الوقت- بعد أن شاركت فرنسا في الحرب غير المعلنة على سوريا، انقلب سحرها عليها وتعاني "حسب ما تزعم" من تهديدات ارهابيّة وشيكة وخطرة ولهذا تقوم باجراءات أمنيّة واسعة وتدابير احترازيّة. كما طرحت الحكومة الفرنسيّة مشروع قانون لمكافحة الارهاب يتيح للأجهزة الأمنيّة صلاحيّات واسعة، لقي هذا القانون اعتراضات واسعة لأنه وبحسب المعترضين يقيّد الحرّيات ويفضح خصوصيّات المواطنين، فما هو هذا القانون؟ وما هي آثاره وصداه؟ وما هي التخوّفات منه؟
الاستنفار الفرنسي
بعد اعتداءات باريس في كانون الثاني/يناير التي خلفت 17 قتيلا، وفي ظل تهديدات ارهابيّة تزعم فرنسا أنها قويّة وجديّة تستنفر فرنسا سلطاتها البرلمانيّة والحكوميّة والأمنيّة في سلسلة اجراءات وتدابير احترازيّة.
وفي هذا السّياق اعلن مسؤول الدائرة المركزية للاستخبارات الداخلية الفرنسية، بيرنار سكوارسيني، أنه “يتوقع حدوث اعتداءات على الأراضي الفرنسية”، حيث قال في مقابلة نشرت في جريدة “ورقة الأحد”، إن “هناك أسبابا موضوعية للقلق، والتهديد لم يكن أكبر من أي وقت مضى حيث كل المؤشرات هي في النقطة الحمراء”، مؤكدا “نحن الآن على نفس المستوى من التهديدات في عام 1995.
في ظل هذه "التهديدات" قال رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس إن فرنسا ستنفق 425 مليون يورو (463 مليون دولار) على الإجراءات الأمنية لمنع وقوع هجمات على أرضها، وإن أجهزة مكافحة الإرهاب الفرنسية يجب أن تراقب حاليا نحو 3 آلاف شخص. وأعلن فالس أنه سيتم إنشاء 2680 وظيفة خلال ثلاثة أعوام لمكافحة الإرهاب بشكل أفضل. وأكد فالس من قصر الإليزيه وهو يشرح تفاصيل الإجراءات لتعزيز الأمن في فرنسا "أن الخطر لا يزال عاليا جدا."
مشروع القانون الجديد
قدم رئيس الوزراء الفرنسي مشروع قانون لتعزيز وسائل عمل أجهزة الاستخبارات الفرنسية في مجال مكافحة الارهاب. القانون الذي بدأ مجلس النواب الفرنسي دراسة مشروعه يتعلق بتعزيز دور أجهزة الاستخبارات في مراقبة شبكات الإنترنت، في سياق إجراءات مكافحة الإرهاب.
القانون الجديد يسمح باقتحام المحلات والمساكن والسيارات وغيرها، لزراعة أجهزة تصنت من ميكروفونات أو أجهزة بث الإشارات الالكترونية عن بعد، لرصد أجهزة الهاتف أو السيارات أو الأشخاص، وصولاً إلى السماح باستعمال سحب المعطيات والمعلومات من الهواتف والكمبيوترات ووسائل التواصل الالكترونية باعتماد تقنيات تستطيع شفط كل المعلومات والبيانات من هواتف أو كمبيوترات أو الأقراص الصلبة أو غيرها من وسائل تخزين المعطيات، بمجرد مرور الشخص المستهدف قربها أو وجودها في دائرة نشاطها أو عملها.
کما أنّه (القانون الجديد) لم يعد يطالب الأجهزة الأمنية بتبرير طلبات المراقبة أو الرصد بشكل مسبق، بل يعتمد في شكله الجديد قائمة بالمجالات التي يمكن للأجهزة التصرف الحر والفوري إذا توفرت شروطها بعيداً عن الرقابة المسبقة، فإذن الإذن القضائي المسبق لم یعد شرطا بل سيتاح للأجهزة المعنيّة مراقبة الإرهابيين واستباق العمليات الإرهابية في الداخل والخارج، بالمتابعة والتجسس والتنصت على المراسلات العادية والالكترونية واستعمال الوسائل الإلكترونية الحديثة من أجهزة تجسس متنقلة وثابتة وأقمار صناعية لتحديد الأشخاص والمواقع والسيارات ورصد التنقلات الشخصية والتحويلات المالية و...
