الوقت- جاء تشكيل الحكومة اللبناينة بعد أقلّ من شهرين على تكليف الرئيس سعد الحريري بهذه المهمة. وهو الأمر الذي عكس أجواء التهدئة والتفاؤل التي سادت البلاد بعد التسوية المحلية التي أدّت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجهورية، مع الأخذ بعين الإعتبار أن الحكومات السابقة كانت تستلزم أشهراً طويلة حتى يتم تشكيلها. و هو ما يمكن اعتباره نقطة إيجابية للعهد الرئاسي الجديد. لكن هذه الحكومة أظهرت العديد من التغيُّرات على الساحة اللبنانية والتي ترتبط حتماً بالتغيُّر في التوازنات الإقليمية. خصوصاً لجهة وضوح فرض حزب الله وحلفائه لشروطهم. فيما عجز أي مكوِّن من مكونات ما يُسمى 14 آذار من فرض أي شرط. فما هي الخطوط الحمراء التي نجح حزب الله في فرضها؟ وكيف يمكن تحديد توزُّع الأطراف في حسابات الربح والخسارة على الساحة اللبنانية اليوم؟
خطوط حزب الله الحمراء: كيف فُرضت في التشكيلة الحكومية؟
لم تكن مسألة تشكيل الحكومة في لبنان بعيدة عن التوازنات الجديدة إقليمياً ودولياً. بل إن الرابح الأكبر في الحكومة، هو حزب الله الذي استطاع فرض خطوطه الحمراء على التشكيلة الحكومية. وهو الأمر الذي كان سبباً خلف دفع العديد من الخبراء والعارفين بالساحة اللبنانية وخلال فترة التأليف، لتوجيه نصيحة لمن يعنيهم الأمر في لبنان، بأخذ شروط حزب الله على مَحمل الجد، وعدم انتطار تبدُّل الظروف. حيث أن السقف المرتفع لحزب الله اليوم، سيرتفع أكثر بعد فترة، نتيجة انجازاته في الميدان السوري وما يعنيه ذلك على الصعيدين الإقليمي والدولي. وقد ذكَّرت هذه المصادر المعنيين بأن حزب الله نفسه، ظلَّ صامداً لمدة سنتين ونصف، مُصرَّاً على ترشيحه للعماد عون لمنصب الرئاسة، وهو ما حصل.
وهنا فإن من أبرز خطوط حزب الله الحمراء في التشكيل كانت:
أولاً: أن تكون الحكومة حكومة وحدة وطنية، تُمثل القدر الأكبر من الأفرقاء اللبنانيين سياسياً وطائفياً. وهو ما حصل مع الأخذ بعين الإعتبار بقاء حزب الكتائب خارج الحكومة بعد انتهاجه خيار المعارضة.
ثانياً: بقي شرط عدم إسناد حزب القوات اللبنانية أي حقيبة سيادية نافذاً حتى تاريخ إعلان التشكيلة الحكومية، وهو ما حصل.
ثالثاً: بقيت الوزارات السيادية مع حلفاء حزب الله وتحديداً وزارات الدفاع والخارجية والعدل والمالية.
بلغة 8 و 14 آذار: بعض الكلام عن الربح والخسارة
خرجت التركيبة الحكومية لتكون من ثلاثين مقعداً. حيث يمكن القول أن قوى 8 آذار حصلت على 17 مقعداً، بينما حصلت قوى 14 آذار على 13 مقعداً. هذا في حال استخدمنا لغة 8 و 14، والتي يتحدث البعض عن نهايتها، نتيجة تبدُّل التوازنات. وهنا نُشير لبعض التفاصيل، بناءاً للغة التوازنات الجديدة:
الفريق الأول: رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون والذي رفض منذ البداية القبول بعدم نيل موقع الرئاسة حصة وزارية. وهو الأمر الذي برَّره الرئيس بوجود عُرفٍ سياسيٍ لبناني مورس في العهود السابقة. ونجح الرئيس عون في فرض شروطه ليحصل مع التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق على 9 وزراء في الحكومة الجديدة.
الفريق الثاني: وهو تحالف حزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الإجتماعي وتيار المردة والنائب طلال أرسلان حيث حصلوا على 8 وزراء في الحكومة. فيما احتفظت حركة أمل بوزارة المالية، وحصل تيار المردة على حقيبة وزارية وازنة وهي وزارة الأشغال. وبالتالي يكون كل من حركة أمل وتيار المردة، حصلوا على ما يريدون.
