الوقت- قبل أكثرمن سنة ونصف من الآن، اتهمت السعودية اليمنيين بأنهم ليسوا عرب ليطرح البعض المقولة التالية" إن لم يكن الشعب اليمني من العرب فمن العرب؟" ردّاً على محاولات السعودية لاعتبار عدوانها على اليمن حرب العرب والعروبة.
اليوم، تُعيد السعودية "سمفونيتها" القوميّة، ولكن هذه المرّة بلباس مذهبي حيث تحاول الترويج أمام الرأي العام العربي والاسلامي والعالمي بأن اليمنيين ليسوا أصحاب "دين" بسبب استهدافهم للمقدّسات، وتحديداً مكّة المكرّمة، رغم أن الضربة النوعية للجيش اليمني طالت مطار الملك عبدالعزيز بجدة. في الحقيقة، إن ما استهدفته القوّات اليمنية من الجيش واللجان الشعبية هي مقدسات "آل سعود"، أي مطار جدّهم الأكبر، وهذه هي مقدّساتهم التي نادوا بها بالأمس لا مكّة المكرّمة التي يحاولون استخدام هالتها وقدسيّتها في مقامرتهم الدينية التي تهدف لتحقيق أهداف العدوان العسكرية.
ربّما تكون السعودية قد نجحت عبر هذه المزاعم المثيرة للسخرية، في كسب بعض ردود الأفعال، التي تدرك السعودية قبل أصحابها أنّها في إطار "النفاق" السياسي لا أكثر، تماماً كما تدرك السعودية حرص الشعب اليمني، شعب الإيمان والحكمة، على كافّة المقدّسات، لا بل حتى على مراعاة "أخلاق الحرب"، فكيف الحال بمكة المكرمة أقدس المقدسات عند اليمنيين؟
إن النظام السعودي حاول من خلال هذه الخرافات التي تذكرنا بمرض الملك سلمان (الخرف) الذي بدأ يسري إلى أركان النظام، حاول التلطي خلف الأماكن المقدسة والهروب من الواقع المأزوم الذي يعشه في الداخل والإقليم وعلى الساحة الدولية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: لماذا روّج النظام السعودي لأكذوبة استهداف "مكّة المكرّمة"؟
نقاط عدة تفسّر هذه الإتهامات السعودية، نذكر منها:
أولاً: لا شكّ في أن الزعم بشن هجوم صاروخي يمني على مكة المكرمة امر مثير للسخرية اصلا، لكنّ السعودية هدفت من خلال هذه الأكاذيب لتأليب الرأي العام العربي والإسلامي على الشعب اليمني، لاسيّما بعدما انكشفت عورة السعودية في المجازر التي ارتُكبت بحق الشعب اليمني، كان آخرها مجزرة الصالة الكبرى في العاصمة صنعاء التي راح ضحيّتها أكثر من 800 شهيد وجريح.
ثانياً: تأتي هذه الادعاءات بعد أيّام على مبادرة المبعوث الاممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد، والذي وصفه مصدر في "حزب المؤتمر الشعبي العام" اليمني "بالمبعوث السعودي"، قائلاً: إن المبعوث الاممي "لم يعد مبعوثاً أممياً محايداً وقد أصبح اليوم مبعوثاً سعودياً". السعودية التي تحاول شرعنة العدوان عبر مبادرة ولد الشيخ الأخيرة التي لا يمكن فصلها عن تحركات وزير الخارجية الأميركية جون كيري ولقاءاته ضمن الرباعية الدولية بشأن اليمن وعلى وجه التحديد مبادرة كيري الموؤدة، تحاول في الوقت عينه إظهار الجانب اليمني بهيئة المعتدي، والسعودية بهيئة الضحيّة، لاسيّما أمام الرأي العام العربي والإسلامي والي ضجّ من المجازر السعودية.
ثالثاً: لطالما تحّدثت مصادر سعودية عن خشية تحوّل اليمن إلى خاصرة السعودي الرخوة، وتكرار التجربة الصاروخيّة لحزب الله مع الكيان الإسرائيلي، وبالتالي جاء "الخرف الإعلامي" السعودي حول مكّة بغية وقف ضربات الصواريخ البالستية التي قد تطال الرياض في المرحلة المقبلة، فضلاً عن تسليم هذه الصواريخ باعتبارها تهدّد المقدّسات الاسلامية وفق النظرية السعودية الجديدة، لاسيّما مع ادراك الجانب السعودي أن تسليم الصورايخ بات أمراً غير قابل للنقاش بالنسبة لصنعاء، تماماً كما هو الحال مع صيغة تسليم الأسلحة لجهة ثالثة محايدة، وهي على الأرجح اللجنة العسكرية.
رابعاً: لا يمكن التغافل عن الواقع الداخلي المأزوم التي تعيشه الرياض، لذلك حاولت السلطات السعودية بالأمس من خلال الحديث عن استهدف مكّة المكرّمة حشد الشعب خلف العائلة الحاكمة وصرف نظره عن الواقع الداخلي المزري والذي بدأ من تراجع مداخيل النفط، ومرّ بسياسة التقشّف، لينتهي بانفلات أمان الحدود الجنوبية، والانفجار الوشيك، مع إعلان "التململ" الشعبي اليومي على مواقع التواصل، وصدمة تصريحات "الإفلاس" التي أدخلت البلاد مُنعطفاً خطيراً، أبرز مفاعيله دعوة المواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي الى إضراب شامل يوم غد الأحد، احتجاجاً على الوضع الاقتصادي المتردي وسياسة التقشف التي تنتهجها المملكة النفطية.
خامساً: لا نستغرب أن تعمد السعودية خلال الفترة المقبلة على افتعال ضربة للمقدّسات، أو بجانبها، بغية تحقيق أهدافها من العدوان عبر "المكر الديني" الذي جعلهم بالأمس يخلطون بين الأطراف الشمالية لجدة الساحلية حيث يقع مطار الملك عبدالعزيز، ومكّة المكرّمة التي تبعد حوالي خمسة وستين كيلو متر.
في الخلاصة، لاشكّ في أن التمترس خلف الأماكن المقدسة ليس إلا إفلاسا سياسيّاً لعاصفة دموية، و"هلوسة إعلامية ليس من عاقل أن يستوعبها"، فكما أن اليمنيين قبل الإسلام كانوا هم حضارة العرب، عندما كانت شبه الجزيرة العربية وأهلها لا يتقنون القراءة والكتابة، ويتقاتلون على ساقية ماء وعروس مخطوفة، هم نفسهم شعب الإيمان والحكمة والاسلاميّة ونصرة نبي الإسلام الذين دخلوا في دينه أفواجا عندما كانت قريش وشبه الجزيرة العربية تحارب النبي بعد محاصرته، فإن لم يكن الشعب اليمني حريصاً على المقدّسات فمن هو الحريص عليها؟