الوقت- ساعات قليلة تفصلنا عن المؤتمر الدولي لدعم عملية السلام في الشرق الاوسط، والذي تستضيفه فرنسا لتهيئة الظروف من أجل استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
لا ندري مدى قدرة الجانب الفرنسي، الذي أجّل عقد المؤتمر الذي كان مقررا في 21 ديسمبر/كانون الأول الجاري إلى يوم غد "للاستعداد الجيد لعقد المؤتمر وإنجاحه"، على إيجاد حلول للصراع القائم في المؤتمر الذي سينعقد بمشاركة 70 دولة، إلا أننا لم نشاهد حتّى الساعة أي استعدادات من الجانب الإسرائيلي الذي يؤكد رفضه المسبق لنتائج هذا المؤتمر، وليس آخرها كلام نتنياهو الذي وصف مؤتمر باريس للسلام بـ'خدعة فلسطينية برعاية فرنسية'، رافضاً أن تلعب حكومته دور في المؤتمر الفرنسي.
في الشكل
في الشكل، يبدو المؤتمر الدولي، الذي يعدّ الأوسع نطاقا من المؤتمر الأول الذى عقد في 3 يونيو الماضي بالعاصمة الفرنسية، برّاقاً، خاصّة أنّه يأتي بعد تبنى مجلس الامن الدولى القرار (2334) الذى يدين عمليات الاستيطان الإسرائيلية ويؤكد أهمية حل الدولتين، وذلك للمرّة الأولى منذ العام 1979، وهو القرار الذي امتنعت في واشنطن عن التصويت بسبب الخلاف "القديم" بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما. وللمرّة الأولى تشارك أمريكا في المؤتمر بعد خطاب وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الذي حذر فيه من التهديد الذي تشكله المستوطنات على عملية السلام.
في الشكل أيضاً، تشارك أغلب الفعاليات الإقليمية والدولية في المؤتمر بدءاً من اللجنة الرباعية للسلام فى الشرق الأوسط (تضم أوروبا وروسيا وأمريكا والأمم المتحدة)، مروراً بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وبلدان مجموعة العشرين، وصولاً إلى الجامعة العربيّة ومنظمة التعاون الاسلامي والعديد من الجهات والمنظمات الفاعلة المهتمة بإحلال السلام.
ليس بعيداً عن الشكل، يأتي المؤتمر قبل أيام من تولّي الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب مهامه بالبيت الأبيض، والذي وعد بنقل السفارة إلى القدس، وفي حين أشاد نتنياهو بمشروع ترامب، حذّر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس من أن مشروع ترامب لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس من شأنه القضاء على عملية السلام وقد يدفع الفلسطينيين "للتراجع عن الاعتراف بدولة إسرائيل".
في الشكل أيضاً، يهدف المؤتمر إلى خلق بيئة مؤاتية لاستئناف المفاوضات الثنائية والمباشرة بين الطرفين بتقديم دعم ملموس لجهودهم من أجل السلام، وفق الخارجية الفرنسية التي أكّد وزيرها جان مارك آيرولت أن بلاده "مازالت مصممة على عقد مؤتمر في باريس للتأكيد مجددا على ضرورة حل الدولتين". كل هذا في الشكل، ولكن ماذا عن المضمون؟
في المضمون
وأمّا في المضمون، فالأمر يختلف كثيراً خاصّةً إذا ما علمنا عدم مشاركة أحد طرفي النزاع في هذا المؤتمر، أي الجانب الإسرائيلي الذي رفض الدعوة الفرنسيّة، ما دفع بالبعض لوضعه أي المؤتمر، في خانة المواجهة الفرنسية الأمريكية المرتقبة في الملف الفلسطيني عبر تشكيل جبهة جديدة تدعم توجّهات "رباعيّة السلام" أمام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وعد بنقل العاصمة الإسرائيلية من تل أبيب إلى القدس المحتلّة بعد أيّام من تنصيبه في العشرين من الشهر الجاري، وفق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
في المضمون أيضاً، يأتي المشروع بعد أيّام على إقرار وزير الحرب الإسرائيلي افيغدور ليبرمان لمشروع بناء جدار العزل حول قطاع غزة، أي ما يعني رفض الجانب الإسرائيلي لجوهر المبادرة الفرنسيّة القائمة على العودة لحدود العام 1967، فضلاً عن تأكيد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند على أن "مؤتمر السلام لن يكون بديلا عن المفاوضات المباشرة بين الجانب الفلسطيني والاسرائيلي".
كما في الشكل، وليس بعيداً عن المضمون، ينعقد المؤتمر بعد أيّام على العملية البطوليّة في القدس المحتلّة، والتي اتخذتها السلطات الإسرائيلية ذريعة للمضي في إجراءاتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني في الضفّة الغربيّة.
لا شكّ في أن المؤتمر، وبعيداً عن نتائجه التي لا نعوّل عليها، يمثل ضربة لسياسة حكومة نتنياهو الرامية إلى نسف إمكانية قيام دولة فلسطينية عبر عمليات الاستيطان و الضم و التهويد، فضلاً عن العزلة الإسرائيلية الذي ارتفع منسوبها في السنوات الأخيرة.
لا نعوّل على نتائج فعليه للمؤتمر، لأننا من أصحاب نظرية الكفاح المسلّح والشامل بناءً على تجربة المفاوضات الفاشلة منذ ولادتها، وندرك مسبقاً أن قرارته غير قادرة على إجبار الكيان الإسرائيلي على احترام القانون و القرارات الدولية، حتى تلك الظالمة منها بحقّ الشعب الفلسطيني، ولكن قد يصب في صالح الفلسطينيين لناحية ارتفاع منسوب العداء الغربي للكيان الإسرائيلي، رغم أنّه من المستبعد أن ترد الدول الأوروبية المشاركة بالاعتراف الفوري بدولة فلسطين كرد على الرفض الإسرائيلي، إلا أن هذا الخيار قد يكون مطروحاً في حال أقرّ ترامب مشروعه.
خلاصة المؤتمر قد تكون كالتالي، مطالبة الدول المشاركة رئيس الوزراء الاسرائيلي باتخاذ خطوات حقيقية من أجل الدفع بحل الدولتين على الأرض، ولكن تبقى هذه القرارت شكليّة في ظل التعنّت الإسرائيلي القائم، فمن لا يفقه إلاّ لغة السلاح، لن تنفعه المؤتمرات.