الوقت - يعتبر مسعود البارزاني والرئيس العراقي السابق جلال الطالباني أهم شخصيتين كرديتين برزتا على الساحة السياسية بعد عام 2003 في إقليم كردستان العراق وعموم هذا البلد.
وفي السنوات الأخيرة التي أعقبت غزو أمريكا للعراق حظي البارزاني والطالباني بتأييد واسع في أوساط إقليم كردستان. ونجحت هاتان الشخصيتان بتوفير نوع من الثبات السياسي والأمني في الإقليم بفضل التعاون والتنسيق الثنائي على كافة المستويات.
وكرّس البارزاني نفوذه في الإقليم بعد مرض الطالباني في عام 2013. وقبل هذا التاريخ كان الطالباني يعد الرجل الأول في الإقليم لكن البارزاني تمكن من تبوأ مكانة قيادية واضحة بعد ابتعاد الطالباني عن عالم السياسة.
وفي الحقيقة لم يتمكن البارزاني من الحفاظ على وحدة وثبات الإقليم والتماسك بين أحزابه وتياراته السياسية. وبسبب ضعف إجراءاته في الحفاظ على المسيرة الديمقراطية والقانونية في إقليم كردستان بدأ البارزاني يواجه تدريجياً أزمة الشرعية. ويمكن بيان هذا الأمر بشكل أوضح من خلال النقاط التالية:
- انتهاء مدته القانونية في رئاسة الإقليم
طبقاً للدستور المعتمد في إقليم كردستان العراق كان يجب أن تنتهي رئاسة البارزاني للإقليم في 19 آب/أغسطس 2015 والتي مددت في الأساس لمدة عامين ابتداءً من عام 2013 وفقاً للتوافقات السياسية في برلمان الإقليم. وفي الموعد المقرر لنهاية ولاية البارزاني (19/8/2015) لم يكتف الأخير برفض مغادرة السلطة؛ بل تمسك بمنصبه لوقت غير محدد اعتماداً على أحكام صوريّة بالتوافق مع بعض الجهات السياسية في الإقليم.
وأثار هذا الإجراء غضب الأحزاب المؤثرة في الإقليم التي اعتبرت بقاء البارزاني على رأس السلطة بأنه غير قانوني ويتعارض مع دستور الإقليم والتوافقات بين الكتل السياسية الكردية.
علاوة على ذلك يسود الاعتقاد في أوساط واسعة من سكان الإقليم بأن البارزاني فاقد للشرعية الدستورية ويستمد قدرته من القوة العسكرية لحزبه "الديمقراطي الكردستاني" وليس من تأييد الجماهير له.
- الأزمة المالية في الإقليم
من العوامل الأخرى التي أضعفت نفوذ البارزاني في إقليم كردستان هو الوضع المالي المتردي في الإقليم والذي برز بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة وأدى إلى حصول خلافات واسعة بين أربيل "عاصمة الإقليم" والحكومة المركزية في بغداد حول استخراج وتصدير نفط الإقليم، والذي ساهم بدوره في خفض حصة الإقليم التي تقدر بـ 17 بالمئة من الميزانية العامة للدولة العراقية.
وطبقاً للتقارير المتوفرة لم يتمكن البارزاني منذ عدّة أشهر من دفع مرتبات موظفي الإقليم وكذلك مقاتلي البيشمركة الذين يتصدون لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي في المناطق المتاخمة للإقليم لاسيّما الموصل.
وبسبب هذه الضائقة المالية خرجت تظاهرات واسعة في الإقليم خصوصاً في السليمانية وحلبجة. كما طالبت العديد من الشركات المنفذة للمشاريع في إقليم كردستان لاسيّما في مجالي الغاز والنفط باستحصال حقوقها من الإقليم (على سبيل المثال تطلب شركة "دانا غاز" الإماراتية ما يقارب ملياري دولار).
إلى جانب ذلك أدى فشل وزارة الثروات الطبيعية في الإقليم بتصدير النفط بشكل مستقل إلى إحباط آمال الأكراد في حل مشاكلهم الاقتصادية والمادية. وقد ساهمت جميع هذه العوامل في تراجع شعبية البارزاني في أوساط مواطني الإقليم إلى حد بعيد.
- تلكؤ قوات البيشمركة الموالية للبارزاني في تحرير "سنجار" من "داعش"
تسبب تلكؤ قوات البيشمركة التابعة لحزب البارزاني "الديمقراطي الكردستاني" في تحرير قضاء سنجار من عناصر "داعش" والذي نجم عنه وقوع الكثير من الأكراد الإيزديين في أسر هذا التنظيم الإرهابي بينهم عدد كبير من النساء. وتسبب هذا الموضوع بحرج كبير للبارزاني داخل الإقليم وعلى المستوى الدولي. ورغم استعادة "سنجار" في وقت لاحق على يد البيشمركة لازال موضوع احتلالها من قبل "داعش" يثير الشكوك بشأن مشروعية البارزاني.
- التفرد بالسلطة وعدم الاعتناء بالأحزاب الأخرى
واجهت قرارات وسلوكيات البارزاني في التفرد بالسلطة باعتباره زعيماً للحزب الديمقراطي الكردستاني وليس رئيساً للإقليم باعتراضات واسعة من قبل الأحزاب الكردية الأخرى. ومن هذه القرارات منعه "يوسف محمد" رئيس برلمان إقليم كردستان من دخول الإقليم في عام 2015، ما أدى إلى تعطيل المؤسسة التشريعية في الإقليم.
- عدم قدرة البارزاني على حل مشاكل الإقليم مع الحكومة المركزية
بسبب تفرد البارزاني في إدارة شؤون الإقليم وعدم تمكنه من حلحلة الأزمات مع الحكومة المركزية في بغداد، برزت مشاكل سياسية واقتصادية كثيرة بين الجانبين، وقد تكرست هذه المشاكل نتيجة عدم اتفاق الأحزاب الكردية بهذا الخصوص، وأدى هذا بدوره إلى غياب وحدة الكلمة وعدم تشكيل جبهة موحدة لمعالجة هذه الأزمات مع بغداد في العديد من المجالات.
وبدلاً من تسوية أزمات الإقليم أخذ البارزاني يبتعد يوماً بعد آخر عن بغداد من خلال تصريحاته المتكررة بشأن "الاستقلال" متجاهلاً مطالب الأكراد خصوصاً في الجانب الاقتصادي الذي تفاقم نتيجة الأزمة المالية التي يواجهها الإقليم، ما أدى إلى فقدان الثقة بإجراءاته من قبل الكرد على المستويين الجماهيري والحزبي.