الوقت - في أعقاب الضربة الصاروخية الموفقة التي وجهتها إيران إلى عمق الكيان الصهيوني ضمن عملية "الوعد الصادق 2"، أطلق الصهاينة تصريحات متعجرفة بالرد على الهجوم الإيراني، بل ذهبت بعض المصادر العبرية إلى حد الادعاء بأنهم سيوسّعون نطاق استهدافهم، ليشمل أهدافًا تتخطى حدود إيران في شتى أرجاء الشرق الأوسط.
غير أن السؤال الجوهري هو هل يمتلك الصهاينة حقًا هامشًا للمناورة، يتيح لهم الرد على الهجوم الصاروخي الإيراني؟ وهل بمقدورهم فعليًا استهداف البنى التحتية الإيرانية كما زعمت مصادرهم؟
ما هي طبيعة البنى التحتية؟
فيما يخصّ استهداف البنى التحتية الإيرانية، أشارت المصادر الناطقة بالعبرية إلى ثلاث فئات رئيسية من الأهداف: المنشآت النفطية، والبنية التحتية لمحطات توليد الطاقة، وأخيرًا المنشآت النووية.
بيد أن الكيان الصهيوني يبدو محاصرًا بقيود جمة، تعوق قدرته على استهداف أي من هذه المنشآت الحيوية.
عقبات استهداف منشآت توليد الطاقة:
يشكّل التوزيع الجغرافي الواسع والتعدد الكبير لمنشآت توليد الطاقة الإيرانية، عائقًا رئيسيًا أمام الكيان الصهيوني في محاولاته لمهاجمة هذه المرافق الحيوية.
تمتلك إيران شبكةً ضخمةً من محطات الدورة المركبة والطاقة الكهرومائية، فضلاً عن مساحتها الشاسعة، وفي ظل هذه المعطيات، يغدو اختراق المقاتلات الصهيونية للعمق الإيراني واستهداف هذه المحطات، مهمةً بالغة الصعوبة والخطورة، إذ قد تفضي إلى تحطم هذه المقاتلات في قلب الأراضي الإيرانية، وعليه، فإن محاولة استهداف محطات الطاقة بغية تقويض إمدادات الكهرباء في إيران، تبدو مغامرةً محفوفةً بالمخاطر بالنسبة للصهاينة، وليست بالمهمة اليسيرة كما قد يتوهمون.
القيود المفروضة على استهداف المنشآت النفطية:
تتصدر مخاوف حلفاء تل أبيب الغربيين من اضطراب أسواق النفط العالمية، قائمة العوائق الرئيسية أمام أي هجوم محتمل على المنشآت النفطية الإيرانية، فالهواجس تتنامى في الأوساط الغربية من تداعيات ارتفاع أسعار النفط، جراء أي عمل عدائي يستهدف هذه المنشآت الحيوية.
وفي هذا السياق، أدلى الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، الحليف الأقرب للکيان الإسرائيلي، بتصريح لافت مفاده: "لو كنت في موقع صناعة القرار الإسرائيلي، لتوجهت نحو بدائل استراتيجية أخرى بعيداً عن استهداف المنشآت النفطية الإيرانية".
ومن زاوية أخرى، فإن الانتشار الجغرافي الواسع للمنشآت النفطية والغازية الإيرانية، على غرار تعدد محطات الطاقة، يجعل من عملية استهدافها تحدياً لوجستياً هائلاً، كما أن التوزيع الاستراتيجي للمجمعات النفطية والمصافي الإيرانية، يتجاوز بكثير القدرات العملياتية للمقاتلات الصهيونية.
العقبات المحيطة باستهداف المنشآت النووية الإيرانية:
يمثّل استهداف المنشآت النووية الإيرانية، معضلةً استراتيجيةً كبرى للكيان الصهيوني، فهذه المنشآت محصنة بمنظومات دفاعية تحت أرضية فائقة التعقيد، ما يجعل أي محاولة لقصفها عديمة الجدوى من الناحية العملية.
علاوةً على ذلك، فإن المعرفة النووية الإيرانية تمثّل رصيداً علمياً وطنياً راسخاً، يمتلك ناصيته مئات العلماء الإيرانيين، ولن يتأثر بمجرد استهداف المنشآت المادية، فهذا العلم، بوصفه منظومةً معرفيةً محليةً متطورةً نابعةً من عمق البيئة الأكاديمية والعلمية الإيرانية، يستعصي على الاجتثاث أو الإزالة.
وفي سياق متصل، يبدي الحلفاء الأمريكيون والغربيون لـ "إسرائيل"، معارضةً شديدةً لأي عمل عدائي يستهدف المنشآت النووية الإيرانية، إدراكاً منهم أن أي اعتداء على هذه المنشآت، سيمنح طهران ذريعةً مشروعةً لتصعيد قدراتها الردعية النووية إلى مستويات غير مسبوقة، وفي الحقيقة، تتملك الدوائر الغربية هواجس من أن تكون الخطوة التالية لإيران، في حال تعرض منشآتها النووية للاستهداف، هي الارتقاء بمنظومتها الردعية النووية إلى آفاق أكثر تطوراً وفعاليةً.
