الوقت- تشير المعايير التي يعتمدها الخبراء الإستراتيجيين إلى أنّ أمريكا مقبلة على الانهيار، ممّا يمهد لبروز قوى أخرى في العالم، وهذه المعايير تستند إلى مؤشرات واقعية تؤكد أنه ليس من الضروري أن يعني إنهيار أمريكا اختفاؤها من على خريطة العالم أو تفككها جغرافياً أو حتى تحوّلها إلى دولة فقيرة، بل يعني أن تنفلت خيوط اللعبة السياسية الدولية من بين أيديها، أو أن تتحول من المهيمن الأول إلى مجرد طرف فاعل مثلها مثل دول أخرى.
في هذا المقال سنورد جملة من أقوال المفكرين والخبراء بهذا الشأن:
"جون ايكنبري" أستاذ العلاقات الدولية في جامعة "برينستون" الأمريكية
يؤكد جون ايكنبري (John Ikenberry) في مقال نشرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية تحت عنوان "مستقبل النظام العالمي الليبرالي" إن أمريكا في طريقها إلى الانهيار، وأن نظام القطب الواحد الذي يحكم العالم سوف يزول عما قريب، نتيجة ظهور قوى عالمية أخرى كالصين التي تملك أكبر اقتصاد في العالم.
ويضيف ايكنبري إن النظام الدولي المعاصر ليس في جوهره أمريكي أو غربي الصبغة، حتى وإن بدا كذلك لظروف تاريخية. فهو نظام تراتبي ارتكز على القوة الأمريكية، لكنه ذو صفات ليبرالية. وبينما تتجه الهيمنة الأمريكية إلى التراجع، فإن الأبعاد التراتبية لهذا النظام تتداعى، في حين تستمر أبعاده الليبرالية.
"جدعون راشمان" المحلل السياسي المشهور في العديد من المجلات الأمريكية
يؤكد جدعون راشمان (Gideon Rachman) إن أمريكا ينبغي أن تفكر بجدية في موضوع إنهيارها، مشيراً إلى أن سلطة واشنطن على العالم لن تتكرر بعد تفكك الاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الماضي.
ويضيف جدعون أن أمريكا ومنذ عام 1991 وحتى عام 2008 كانت تعاني من أزمة اقتصادية حادة، وهذا الأمر شكل في الحقيقة بداية لانحسار هيمنتها على العالم بشكل واضح نتيجة المعضلات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة والكثيرة التي نجمت عن تلك الأزمة، ومن المرجح أنها لن تتمكن ثانية من إستعادة هذه الهيمنة مهما حاولت.
ونوّه هذا المحلل السياسي الأمريكي إلى أن القدرة الاقتصادية والعسكرية التي تتمتع بها الصين باتت تشكل تحدياً حقيقياً لقدرة أمريكا وسعيها للهيمنة على مقدرات العالم على المدى البعيد، مشيراً إلى أن التنافس يدور اليوم بين أمريكا والعديد من الدول الناهضة وفي مقدمتها الصين والبرازيل وتركيا والهند وإيران في شتى المجالات، وهذه الدول الناهضة تنتهج سياسات متباينة من شأنها أن تغير من موازين القوى في العالم وتؤدي بالنتيجة إلى إضعاف أمريكا وتحد بالتالي من هيمنتها على النظام الدولي في الميادين المختلفة.
"ميشيل كوكس" أستاذ العلاقات الدولية والمحلل السياسي في صحيفة "الغارديان" البريطانية
يشدد ميشيل كوكس (Michael Cox) على أن العالم ومنذ مطلع القرن الحادي والعشرين يشهد حقيقة جديدة أطلق عليها اسم "تغيير القوى" وهي تؤكد أن أمريكا والدول الغربية بشكل عام في حال إنهيار متواصل، وإن نظاماً عالمياً جديداً بدأ يتبلور وينهض في مقابل ذلك، ويتشكل هذا النظام من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا والذي بات يعرف إختصاراً باسم بريكس (BRICS).
المفكر الأمريكي "نعوم تشومسكي"
يؤكد نعوم تشومسكي (Noam Chomsky) أن إمبراطورية أمريكا في طريقها إلى الزوال، ويعتقد إن هيمنتها الإمبريالية قد تغيرت بشكل ملحوظ ولم تعد تتمكن من فرض سيطرتها في هذا المجال على الصعيدين الداخلي والخارجي.
الصحفي الأمريكي "فريد زكريا"
يعتقد فرید رفیق زکریا (Fareed Rafiq Zakaria) بأن العالم يسير نحو التحرر من الهيمنة الأمريكية، إلى درجة أن واشنطن لم تعد تتمكن من فرض سيطرتها على الكثير من الدول في مختلف المجالات الاقتصادية والجيوسياسية والثقافية.
ويشدد زكريا على أن قوىً جديدة مستقلة بدأت تلوح في الأفق من شأنها أن تحد من هيمنة أمريكا على المستوى الدولي إلى الدرجة التي يمكن معها القول بأن هذه الهيمنة أخذت تفقد بريقها وتأثيرها في مناطق مختلفة من العالم، مشيراً إلى أن ميزان القوى في العالم بدأ يتغير ويبتعد عن سلطة أمريكا لصالح دول أخرى، واصفاً هذا التغيير بأنه بمثابة الذهاب إلى "عالم ما بعد أمريكا".
