الوقت - في سياق مرحلة من الإستقرار والطمأنينة التي يشهدها الوضع اللبناني، بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وتكليف الأخير لرئيس كتلة المستقبل النيابيّة سعد الحريري بتشكيل حكومة وحدة وطنية، خرج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في تصريح مثير للجدل، أعادنا إلى "زهرة" حديقته في معراب، قال فيه "إنّ وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف قد صرّح بأن أزمة الرئاسة لا تنتهي إلا بوفاة العماد عون".
تصريحات جعجع
لم يكتف جعجع بهذا الشقّ، بل هاجم حزب الله والجمهورية الإسلاميّة قائلاً: إنّ ما حصل في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية "مخزٍ"، مؤكداً أن الرئيس صنع في لبنان ونافياً القول بأنه صنع في الضاحية أي في إيران.
وأعلن رئيس حزب "القوات" أنه ضدّ ما يسمّى بحكومات الوحدة الوطنية، معتبراً أنه "يجب أن يكون لدينا حال انسجام في البلد وإلاّ لن يسير أي شيء في طريقة صحيحة".
إلى ذلك، تمنى جعجع أن "نأخذ وزارة المال في الحكومة المقبلة لأن "القوات حرمت منذ 26 عاماً حتى اليوم ومشهود لها بنظافة كفها وهي جاهزة من أجل مسؤوليّة كهذه"، ومشيراً أنه لم يتناول الموضوع مع الرئيس ميشال عون.
ردّ السفارة الإيرانية
لم يرق كلام جعجع الذي جاء خلال مشاركته في برنامج "بموضوعية" للسفارة الإيرانيّة في بيروت، حيث أصدر المكتب الإعلامي بياناً جاء فيه: "رداً على ما ورد على لسان رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في مقابلة أجراها على قناة "أم تي في" بتاريخ 2/11/2016، وتوضيحاً للرأي العام، يهم المكتب الإعلامي في سفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في لبنان التأكيد على ما يلي:
إن المزاعم التي أدلى بها جعجع نقلا عن لسان وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، مجافية للحقيقة بشكل قاطع ولا أساس لها من الصحة.
إن ما ذكره جعجع من افتراءات يأتي في سياق نهج دأب عليه، وخلال هذه المرحلة التي يشهد فيها لبنان أجواء من الإستقرار والطمأنينة، من غير المعلوم الأهداف التي تنطوي عليها مثل هذه التصريحات المضللة."
التوقيت والدلالات
بعيداً عن الفعل وردّ الفعل، يأتي كلام جعجع في وقت كان فيه الرئيس الإيراني حسن روحاني أوّل المهنِّئين للرئيس عون بوصوله إلى قصر بعبدا، لكن الأبرز في مواقف جعجع خلال الفترة الماضيّة اتكائه على أحداث وتصريحات يكون فيها الشاهد والحكم، بدءاً من زهرة في حديقة معراب الخلفية أنقذت جعجع من رصاصة قنص مفترض، وصولاً إلى زهرة أخرى عنوانها وزير الخارجيّة الإيراني محمد جواد ظريف، يستعين بها رئيس الهيئة التنفيذية للقوات علّها تنقذه من قنّاص آخر في عالمه الإفتراضي.
بدا لافتاً من مقابلة جعجع محاولته الثأر من حزب الله سواءً عبر اتهامه ظريف، أو عبر التصويب على حزب الله بشكل مباشر. هذا الثأر يأتي بعد عشرات الإطلالات الإعلاميّة السابقة لجعجع والتي كان يؤكد فيها أن "حزب الله لا يريد عون رئيساً، بل إنه يناور لإطالة أمد الفراغ في لبنان"، من دون ذكر أسباب مقنعة لاتهامه للحزب بتفضيل الفراغ على وصول حليفه الى سدّة الرئاسة، تماماً كما فعل مع ظريف، وقبلها مع زهرته في حديقة معراب.
لم يكتف جعجع باللعب على وتر عون-حزب الله، بل حاول الإيقاع بين حزب الله وحركة أمل، بالقول إن على السيد حسن نصرالله الضغط على الرئيس نبيه بري لإجباره على المضي بخيار عون.
في الواقع، بدا جعجع خلال مقابلته الأخيرة ضعيفاً، يسعى لحصد خسائره السياسيّة، التي يتحمّل حزب الله جزءاً منها، بسبب إلتزامه منذ اليوم الأول حتى وصول "الجنرال" إلى بعبدا، بالعماد عون، بخلاف جعجع الذي طرح نفسه ابتداءً محاولاً التقرّب من حزب الله إلا أنّه تلقّى ضربة موجعة من حليفه سعد الحريري دفعته لدعم عون، بهدف مناكفة الحريري حين تبنّى ترشيح النائب سليمان فرنجية، والتي عدل عنها الحريري لاحقاً.
بعيداً عن حسابات الربح والخسارة، يحمل كلام جعجع جملة من الدلالات أبرزها:
أولاً: اعتدنا بعد زهرة معراب أن ينسج رئيس الهيئة التنفيذية للقوات قصصاً وحكايات من بنات أفكاره ونسج خياله، وزهرة "ظريف" تأتي في هذا السياق.
ثانياً: أعلن جعجع صراحةً أنّه ضدّ ما يسمّى بحكومات الوحدة الوطنية، الأمر الذي يؤكد السياسة الإلغائية لسمير جعجع، بدءاً من حرب الإلغاء بين عون وجعجع، ووصولاً إلى حكومة الإلغاء التي يريدها "الحكيم" اليوم.
ثالثاً: المضحك المبكي في كلام جعجع أنه تحدّث عن نظافة الكف في إطار مطالبته بوزارة المال. ولعلّه تناسى أنّه خرج بعفو رئاسي غير مستحقّ بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق عائلة فرنجية وكرامي وغيرهم، فضلاً عن الدبلوماسييّن الإيرانيين الأربعة الذين اختطفوا على حاجز للقوات اللبنانيّة إبّان الحرب الأهلية، ولا يزال مصيرهم مجهولاً حتّى الساعة.
في الخلاصة، إن جعجع الذي قال الشهر الماضي "ان كل ما قامت به السعودية في المنطقة كان رد فعل لحماية امنها القومي"، هو نفسه اليوم ولكن بصيغة التهاجم على ايران. ويبدو أن القوات تقامر اليوم سياسيّاً بغية الحصول على مكاسب مالية وحكوميّة من الرياض في زمن الشحّ اللبناني، وهذا ما يفسر مطالبته بوزارة المالية أيضاً.