الوقت- حين يصبح معيار الحق مزدوجا، تسقط كل المعادلات العقلية لإدارة المشكلات العالمية. رب البيت بالطبل ضارب كما يعبر المثل، وحامي الامن والسلم العالمي هو المهدد الاول له !!
حاميها حراميها، خير ما يقال حول الدول الست التي تفاوض اليوم ايران على حق امتلاك طاقة نووية سلمية، حق ستنتزعه ايران بقوة الصبر الشعبي الذي يسقط فعالية العقوبات وجدواها، والحكمة السياسية والحنكة والدراية التي تقف وراء كل مرحلة من مراحل إدارة النزاع المحق لتحصيل اعتراف دولي كرها بحق ايران دخول المنتدى النووي السلمي والاستفادة من الطاقة النووية في مجالات الطاقة البديلة عن الطاقة النفطية السائلة والابحاث العلمية المتقدمة والمتطورة .
قميص يوسف، يشبه الملف النووي تلك القصة الفتنة التاريخية. فمن يحمل شعار حفظ الامن العالمي ينفق على موازنات التسلح وصناعة الاسلحة وبيعها أكثر مما ينفق على الطبابة والتعليم ومحو الامية حول العالم .
الدول الست، اكبر دول الاتجار بالسلاح وما يجره هذا التوق للتجارة من افتعال إجباري للحروب لتحول البلدان الملتهبة الى اسواق سلاح تبذر اموالها في منبع السلاح الاول .
حول السلاح وشركاته وتجارته وحروبه الوكيلة والاعداء الوهميين، كلام كثير وادلة موثقة مئوية العدد، لكن الاكثر وقاحة في الدول الست أن اكثرها تطرفا وتشددا في الاعتداء على حق ايران ليس فقط دولة نووية بنفسها انما دولا تساهم في انتشار السلاح النووي حول العالم وتصدر منظوماتها النووية الى دول اخرى وأي دول تلك التي تهديها ليس طاقة نووية بل مصانع لسلاح نووي، انه الكيان الإسرائيلي الدولة الاستعمارية الوحيدة والاكثر دموية وتطرفا وعداءا على سطح الارض في زماننا هذا .
فرنسا، الدولة التي تقف موقف المتبني الكلي للإرادة الاسرائيلية، دولة بلغت بمستوى الوقاحة التي تنتهجها في سياستها في التعاطي مع الملف النووي الايراني الى حد بلوغ قائمة الدول التي تهاجم وتحول دون امكانية الوصول الى اتفاق يكرس حق ايران بالحصول على الطاقة النووية السلمية .
فمن هي فرنسا على مستوى الحديث النووي القائم؟؟
تعتبر فرنسا من الدول الأساسية التي تمتلك برنامجا نوويا حربيا منذ عشرات السنين وتقدر القدرة النووية لهذا البلد بأكثر من 300 رأس نووي موزع بين صواريخ باليستية وسفن حربية وطائرات حاملة لرؤوس وقنابل نووية .
وهذا ليس كل شيء، فمركز ديمونا للطاقة النووية الحربية في الكيان الاسرائيلي، تم بناؤه عام 1958 بمشاركة فرنسية فعالة ومن دون احترام القوانين الدولية ومن دون أي مراقبة دولية اصلا، ويقوم المعمل منذ ذاك الحين بتخصيب البلوتونيوم اللازم لبناء قنابل نووية حربية فتاكة، ويحاط برنامجه بالسرية التامة .
هذا وتعد فرنسا من أهم الدول المشجعة والفاعلة المدافعة عن برنامج الكيان الاسرائيلي النووي، وساهمت في تجهيز تل ابيب بهذا السلاح عبر المساعدة الكبيرة في بناء المنظومة النووية وتطوير البرنامج النووي العسكري الاسرائيلي .
على ضوء الاعتداء الامريكي بالسلاح النووي على هيروشيما وناكازاكي في اليابان، اهتم بنغوريون بالشروع ببرنامج نووي في فلسطين المحتلة، وفي عام 1949 بدأ البرنامج النووي الاسرائيلي بشق طريقه نحو الاكتمال. في عام 1956 تبين للدول الراعية للبرنامج النووي الاسرائيلي ان المشروع يصيبه بعض التأخير، ولهذا تم رفد تل ابيب بمزيد من الدعم الفرنسي لاستكماله بسرعة. بدورها فرنسا التي تمد يد الدعم العملي في المشروع قررت المضي في إنشاء برنامج نووي حربي في الكيان الاسرائيلي وأعطت تأييدها وتشجيعها لتل ابيب ومدت لها يد العون المطلق .
عام 1961، اتخذ الجنرال كاترو قرارا بوقف إمداد الكيان الاسرائيلي بالدعم لاستكمال بناء مصانع ومنشآت نووية جديدة، لكنه التزم بإكمال بناء معمل ديمونا بشكل نهائي .
