الوقت- دأبت سلطنة عُمان على لعب دور الوسيط في الكثير من الأزمات الإقليمية والدولية كان أبرزها أزمة الملف النووي الإيراني التي إنتهت بالتوصل إلى اتفاق بين طهران ومجموعة (5+1) في تموز/يوليو 2015.
ومن الطبيعي التأكيد على أهمية هذا الدور في تعزيز الأمن والاستقرار في عموم المنطقة التي مزقتها الحروب والاضطرابات، وأثره في عكس صورة مشرقة لعُمان باعتبارها دولة متحضرة ومحبة للسلام.
ولعبت السلطنة دوراً مميزاً وفاعلاً لحل الأزمة في اليمن قبل وبعد العدوان السعودي المتواصل على هذا البلد منذ 26 آذار/مارس 2015 وحتى الآن، مُتخذة لنفسها موقعاً محايداً تجاه أطراف الأزمة لتكتسب نفوذاً كوسيط سلام موثوق فيه، من كافة الأطراف مع بعض التحفظ من جانب دول مجلس التعاون.
وكانت عُمان قد دعمت المطالب العادلة للشعب اليمني منذ انطلاق ثورته عام 2011 ودافعت عن حقوقه المشروعة لنيل الديمقراطية والحياة الحرة الكريمة.
وبعد هروب الرئيس اليمني السابق "عبد ربه منصور هادي" من صنعاء باتجاه عدن وقيام دول مجلس التعاون بنقل سفاراتهم إلى هذه المدينة بطلب وضغط من السعودية رفضت عُمان هذا الموقف وأبقت سفارتها في صنعاء في إجراء ينم عن تمتعها بالإرادة الحقيقة والاستقلال السياسي وعدم الرضوخ لإملاءات الرياض رغم أنها من ضمن دول مجلس التعاون، وثاني دولة تشترك في حدودها مع اليمن.
وعندما شنّت السعودية والدول المتحالفة معها وعلى رأسهم أمريكا العدوان على اليمن رفضت عُمان المشاركة في هذا العدوان رغم إصطفاف جميع دول مجلس التعاون إلى جانب الرياض. وبقيت السلطنة المنفذ السياسي والاقتصادي الوحيد لليمن بعد فرض الحصار عليها من قبل التحالف السعودي - الأمريكي.
وأكدت عُمان مراراً رفضها لأي تدخل خارجي في شؤون اليمن وأعلنت في الوقت نفسه عن إستعدادها لاستضافة أي مباحثات تسعى لتسوية الأزمة اليمنية ووقف العدوان السعودي. كما تقدمت بسلسلة من الاقتراحات بهدف التوصل إلى حلول سياسية تمهد السبيل لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع اليمن. ومن بين هذه الاقتراحات الدعوة لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية تشارك فيها جميع الأطراف والأحزاب المؤثرة في الساحة اليمنية. كما تجدر الإشارة إلى أن عُمان كانت قد ساهمت في الدفع نحو توقيع "اتفاقية السلم والشراكة الوطنية" في بداية الحوار اليمني - اليمني.
واقترحت عُمان كذلك إقامة مؤتمر دولي لمساعدة اليمن اقتصادياً لمواجهة آثار الحصار البري والجوي والبحري المفروض عليه بسبب العدوان السعودي. لذلك فهي تركز حالياً على الإغاثة الإنسانية، وتحرص في الوقت ذاته على ألا يتحدث أحد عنها بأنها تنتصر لطرف دون آخر. وهذا يعني أن عُمان يمكن أن تكون معبراً لأي مفاوضات متوقعة، والتي لابدّ منها في نهاية المطاف، ولا يمكن أن يطلب أي طرف من مسقط التوسط لإنهاء الأزمة، إذا كانت ضمن التحالف السعودي خصوصاً في ظل وجود عوامل القربى والتداخل الجغرافي مع اليمن.
وكان لعُمان دور بارز في عقد المباحثات السياسية الرامية إلى حل الأزمة اليمنية في كل من الكويت وجنيف، وكذلك عقد محادثات مباشرة بين السعودية وحركة أنصار الله والتي أفضت في بعض مراحلها إلى عدد من التوافقات بين الطرفين.
وينبغي التأكيد على أن الحل السياسي للأزمة اليمنية يحتاج إلى وسيط يقف على مسافة واحدة من كافة الأطراف، وهو ما يتجسد في السلطنة، المؤهلة لهذا الدور بحسب عدة معطيات في مقدمتها عدم إنضمامها للتحالف السعودي، وتهيئة أراضيها لعقد لقاءات بين الأطراف المتنازعة. كما أنها إنتهجت مساراً مستقلاً ومتحرراً من إملاءات بعض القوى الخارجية، وبحرفية سياسية عالية، ما جعل منها دولة واضحة المواقف ومقبولة رسمياً من أغلب فُرقاء الأزمة، إن لم يكونوا كلّهم، رغم تشابك الصراع الذي يمثل إمتداداً لصراعات ونزاعات سابقة في كل تفاصيلها. وهذا الأمر يحتاج إلى التوافق بين جميع الأطراف لعودة الأمن لليمن. وبقاء عُمان محايدة وبعيدة عن الحرب في منطقة ملتهبة يؤهلها للعب دور في السلم واحتواء الأزمة ضمن حوار شامل إن لم يكن في الوقت الحاضر ففي المستقبل. فعُمان لا ترفض الدخول على خط الملفات الساخنة بما يتفق مع رؤيتها لأمن المنطقة ويكرس استقلال قرارها. ولكن السعودية تشعر بأن دور عُمان أصبح محورياً ومُرحباً به في أكثر من منطقة لاسيّما في اليمن، ما جعلها تعبر عن قلقها من تعاظم هذا الدور، وهو ما أدى إلى أزمات غير معلنة بين الرياض ومسقط خاصة مع اعتماد الدبلوماسية العُمانية على العمل بعيداً عن الأضواء الإعلامية.
ومن حيثيات موقف السلطنة بما تمتلكه من ثقل دبلوماسي وعمل هادئ بعيد عن الأضواء قدرتها على التأثير في مواقف الأطراف المتنازعة، وهو ما يستدعي من هذه الأطراف التعامل مع هذا الدور بجديّة بعيداً عن أطماع الآخرين لاسيّما أمريكا وحلفائها. فالظروف الموضوعية لطبيعة موقف السلطنة؛ يعد حافزاً مهماً لإنجاح دورها واستثمار الوقت لتحقيق السلام في عموم اليمن.
على العموم يمكن القول بأن سلطنة عُمان نجحت إلى حد بعيد في وضع الأسس الكفيلة بحل الأزمة اليمنية ولكن إصرار السعودية على مواصلة العدوان وعدم الاستجابة لاقتراحات مسقط هو الذي حال دون نجاح هذه الحلول حتى الآن.