الوقت - تتواصل أعمال الاضطهاد الحكومي التي يرتكبها الجيش بحق أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار (بورما)، فيما أعلنت منظمة "هيومان رايتس ووتش" أمس الإثنين 22 نوفمبر/تشرين الثاني ارتفاع عدد المنازل التي دمرت في قرى مسلمة في ولاية أراكان غرب ميانمار منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 1200 منزل.
وكشفت صور التقطت بالأقمار الاصطناعية بين 10 و18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري نشرتها المنظمة المدافعة عن حقوق الإنسان، أنه منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تم تدمير أكثر من 820 منزلاً في خمس قرى مسلمة في ولاية أراكان التي يطوقها الجيش منذ أسابيع. وأوضحت المنظمة أن إجمالي عدد المنازل التي دمرت خلال الأسابيع الأخيرة بلغ 1200 منزلاً.
ومن جهة ثانية، قال موظفو إغاثة إن المئات من مسلمي الروهينغا عبروا الحدود إلى بنغلادش خلال الأيام الثلاثة الماضية بحثاً عن مأوى من العنف المتزايد في شمال غربي البلاد الذي أودى بحياة 86 شخصاً على الأقل وتسبب في نزوح حوالى 30 ألف شخص بحسب ما ذكرت الأمم المتحدة.
وكانت الحملة الراهنة من الجيش قد بدأت كرد على مقتل تسعة من أفراد الشرطة على يد مسلحين في التاسع من الشهر الماضي بولاية أراكان، ولم تُعرف هوية المهاجمين، لكن الأنباء رددت افتراضات شملت جهات تراوحت بين عصابات المخدرات والإسلاميين المسلحين، ومنذ ذلك اليوم قُتل أكثر من مئة من الروهينغا معظمهم مدنيون.
وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز اليوم الثلاثاء تقريراً عن الاضطهاد المتجدد الذي يقوم به جيش ميانمار بحق أقلية الروهينغا المسلمة في البلاد، وأوردت فيها تفاصيل الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان، وأعربت عن خيبة الأمل في رئيسة البلاد الحائزة على جائزة نوبل للسلام "أونغ سان سو تشي".
وقالت الصحيفة إن ميانمار ظلت سنوات طويلة تضطهد الروهينغا وتحرمهم من حقوق أساسية، مثل المواطنة والزواج وحرية العبادة والتعليم، قائلة إنه وبعد العنف الذي انطلق من المتطرفين البوذيين عام 2012 وطُرد خلاله عشرات الآلاف من الروهينغا من منازلهم اضطر كثيرون منهم للهروب في قوارب المهربين مخاطرين بحياتهم، وظل أكثر من مئة ألف آخرين يعيشون في معسكرات اعتقال مزرية.
ويُتهم الجيش البورمي بارتكاب انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان ضد الأقلية المسلمة من قتل للمدنيين واغتصاب للنساء، وكانت منظمات حقوقية قد طالبت الأسبوع الماضي حكومة ميانمار بالسماح الفوري للمراقبين المستقلين بالتحقيق في هذه الانتهاكات، وقالت منظمة هيومن رايتس واتش في بيان لها إن على السلطات والجيش في ميانمار أن يمنحوا الحرية للمراقبين في ولاية أراكان غربي البلاد، "دون قيد أو شرط"، وجددت دعوتها سلطات ميانمار لفتح تحقيق مستقل في ادعاءات تتعلق "باغتصاب الجنود نساء مسلمات في أراكان ثم قتلهن".
تواطؤ حكومي وتهجير ممنهج
وفقاً لمصادر فإن للاستخبارات العسكرية في ميانمار يد في إثارة المشاكل بين المسلمين والبوذيين، وبث خطاب الكراهية بهدف تعزيز أعمال العنف ضد المسلمين وإجبارهم على الهجرة. حيث لا تكاد السلطات تترك فرصة تمرّ دون أن تستغلها للتنكيل بالمسلمين، ففي مايو/أيار 2012 نُكل بالمسلمين بعد اتهامهم بالوقوف وراء حادثة اغتصاب وقتل امرأة بوذية، حيث اعتقلت الشرطة ثلاثة منهم، وتبع ذلك مطاردات وهجمات أسفرت عن مقتل العشرات من المسلمين في موجة العنف التي اندلعت بعد الحادث، وحسب ما ذكرت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش وقتها، فإن قوات الأمن في ميانمار نفذت اعتقالات جماعية بحق المسلمين ودمرت آلاف المنازل.
أزمة متأصلة
وتعود أزمة الروهينغا في ميانمار منذ أن استوطنوا شمالي إقليم أراكان (راخين) في عهد الاستعمار البريطاني الذي قام بتحريض البوذيين وأمدهم بالسلاح حتى أوقعوا بالمسلمين مذبحةً عام 1942 ففتكوا خلالها بالآلاف.
وبعد أن نالت ميانمار استقلالها عن بريطانيا عام 1948، تعرض الروهينغا لأبشع أنواع القمع والتعذيب، وتواصل هذا الجحيم بموجب قانون الجنسية الصادر عام 1982، الذي انتهك المبادئ المتعارف عليها دولياً بنصه على تجريد الروهينغا ظلماً من حقوقهم في المواطنة.
وترتب على هذا القانون حرمان مسلمي الروهينغا من تملك العقارات وممارسة أعمال التجارة وتقلد الوظائف في الجيش والهيئات الحكومية، كما حرمهم من حق التصويت في الانتخابات البرلمانية، وتأسيس المنظمات وممارسة الأنشطة السياسية.
وفرضت الحكومات المتعاقبة في ميانمار ضرائب باهظة على المسلمين، ومنعتهم من مواصلة التعليم العالي، إضافة إلى تكبيلهم بقيود تحد من تنقلهم وسفرهم وحتى زواجهم، كما أشارت تقارير إلى أن السلطات قامت عام 1988 بإنشاء ما يسمى "القرى النموذجية" في شمالي راخين، حتى يتسنّى تشجيع أُسَر البوذيين على الاستيطان في هذه المناطق بدلا من المسلمين.