ننظر إلى أنّ الأردن بالأساس هي دولة وظيفية وبالتالي هي جزء من المشروع الذي استهدف سوريا بمعنى أن الأردن هدفها وظيفي منذ إنشائها وهدفها حماية إسرائيل وأن تكون منصة للإنقضاض على الأنظمة والحكومات التي تعارض السياسة الأمريكية. ولمسنا هذا الأمر وعانينا منه في الثمانينات عندما دعم النظام الأردني الإخوان المسلمين والعمليات التي كانت تتم في سوريا كما كانت معسكرات التدريب العسكري لهم مقامة في الأردن" .
تابع الدكتور بسام قائلاً: من ناحية أخرى أيضاً فالداخل الأردني والواقع الإقتصادي متردي والمساعدات الخليجية لم تعد كما كانت سابقاً ونسبة العاطلين عن العمل مرتفعة جداً كما أن هناك تزايد للتنظيمات التكفيرية التي أنشأتها الأردن ودعمتها المخابرات الأردنية مما سيجد لها مكان داخل الأردن . كما أنّ عدد كبير من المسلحين في الهجوم الأخير الذي نتحدث عنه هم من جنسيات أردنية وقائدهم هو من جنسية أردنية أيضاً . وبالتالي يجري استثمار هذه المجموعات في محاولة لتخفيف أو عدم ارتداد هذا التورط الأردني للداخل خلال سنوات.
ولكن يجب أن لاننسى أن الأردن ليس لديه أي خيار أبداً ولذلك قد انضم إلى محادثات "أستانة" للبحث عن حل سياسي لأن هذا الإستثمار لهذه المجموعات في الحقيقة سينعكس على الداخل الأردني وسيؤدي إلى انفجارات داخل الأردن، فنحن نعلم أنه قد واجه عمليتين في مناطق سياحية من قبل تنطيم داعش لذلك عليهم أن يتعاونوا. كما يجب على جميع الدول التي تورطت في صناعة الإرهاب في سوريا أن يتعاونوا مع الحكومة السورية أيضاً للقضاء على الإرهاب لأنهم ليسوا بأمان.
الوقت : هل تعتبر أن إشعال الجنوب السوري هو نتيجة هزيمة الجماعات المسلحة والإرهابية في الشمال السوري؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: طبعاً بالتأكيد. كما أنّ كل المجموعات المسلحة التي تعمل في سوريا هي مجموعات مرتزقة تعمل بالمال وعن طريق غرف عمليات تقدم المال وتأخذ ثمن كل هجوم. وقد حاولوا تحقيق مكسب ميداني يفيد هذه الجماعات في المفاوضات القادمة وخاصة أنّ الأردن شارك باجتماع "أستانا" على أنه سيقوم بضمان المجموعات المسلحة في الجنوب ليدخلوا ضمن إطار الحل السياسي ولكنّ الواضح أنّ هناك من لايريد ذلك كما أنّ الجماعات المسلحة في الشمال السوري لاتستطيع التحرك دون تغطية تركية. فالميدان هو الأساس لكل حل سياسي.
الوقت: ماهو تقييمكم لتنفيذ بنود مؤتمر أستانه وهل أثمر بما يخص وقف عمليات الإقتتال في سوريا؟
الدكتور بسام أبو عبدالله: وقف العمليات الإقتتالية إلى حد ما ثابت، ولكن في آخر إجتماع تبيّن أنّ الأتراك يريدون التملص من مسؤولياتهم وكانت نسبة تمثيلهم في المؤتمر منخفضة فقد شاهدنا أنهم أتوا متأخرين ومستهترين. و يبدوا أن هذا الأمر مرتبط بوعود أمريكية جديدة بعد زيارة وزير المخابرات المركزية إلى أنقرة. وأيضاً قيام موسكو بعقد مؤتمر واسع للأكراد مما أزعج أنقرة إلى حد كبير لذلك لايوجد أي ضمان لوعود تركيا.
والآن يجري الحديث عن تشكيل محور تركي، سعودي، اسرائيلي، خليجي ضد إيران. وفي النهاية هذه الدول تتجه نحو إفلاس حقيقي بتحالفهم ضد فلسطين مع نتنياهو والذي يعتبر رمز التطرف والصهيونية و لن يسجل لهم مكاسب وبالرغم من هذا فإنّ محور المقاومة هو الذي انتصر والإرهاب انفضح بعد ست سنوات من الحرب ولم يعد بوسع الولايات المتحدة أن تغطيه كما أنّ الشعب السوري يدرك أهمية الجيش السوري كعامل لوحدة الدولة و الأراضي السورية وحامي الأمن والإستقرار كما أننا نثمِّن أيضاً دعم الحلفاء وأخص هنا إيران وحزب الله و روسية.
الإعداد: عبدالسلام تقي