في الواقع تعتبر فرنسا من ابرز الدول التي تبنت دعم المشروع النووي الحربي الاسرائيلي بعد الحرب العالمية الثانية، وهذا الدعم يعود الى اسباب سياسية ومصالح لها في الشرق الاوسط، حيث أن النفوذ الفرنسي بدأ بالتراجع في مناطق سوريا ولبنان البلدين الذين كانت فرنسا تستعمرهما، ولهذا توجهت فرنسا نحو الكيان الاسرائيلي لبناء علاقات تحالف قوية معه في ظل وجود روابط قوية سابقة بين الاحزاب الاسرائيلية والفرنسية، واستغلت فرنسا هذه الظروف لإقامة علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني تمخض عنها التعاون النووي في المجال العسكري الفتاك .
عام 1953، وصل الى سدة الحكم شيمون بيريز الذي جهد في توسيع موازنة الإنفاق على السلاح، وفي عام 1964، واثناء سفره الى باريس، التقى مع وزراء الحكومة الفرنسية ووقعوا على وثيقة تعاون في مجال الاستخبارات ومواجهة الخطر المصري الذي كانت باريس تتهمه بالعمل على خلاف مصلحتها في الملف الجزائري انذاك، وتبع هذا التوقيع تنفيذ صفقة سلاح تضمنت طائرات حربية من نوع ميراج3 المقاتلة الفرنسية الشهيرة .
علاوة على الدعم الفرنسي في المجال النووي العسكري الفتاك، لم توفر الحكومة الالمانية مد يد العون للكيان الاسرائيلي ومساعدته في تطوير تسلحه النووي. ففي العام السابق، كشفت صحيفة "ديرشبيغل" الاسبوعية الالمانية عن صفقة تمت بين برلين وتل ابيب تم بموجبها بيع تل ابيب ثلاث غواصات المانية الصنع حاملة للرؤوس النووية .
الصحيفة المذكورة كتبت في تعليقها على الصفقة :" ألمانيا العضو الكبير في مجلس الطاقة العالمي، والتي تجري حوارا مع طهران من ضمن محادثات دول الخمسة + واحد القائمة، حول برنامج طهران النووي، باعت تل ابيب ثلاث غواصات من نوع دلفين حاملة للرؤوس النووية، وهذه الغواصات سيتم تحميلها بصواريخ من نوع كروز مجهزة برؤوس نووية .
الوقاحة الغربية تحكيها السلوكيات الكاذبة للدول الغربية، والتي يجهد بعض المتحاورين فيها الى تخريب امكانية الوصول الي اتفاق بين ايران ودول الست + واحد، استكمالا لمشروع حماية الكيان الاسرائيلي ضمن سياسة المعايير المزدوجة التي تنتهجها هذه الدول خدمة لمشروع يحفظ مصالحها في الشرق الاوسط على حساب حقوق شعوب المنطقة .
لأن الدبلوماسية لغة تؤمن بها ايران اكثر من منافقي الدول الغربية الراعية للكيان الاسرائيلي، ولأن كل مجريات الحوار القائم الذي حتى ولو لم يؤد الى توافق كلي، هو خير دليل على مستوى التزام طهران بالمواثيق الدولية ومدى صدقيتها في المطالبة بحقوقها المشروعة التي يكفلها القانون الدولي، والذي يقع اليوم ضحية حكومات دول كبرى مأجورة ومرهونة لمصالحها الضيقة التي تصب جميعها لصالح الكيان الصهيوني المرتعب من فكرة ايران النووية القوة الاقليمية الواعدة .
يبقى في عين الحقيقة مشهد اصيل، يعبر بتعقل ودليل عن مستوى الازدواجية والنفاق الغربي التي تتحمله طهران تبعا لمسار دبلوماسي محتوم عليها السير وفقه، احتراما للقانون الدولي .
مسار مفاوضات تصدق طهران في الالتزام فيه رغم انحياز ونفاق الطرف الآخر، لتحرج اكثر فاكثر حكومات الكذب التي تشرف على ما تدعيه عملية الحد من انتشار السلاح النووي، السلاح الذي لا تحتاجه طهران اصلا لتصبح دولة اقليمية وازنة وعند حدودها يتوقف من يريد ان يخطو نحو الشرق الاوسط الجديد .
فايران لا ولم ولن تسعي الى الحصول على سلاح فتاك لم يحم الاتحاد السوفياتي يوما من التفكك، لأنها من دونه تخوض بنجاح عملية مقارعة مشروع الشرق الاوسط الجديد بحلة اسراامريكية غربية، لتصنع شرق اوسط جديد لكن بحلة ايرانية ومقاومة ممانعة، لم يشتهيها الغرب يوما لأنها تفضح مدى زيفه وكذبه وازدواجيته في الاعتراف بالحقوق ومقاربة القضايا العالمية .