معهد "بروکینغز " الأمريكي
تشير تقارير معهد "بروکینغز" الأمريكي إلى أن الكثير من المراقبين السياسيين والاقتصاديين يعتقدون بأن أمريكا سائرة نحو الانهيار منذ الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم في عام 2008. وقد طرحت هذه المسألة على بساط البحث في الصين ودول أخرى كثيرة، وأن الكثير من المواطنين الأمريكيين باتوا يعتقدون بأن سقوط هيمنة بلادهم أمر حتمي، وسيشهد المجتمع الدولي قريباً "عالم ما بعد أمريكا".
جامعة "هارفارد" الأمريكية
تؤكد تقارير جامعة "هارفارد" الأمريكية أن النظام السياسي الأمريكي قد ثبت فشله، كما إن الاقتصاد الأمريكي يعاني من الانهيار وانتهى عصر إزدهار الاقتصاد الأمريكي منذ نحو عشرين عاماً، وبات حلم الهيمنة الأمريكي في مهب الريح، وفقد الأمريكيون ثقتهم بزعمائهم السياسيين، وبدأت الأقطاب السياسية الحاكمة في البلد تهيمن على مقدرات المجتمع، ووصل الأمر إلى حد اليأس من إمكانية إصلاح هذا الوضع، وانعدمت الثقة بشكل كبير بقدرة الحزبين الجمهوري والديمقراطي على فعل شيء إزاء خيبة الأمل هذه.
"جوزيف ناي" أستاذ العلوم السياسية في جامعة "هارفارد" وصاحب نظرية "الحرب الناعمة"
يؤكد جوزيف ناي (Joseph Nye) أستاذ العلوم السياسية في جامعة "هارفارد" وصاحب نظرية "الحرب الناعمة" على أن مستقبل أمريكا يواجه تحديات حقيقية، ويعتقد كذلك أن عام 2008 الذي شهد أزمة اقتصادية عالمية كان يمثل في الحقيقة بداية سقوط هيبة وقدرة أمريكا في العالم. وتوقع "جوزيف ناي" أن أمريكا ستبقى كقوة معترف بها حتى عام 2025، لكنها ستفقد سيطرتها وهيمنتها على العالم.
وقارن هذا المحلل السياسي قوة أمريكا الحالية بقوة بريطانيا في القرن الماضي، متوقعاً سقوط هيمنتها وأفول نجمها بصورة نسبية وتدريجية وليس بشكل مطلق وسريع.
الأستاذ والمؤرخ الأمريكي "الفريد ماك كوي"
يعتقد الأستاذ والمؤرخ الأمريكي الفريد ماك كوي (Alfred McCoy) أن موت أمريكا كقوة عظمى يمكن أن يكون أسرع بكثير مما يحتمل تصوره، وهذا الأمر قد يحصل بشكل تام على الأرجح في عام 2025 خصوصاً وإن ميزان القوى الاقتصادية بدأ يميل لصالح الشرق، مشيراً إلى أنه في عام 2012 كان أكثر من 65 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون بأن قوة بلادهم في طريقها إلى الاضمحلال. ويعتقد "ماك كوي" بأن السبب الذي سيقف وراء هذا الانهيار يعود بالدرجة الأولى إلى إعتماد النهج العسكري في إدارة شؤون العالم.
الأستاذ والمحلل السياسي الأمريكي "وليام نورمان غریج"
يعتقد الأستاذ والمحلل السياسي الأمريكي "وليام نورمان غریج" بأن إنهيار أمريكا قد حصل بالفعل، والدليل على ذلك هو إنتشار الفقر والجريمة والأمية والمرض وغيرها من الآفات في دول العالم الثالث بسبب سياسات أمريكا تجاه هذه الدول.
ويرجع "نورمان غریج" جذور سقوط أمريكا إلى تفاقم النزاعات وانتشار العنف في العالم بسبب ما وصفه بـ "نمو الثروات دون عمل، والتلذذ بلا ضمير، والمعرفة دون هوية، والتجارة دون أخلاق، والعلم بلا إنسانية، والعبادة دون تضحية، والسياسة بلا مبادئ".
"ستيفن كوهين" المحلل السياسي الأمريكي المعروف في الشؤون الدولية
يؤكد ستيفن كوهين (Stephen Cohen) بأن أمريكا ستفقد قدرتها ونفوذها في العالم، معرباً عن إعتقاده بأن هذا الأمر هو في طور التحقق دون رجعة، مضيفاً أن معايير ومستويات المعيشة الأمريكية قد إنخفضت بالمقارنة مع الدول المتقدمة والنامية. مشيراً في الوقت ذاته إلى أن أمريكا كانت في السابق دولة غنية وذات سلطة ونفوذ، لكنها بدأت تتغير وتضمحل قوتها وقدرتها، ويبدو أن حلم الليبرالية الأمريكية قد إنتهى.