المواقف الرافضة
ردّا على هذه الاجراءات والقوانين اعترض الفرنسيّون على الصّعيد الشّعبي والمجتمع الأهلي فقامت مظاهرات أمام مبنى البرلمان احتجاجاً على مشروع القانون، ورفع نشطاء حقوقيون لافتات مناهضة للقانون تدين ما تعتقد أنه سيؤدي إلى التضييق على الحريات الشخصية في فرنسا. ووجهت منظمات حقوق الإنسان في فرنسا انتقادات لمشروع القانون، معتبرةً أن من شأنه جعل فرنسا بلدا مناهضا للديمقراطية.
وأشارت المتحدثة باسم منتدى حريات الانترنت في فرنسا "أدريين كارميت" لمراسل الأناضول - حول مشروع القانون الجديد - إلى أن القانون يهدف لمراقبة جميع الشرائح الاجتماعية، مضيفةً: "إن هدف هذا القانون هو إنشاء ما يشبه الصندوق الأسود على شبكة الانترنت ومشغلي الهواتف، لصالح جهاز الاستخبارات، وبحسب ما قالوه فإن ذلك للتحقق من الأعمال المشبوهة، لكنهم سيجمعون البيانات الشخصية بشكل جماعي" وأكدت كارميت أن القانون المذكور يهدد حقوق الإنسان الأساسية.
ویتخوّف النّاشطون من ان يؤدي القانون الى التعسّف بخصوصيّات المواطنين فاعتبرت" آدريان آليكس" أن تمكين الأجهزة الأمنية من مسح كل الاتصالات عبر الانترنت يمثل انتهاكا صارخا للحريات العامة والحقوق الفردية، مشيرة إلى أن التشريع المقترح لا يعطي أية ضمانة قضائية في مواجهة حالات التعسف المحتملة.
وبناءاً على صحيفة فيغارو الفرنسية فإن نتائج احدث استطلاعات مؤسسة اودوكسا لصحيفة لوباريزين الفرنسية تظهر ان 69% من الفرنسيين يرون ان لائحة القوانين الجديدة وزيادة صلاحيات الأجهزة الأمنية في البلاد تنتهك خصوصيّات المواطنين.
تخوّفات من الاقتداء بفرنسا
ويتخوّف مراقبون من ان تنسحب هذه الاجراءات والقوانين على بلدان أخرى خصوصا وأن أمریکا كانت سابقا قد شرّعت قانون مكافحة الإرهاب الذي سمّي اختصارا "حبّ الوطن" الذي قد قيّد الحريّات في أمریکا. وفي كندا أيضا حيث تعتزم البلاد اصدار قانونها الخاص بمكافحة الارهاب المعروف "سي51 " (Bill C-51) وقامت احتجاجات كبيرة عليه واعتبر القانون من قبل البعض هو نفسه روح الارهاب لأنه بسعيه لمنح مزيد من الصلاحيات للاستخبارات والشرطة سيعرّض خصوصيات الناس لعدم الاحترام.
وكان قد اتفق وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي على تشديد قوانين الهجرة وذلك في إطار مساعيهم الحثيثة لمحاربة الإرهاب، وفقا لوكالات الأنباء. وخلال الأشهر الماضية، تبنى الأوروبيون إجراءات غير مسبوقة، كان آخرها الموافقة على تنفيذ حملة تفتيش على الحدود الخارجية لفضاء شنغن، وترمي حكومات الاتحاد الأوروبي من وراء ذلك إلى منع الأوروبيين من الذهاب للقتال في صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق، خشية أن ينفذوا هجمات لدى عودتهم إلى أوروبا.
أخيرا، تعتبر الثورة الفرنسيّة ملهمة الشّعوب في العالم وتعتبر فرنسا نفسها أمّ الحرّيات ومهد الديمقراطيّة، وعلى هذا نورد إشكالين كيف ستبرّر فرنسا قانونيّة الاجراءات القانونيّة والأمنيّة خصوصا وأن خصوصيّات المواطن الفرنسي ستكون مفضوحة بالكامل للأجهزة الأمنيّة الفرنسيّة ومشتركة وبتنسيق تام مع الموساد ووكالة الاستخبارات الأمريكيّة.
والإشكال الآخر ماذا عن احترام الأديان والمعتقدات في ظل عدم احترام المقدسات الإسلامية، وتدنيس المقابر والمساجد، والاعتداءات والإهانات والاستفزازات، والصّور المسيئة لنبي الإسلام، وحرق القرآن الکریم وغيرها، وتغييب 6 مليون مسلم في فرنسا عن السّاحة السياسيّة والاعلاميّة.. ومن سيتحمّل مسؤوليّة نشر العداء للمسلمين؟