الوقت- إرهاب طفولي، تكفير إعلامي وشيطنة للملائكة، عبارات قصيرة في كلماتها، كبيرة في مفهومها، تلخّص حجم الكارثة التي يمرّ بها أطفالنا اليوم، تارةً بسبب الجماعات التكفيرية، وأخرى بسبب الإعلام الرخيص الذي جعلهم ضحيّة لمشروع سياسي.
كوارث لا يمكن أن تمرّ بسهولة، وتحتاج إلى الكثير من التوقف بعد جريمة التمثيل الإرهابي في مصر على أنّه في حلب. لم أكن لأصدق ما أسمع، بل ما أرى. فكيف لأم أن تقبّل بناتها اللتان لم تتجاوزا الحلم قبل الموت؟ وكيف لأبٍ أن يدفع بهن نحو الموت انتحارا، ثم يتباهى بعدها على أنها رسالة دينية وتقرب من ربّ السماء!
وَ إِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ
لوّثتم الأرض قبل السماء، زرعتم الفتنة والموت في كل مكان، تجاوز بغيكم المدى ليضرب أطناب الأعراب، ونسمع من جديد صدى الوحي القرآني: و إذا الموءُدة سألت بأي ذنب قتلت.
لم تتوقّف الكوارث عند هذا الحد، يقول أحدهم: هؤلاء (جحافل داعش وأخواتها) شذّاذ أفاق، ولكن ماذا عن تلطيخ الطفولة بالدماء لعيون مسلّحي حلب وعلى أراضي مصر؟، يحدّثني بعد أن يرتشف قهوته وهو يستذكر المئات من مشاهد الطفولة التي بكى عليها سابقاً، ويسأل: هل كل ذلك كان تمثيلاً؟
يضيف قائلاً: أنا ممن وقع في أفخاخ الطفولة المصطنعة، وشاهدت كيف سيطر وسم "حلب تباد" على تغريدات تويتر عالميًا، كيف لا، والضحيّة هم ملائكة البراءة الذين لا حول لهم ولا قوّة!
كثيرون هم من وقعوا في كمائن الإعلام الرخيص الذي يتّخذ من الغاية مبرّراً لكافّة وسائله بدءاً من تفخيخ الأطفال، وصولاً إلى تلطيخ براءتهم عبر تمثيلية كاذبة بدعوى تصويرها في مدينة حلب السورية.
اليوم، تستعد مدينة حلب لكتابة نصرها الاستراتيجي على الإرهاب بعد انتهاء عملية خروج الجماعات المسلحة، لكن المعركة ضد الإرهاب لم تنتهي بعد. فاليوم حلب، وغداً تدمر وبعدها إدلب والرقّة وكافّة المدن السوريّة. لا تقتصر المعركة على الميدان فحسب، فأسلحة الإعلام باتت أكثر تدميراً وفتكاً من تلك التي نشاهدها في الميدان حيث كشفت تجربة حلب والزخم الإعلامي، الذي سعى لإظهار الجماعات الإرهابيّة على هيئة ملائكة مقابل استخدام الأطفال في تجارة الدم الرخيص، كشفت حجم الدمار الثقافي الذي يتوكّأ على عصي أكاذيب الطفولة الجارحة.
إن تجربة حلب تستوجب مراجعة دقيقة لحجم التضليل الإعلامي الذي تنفّذه وسائل الإعلام تلبيةً لأجندات إقليمية ودوليّة، وهنا تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: إن براءة الطفولة تستوجب التعاطف من وسائل الإعلام كافّة سواءً في حلب أو الفوعة وكفريا أو اليمن وحتى الرقّة والموصل. لا أن نركّز على البعض دون آخرين، وهذا ما لمسناه في تجربة حلب الأخيرة، فأين هي عدالة الطفولة؟
ثانياً: إن طفرة الأكاذيب تستوجب علينا التدقيق في أي خبر يصدر عن أي جهة إعلاميّة، لاسيّما تلك التي ثبت تورّطها في أكاذيب سابقة، كاستخدام صور من الفيتنام، ونعي شهداء لحزب الله سقطوا في سوريا وهم استشهدوا ضد الكيان الإسرائيلي أو حتى نسب بعض مشاهد الموصل إلى حلب، وفي مقدّمة هذه القنوات الجزيرة.
ثالثاً: الإفلاس الميداني والإعلامي، دفع بهؤلاء للعمل على صناعة المجازر، بدل الاستفادة من صورها، وكشف الشبكة الأخيرة في مصر، ومن قبلها في الأردن خير دليل على سعي هؤلاء وبشتّى الوسائل لتحقيق أهدافهم السياسيّة وحتّى لو تطلّب الأمر تلطيخ الطفولة بدماء الكذب. في الحقيقة، إن إلقاء الأجهزة الأمنية المصرية القبض علی شبكة "إرهاب إعلامي" بتهمة القيام باستغلال طفلة في مشاهد تمثيلية كاذبة بدعوى تصويرها في مدينة حلب السورية، تؤكد حقيقة مشروع هؤلاء، فلو نجح هؤلاء في نشر صورهم الكاذبة، لشاهدنا ألاف رسائل التعاطف والعديد من الوسوم التي بُنيت على باطل، وربّما تصل هذه الصور إلى مجلس الأمن لإدانة سوريا رغم أن الأمر لا يعدو عن كونه تمثيل سمج!
رابعاً: في الأيام الأخيرة لمعركة حلب وصل النواح الإعلامي، الذي يهدف لحشد الجماهير، إلى مستوى غير مسبوق، ومن جملة الأكاذيب، التي ترافقت مع عشرات الوسوم والبرامج و.. تحت عنوان؛ "كلّنا حلب" و "حلب تباد" و "أنقذوا حلب"، الحديث عن أكثر من نصف مليون مواطن ومسلّح يتواجدون داخل أحياء حلب، إلا أن حقائق الأمس كشفت أن الرقم لا يتعدّى الـ100 ألف، أي أن التضخيم الإعلامي بلغ خمسة أضعاف دفعة واحدة.
خامساً: أتوجّه لكل المشاهدين، لأي جهة انتموا، أن يتوخّوا الدقّة في متابعة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي باعتبار أن هذا الأمر، أي الدقّة، بات أمراً متعذرا تحصيله من الإعلام الرخيص الذي يعمل لصالح أجندات سياسية بعيداً عن رسالته التي يتغنّى بها.
إن هذه الأفعال التي تسعى لشيطنة الملائكة وتفخيخ طفولتهم، تارةً بالمتفجرات وأخرى بالدماء، بغية إيجاد نصر هنا أو إخفاء آخر هناك، تدفعنا للتشكيك بكافّة الصور التي تأتينا دون إثبات أو دليل، وفي مقدّمتها ما طالعتنا به الجزيرة في العام 2011 حول مدارس درعا دون أي وثائق تذكر، بل عبر صور لا نعرف مكانها، ربّما مصر أو ليبيا أو موريتانياً أو ما وراء المحيط.
وهنا نسأل صوناً لأطفالنا: ماذا لو انتصر الإرهاب في حلب؟ ماذا لو صدّقنا أكاذيب الإعلام التي بتنا ننتظرها قبل أن تأتينا، ونتعامل معها على أنها حقائق دامغة؟ الجواب واضح، سنكون أمام العشرات من أمثال المجرم ابو نمر الذي فخّخ طفلته، والمئات من أفلام "الإرهاب الإعلامي" عبر الأطفال، ولكن، ماذا ينفع الندم حينها؟