الوقت- خيارت عدّة ينتظرها تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق على حدّ سواء. عراقيّاً ، تبدأ معركة الموصل في غضون أيام، رغم افتقارها لعنصر المفاجأة ما خلا أي صدام تركي- عراقي مستبعد، والنتيجة باتت شبه محسومة لاسيّما بعد الحديث عن مشروع أمريكي جديدة لنقل عناصر التنظيم، لاسيّما غير العراقيين منهم، إلى المنطقة الشرقية في سوريا، في حين يتلطّى العراقيين من أبناء التنظيم بستار النازحين والمدنيين في المعركة التي ستعلو فيها الأصوات المذهبية فوق أصوات الرصاص.
وأما في سوريا، فالمشهد مختلف تماماً حيث تتلبّد سماء الشمال السوري بغيوم الخلافات في جوّ محموم سياسياً وعسكرياً بين أبرز الأطراف المتصارعة، في ظل تصعيد عسكري بين أمريكا وروسيا قد يشبه بصورة أو بأخرى فترة الغليان خلال الحرب الباردة، فضلاً عن التصعيد القائم بين الأكراد وتركيا من جهة، والجيش السوري والجماعات المسلّحة من جهة أخرى.
لم تكن أمريكا لتمضي قدماً في مشروعها مع روسيا لولا اعدادها لمشروع جديد، بعد فشل مشروعها السابق بشكل جزئي إثر التدخّل الروسي الذي جاء بعد زيارة سريّة، كشف عنها لاحقاً، لقائد فيلق القدس الإيراني اللواء قاسم سليماني. وبالفعل، كانت لحظة الصفر لبداية هذا المشروع 17 سبتمبر/أيلول، حيث قصفت طائرات أمريكية موقعا للجيش في جبل ثردة بمحيط مطار دير الزور، الأمر الذي سمح لتنظيم "داعش" الإرهابي بالسيطرة الكاملة، إلا أن الجيش السوري خاض بعدها معارك عنيفة قرب مطار دير الزور حيث شن هجوماً مكنه من استعادة المواقع التي خسرها لصالح داعش.
حلفاء دمشق, وفي مقدّمتهم روسيا، أدركوا حينها الهدف الأمريكي، رغم استمرارهم بالهدنة التي تراجعت عنها واشنطن، وفي وقت لاحق هدّدت موسكو على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زخاروف، بكون "العدوان المباشر" الأمريكي على الحكومة والجيش السوريين سيؤدي إلى "تغيرات مخيفة ومزلزلة" في الشرق الأوسط.
مخطط أمريكي جديد
"الهروب إلى الأمام" هي السمة الأبرز للمشروع الأمريكي الجديد، بعد وصول واشنطن إلى نتيجة حتمية حول عدم قدرة "داعش" على البقاء في مواقعه الحالية، سوءاً في سوريا أو العراق. عراقياً، الخروج "الداعشي" إلى سوريا بات تحت المجهر حالياً رغم صعوبته العسكرية على الجيش العراقي والحشد الشعبي الذي قال الناطق الرسمي باسم هيئتة أنّه "ستطحن داعش" داخل نينوى وقواتنا لن تسمح بخروج عناصر داعش إلى سوريا. الضغوطات لن تقتصر على الشقّ العسكري، بل سترتفع الأصوات التي تدافع عن "الدواعش" الهاربين إلى سوريا تحت شعارات "انسانيّة" برّاقة كالعوائل، والأطفال والنساء.
وأما في سوريا، لن يختلف المشهد كثيراً من هذه الناحية حيث يقتضي المشروع الأمريكي الجديد نقل تسعة ألاف من عناصر داعش وعوائلهم ( أغلب السعوديين في التنظيم الإرهابي ضمن هؤلاء) من الرقّة إلى دير الزور تحت شعارالنزوح الانساني للعوائل، والذي يصب في خانة الضربة الأمريكية نفسها التي طالت الجيش السوري في دير الزور. أي أن العوائل هذه لن تلبث، حين وصولها إلى مناطق دير الزور، إلى أن تتحوّل لعناصر علنية للتنظيم الإرهابي بغية ضرب الجيش السوري.
بعد ذلك، تعمد واشنطن لنقل ضرباتها الجويّة من الرقّة إلى دير الزور، حيث توازيها بريّاً قوات سوريا الديمقراطية (الكردية)، لإخراج داعش من دير الزور نحو الموصل والرقّة على حدّ سواء. وبالتالي، تكون أمريكا قد نجحت من خلال هذا المخطّط بضرب الجيش السوري واخراجه من ديرالزور، ومن الشرق السوري عموماً، الأمر الذي سيسمح لواشنطن بامتلاك ورقة جديدة على طاولة المفاوضات. لكن، السؤال الذي يطرح نفسه اليوم: لماذا تعمد واشنطن إلى هذا السيناريو "الإلتفافي"، أي لماذا لا تهاجم القوات الكردي الجيش السوري في دير الزور بصورة مباشرة؟
هناك عدّة أسباب تقف خلف هذا "المشروع" أبرزها خشية واشنطن من رد الفعل الايراني –الروسي المشترك على هذه الخطوة ، إضافةً إلى أن القوات الكردي تخشى من المواجهة المباشرة مع روسيا وايران، كما هو الحال مع تركيا، التي بدورها ستبدي امتعاضها من هكذا مشروع، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه تباعاً: هل تمتلك واشنطن القدرة على تنفيذ هذا المشروع الذي أُفشي مؤخراً؟
لا شك أن لكل فعل ردّة فعل، فالوضع القائم في حلب، لم يعد في صالح أمريكا وحلفاءها حتى أن التدخّل التركي تحت مسمّى "درع الفرات" لم يكن في صالح واشنطن، إلا أن نتائج معركة الموصل، وكذلك التهديدات الروسيّة الأخيرة بعد نصب بطاريات الدفاع الجوي الصاروخي "إس – 300" و"إس 400" يطرح سؤالا جديا حول الإمكانيات العسكرية لأمريكا والتحالف في مواجهة وروسيا وسوريا وحلفاءهما.