وأخيراً، تشكّل مسألة المسافات الشاسعة وتعقيدات تنفيذ أي هجوم جوي على المنشآت النووية الإيرانية، تحدياً لوجستياً وعملياتياً هائلاً للكيان الصهيوني، فمثل هذا العمل يتطلب عمليات تزوُّد بالوقود متعددة ومعقدة، لأسراب من المقاتلات فوق الأجواء السيادية للدول المحيطة (كالأردن والعراق وسوريا والمملكة العربية السعودية أو تركيا)، وبطبيعة الحال، ستعتبر إيران أي استغلال للمجال الجوي لدول ثالثة لشن هجوم على أراضيها، بمثابة مشاركة مباشرة في العدوان، ما يمنحها الشرعية الكاملة لاتخاذ إجراءات انتقامية حاسمة.
الرد بعد الرد
لا تقتصر العوامل المكبِّلة للكيان الصهيوني على ترددها في الرد على إيران فحسب، بل إن هاجسها الأكبر يكمن في تداعيات ما بعد أي هجوم محتمل على الأراضي الإيرانية، فالواقع الاستراتيجي يشير إلى أن أي عدوان إسرائيلي على إيران، من شأنه أن يدفع طهران إلى مستوى غير مسبوق من الرد، قد يهدّد وجود الكيان الصهيوني برمته.
القدرات الإيرانية:
إن إطلاق موجة صاروخية كثيفة على "إسرائيل"، لا يمثّل تحدياً كبيراً لإيران، فكما نجحت في إطلاق 200 صاروخ باليستي في عملية "الوعد الصادق 2"، فإن ردها المحتمل قد يتضمن إطلاق أضعاف هذا العدد، وقد أقرّ المتحدث باسم جيش الاحتلال بأن الهجوم الصاروخي الإيراني الأخير، أدى إلى إصابة قاعدة "نيفاتيم" الجوية في عمق الأراضي المحتلة، ما ينذر بإمكانية اختراق أعمق وأشدّ فتكاً في أي هجوم مستقبلي.
نقاط الضعف الإسرائيلية: هشاشة جيوستراتيجية
تُعدّ محدودية الرقعة الجغرافية وافتقار العمق الاستراتيجي، من أبرز نقاط الضعف الجوهرية للكيان الصهيوني، ما يجعل استهداف منشآته الحيوية أمراً ميسوراً لإيران، علاوةً على ذلك، فإن محدودية المنشآت النفطية ومحطات الطاقة الإسرائيلية، تجعلها عرضةً للشلل السريع في حال تعرضها لهجوم صاروخي مركز ومتقن.
الهشاشة الاقتصادية والسياسية
تأتي التهديدات الإسرائيلية باستهداف البنية التحتية الإيرانية في خضم أزمة متعددة الأبعاد، حيث يعاني الكيان الصهيوني من أضعف حالاته سياسياً واقتصادياً منذ تأسيسه قبل 76 عاماً.
فقد ارتفعت نسبة الدين العام إلى مستوى قياسي بلغ 62% من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات مقلقة بارتفاع العجز في الموازنة إلى 6.6% بحلول نهاية عام 2024.
ومنذ بداية العام الجاري، سُجل عجز هائل قدره 26 مليار شيكل (ما يعادل 7 مليارات دولار) في الموازنة العامة الإسرائيلية، ليصل إجمالي العجز خلال الاثني عشر شهراً الماضية، إلى رقم غير مسبوق بلغ 117 مليار شيكل (32 مليار دولار)، وهو أعلى عجز في تاريخ هذا الكيان، ما يضعه أمام تحديات اقتصادية جسيمة في مواجهة أي تصعيد عسكري محتمل.
أهداف إيران المحتملة في عمق الكيان الصهيوني
تمتلك إيران قائمةً شاملةً من الأهداف الاستراتيجية داخل الكيان الصهيوني، تشمل محطات الطاقة، والمنشآت النفطية، والمراكز العسكرية الحيوية، وفيما يلي عرض تفصيلي لأبرز هذه الأهداف:
المنشآت العسكرية والاستراتيجية:
• القواعد الجوية الرئيسية: نيفاتيم، حتسريم، حتسور، رامون، بالماخيم، رمات دافيد، ومطار بن غوريون الدولي (القاعدة 27 لسلاح الجو).
• منشأة ديمونا النووية في صحراء النقب.
• مقر جهاز الموساد والوحدة 8200 التابعة للجيش قرب تل أبيب.
محطات الطاقة الكهربائية:
• محطة هاغيت للدورة المركبة: بقدرة 1371 ميغاواط في شمال الكيان.
• محطة أوروت رابين: بقدرة 1260 ميغاواط في حيفا.
• محطة کيزر: بقدرة 744 ميغاواط في مدينة موديعين مكابيم ريعوت.
• محطة إشكول: تزوّد 7.3% من إنتاج الكهرباء في المنطقة الصناعية بأشدود.
• محطة روتنبرغ: أحدث محطة حرارية وثاني أكبر محطة من حيث القدرة الإنتاجية في أشكلون.
• محطة رمات هوفاف: بقدرة 1157 ميغاواط في راموت نفتالي بمدينة نرترن.
المنشآت النفطية والغازية:
• حقل تمار الغازي.
• مصفاة بازان النفطية في حيفا: أكبر مصفاة نفط في الكيان الصهيوني.
• حقل لفياثان الغازي: على بعد 130 كم غرب حيفا.
• حقل مجد النفطي: قرب مدينتي كفار سابا وروش هعين.
• مصفاة أشدود النفطية: ثاني أكبر مصفاة في الكيان.
• محطة وخزان نفط إيلات: أكبر ميناء لاستيراد النفط.
• حقل حيلتس النفطي: أحد أكبر الحقول النفطية الساحلية قرب حدود غزة.