الوقت- أطفالٌ بين الأنقاض ووالدٌ يبحث عن أبنائه وأمٌ لم تعرف للحياة مذاقاً مذ رأت جثة طفلها المحروق، طفلٌ يبحث عن قدمه التي قطعتها صواريخ الطائرات وآخر يسأل عن أخيه الذي اشتاق إليه ولا يدري أنه أصبح تحت التراب. ليست صوراً من الخيال وليست رواية تراجيدية نقص بعض أحداثها، إنها واقعٌ يعيشه أطفال اليمن اليوم وما زال في جعبة السعودي الكثير الكثير ليقدمه هديةً لهؤلاء الأطفال .
أكثر من 2571 شهيداً من المدنيين كان نصيب الطفولة منهم 381 طفلاً، كان قدرهم أن ينالوا مرتبة الشهادة على صغر سنهم وهشاشة عظامهم، 618 طفلاً وطفلة هم حصة الطفولة من تعداد الجرحى الكلي والذي ناهز 3897 جريحاً، 618 طفلاً وطفلة ذاقوا ألم شظايا صواريخ السعودية وأخواتها وخبروا معنى أن يفقد طفلٌ بعمر الزهور أحد أطرافه .
لم يكتف السعودي وحلفاؤه بهذا بل عمدوا إلى فرض حصار جائر على الشعب اليمني، حوَّل اليمن بمائه وهوائه وترابه إلى سجن كبير ضاق بأهله، فمنذ بدء العدوان السعودي الخليجي "الدمع المرتعد" أو ما يسمى بـعاصفة الحزم تفرض الطائرات والبوارج الحربية التابعة للسعودية وحلفائها حصاراً كاملاً على اليمن، هذا الحصار لم يستثن شيئاً، الأمر الذي تسبب بنقص حاد في المواد الطبية والغذائية والمشتقات النفطية، محطات توليد الطاقة الكهربائية تكاد تتوقف عن عملها لمشارفة وقودها على النفاذ مما يهدد بحرمان اليمن كاملاً من نعمة الكهرباء ويهدد بتوقف المشافي التي غصت بالشهداء والجرحى عن عملها .
المتابع لهذه الأحداث يلاحظ تشابهاً غريباً قد يصل إلى حد التطابق بين سيناريو العدوان السعودي على اليمن وسيناريو العدوان الإسرائيلي على لبنان وقطاع غزة، فالكيان الإسرائيلي غالباً ما كان يعمد إلى استهداف الأبرياء من الأطفال والنساء للتعويض عن فشله في قصم ظهر المقاومة، ومجازر الكيان الإسرائيلي في قانا الأولى وقانا الثانية ومروحين وحي الشجاعية لازالت حاضرة في وجدان الإنسانية وهي وصمة عار تلطخ سمعة هذا الكيان الذي لا يقيم للقانون والإنسانية وزناً .
وها هي السعودية تسير على خطى حليفها الإسرائيلي في حروبه حينما عمدت آلة حربها إلى استهداف الأبرياء من أبناء الشعب اليمني مخلفة فيهم آلاف الشهداء والجرحى غالبيتهم العظمى من المدنيين، السعودية ترتكب جرائمها هذه بعد عجزها عن استهداف حركة أنصار الله الإسلامية والجيش اليمني ووضع حد لتقدمهم على الأرض فما كان منها إلى أن عمدت إلى الانتقام من الأبرياء الآمنين في بيوتهم. السعودية والكيان الاسرائيلي كلاهما استهدف مقومات الحياة من مدارس، مستشفيات، محطات توليد الطاقة الكهربائية، جسور، ملاعب، مطارات وحتى مخيمات اللاجئين لم تسلم منهم حينما استهدف طيران السعودية مخيم المزرق للاجئين في شمال اليمن كما استهدف الكيان الاسرائيلي مخيم الشاطئ في غزة صيف عام 2014م .
لكم يذكرنا جوع الشعب اليمني اليوم وسوء حاله بجوع شعب غزة هاشم الصامدة وحصارها، ولكم تذكرنا صور جثث طيور الجنة المنتشلة من تحت الركام في مدن اليمن بصور أطفال غزة وجنوب لبنان، فالعقلية واحدة والغطرسة واحدة والتوحش واحد ولو اختلفت المسميات واختلفت اللغات .
الأمم المتحدة حذرت من كارثة إنسانية في اليمن جراء الحصار المفروض على اليمن فيما أكدت منظمة هيومن رايتس ووتش لحقوق الانسان أنها تمتلك أدلة على استخدام السعودية اسلحة محرمة دولياً في عدوانها ضد اليمن. هذه التطورات جاءت في وقت وافقت فيه محكمة الجنايات الدولية على النظر بفتح تحقيق في جرائم التحالف السعودي الخليجي على اليمن .
اليمن موطن العروبة والعرب يدفع اليوم ثمن حريته وأصالته، يدفع ثمن رفضه الاستكانة لغطرسة السعودية ودول مجلس التعاون، هذه الدول التي طالما نظرت إلى الشعب اليمني الأبي نظرة دونية، وها هو اليوم الشعب اليمني يُفضِّل ميتة الأعزاء ومصارع الكرام على حياة الأذلاء في ظل حكم اللئام، هو نفس خيار شعب فلسطين ولبنان وسوريا والعراق خيارٌ له من السمو والرفعة ما يستحق بذل الدماء لأجله، وكما كان النصر حليف المقاومة في لبنان وفلسطين على العدو الإسرائيلي فإنه سيكون حليف شعب اليمن المظلوم فالأرض أرض اليمنيين والدار دارهم وكلمة التاريخ هي واحدة مهما طال الزمن ستكون الهزيمة والعار نصيب الغزاة الطامعين .