الفريق الثالث: هو تيار المستقبل الذي يقوده الرئيس سعد الحريري والذي حصل على 7 وزراء، فيما ظهرت الخلافات بين رموز التيار واضحة، دون تحقيقه أي نتائج كبيرة في التوزير سوى استحواذه على رئاسة المجلس.
الفريق الرابع: وهو مكوَّن من الحزب التقدمي الإشتراكي و حزب القوات اللبنانية بالإضافة الى الوزير ميشال فرعون وحصلوا على 6 وزراء. فيما فشلت القوات بتحقيق أيٍ من شروطها فيما يخص التوزير.
ولأن حزب الله يُعتبر جزءاً من الفريق الثاني لكنه ما يزال الحليف الأساسي للفريق الأول، يُعتبر الحزب الرابح الأكبر في التشكيلة الجديدة. مع الإشارة الى أن الفريقين الأول والثاني، هم حلفاء عموماً على الرغم من اختلاف حركة أمل وتيار المردة مع كل من حزب الله والتيار العوني فيما خصَّ رئاسة الجمهورية. فيما يمكن لِحاظ أن الفريقين الثالث والرابع والذين يُحسبون على ما كان يُسمى 14 آذار، لم يستطيعوا تحصيل الثُلث المُعطل من الحكومة.
فيما يخص الأسباب الحقيقية المحلية خلف تراجع قوة 14 آذار فهي:
أولاً: جموح القوات اللبنانية للسلطة ولو على حساب التحالف مع تيار المستقبل. وهو ما بدأ منذ حصول الإتفاق الذي جمع كل من القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر. فيما لم يستطع حزب القوات فرض أي شروط في التأليف ورضي بالنتائج من باب سعيه للمشاركة بأي دور سياسي.
ثانياً: التخبُّط الذي يعيشه تيار المستقبل، والمشاكل الداخلية التي يعانيها. حيث بدا واضحاً وجود مشكلات عديدة بين أطراف أساسية، كالإختلاف الدائم بين الرئيسين سعد الحريري والرئيس فؤاد السنيورة. والعلاقة المتوترة بين الأول والوزير السابق أشرف ريفي. بالإضافة الى الأزمات المالية التي يعيشه التنظيم.
ثالثاً: تراجع دور النائب وليد جنبلاط والذي بات بعيداً عن الأضواء السياسية وهو ما بدا واضحاً خلال الفترة الماضية. مع الإعتراف ببقائه كطرف وازن على الساحة الدرزية.
هذه الأسباب الأساسية أدت بشكل كبير الى فشل هذه القوى في إدارة مصالحها السياسية داخلياً.
ما هي مهمة الحكومة الأساسية؟
إن المهمة الأساسية للحكومة الحالية هي إعداد قانون جديد للإنتخابات النيابية. فعمر الحكومة المفترض هو ستة أشهر. فيما يبدو أن التوازنات الجديدة، قد تجمع بعض الأفرقاء فيما يخص قانون الإنتخاب. حيث سيسعى كل طرف داخل كل فريق لتحقيق إعداد قانون إنتخابي يتناسب مع حجمه والنتائج المرتقبة. حيث يمكن أن يجتمع تيار المستقبل والحزب القومي الإشتراكي وتيار المردة والقوات اللبنانية لدعم قانون الأكثرية. فيما سيحاول التيار الوطني الحر وحزب الطاشناق وحزب الله وحركة أمل والحزب السوري القومي الإجتماعي والنائب طلال أرسلان دعم قانون النسبية.
إذن تشكَّلت الحكومة في لبنان، لتكون النجاح الأول للعهد الرئاسي الجديد بعد نجاح انتخاب الرئيس. في حين بات واضحاً أن حزب الله، هو عرَّاب السياسة المحلية اللبنانية. ليس من باب كثرة المطالب، بل من باب نجاحه في فرض التوازنات التي تعكس تمدد قوته نحو الإقليم. لنقول أن تشكيلة الحكومة اللبناينة ليست سوى تركيبة تعكس حجم التوازنات الجديدة الإقليمية محلياً.