الوقت- لا شك أن معركة الموصل المرتقبة ستمثل نقطة عطف كبيرة في خريطة المنطقة البالغة التعقيد، ويبدو أن تعقيدات ما بعد تحرير الموصل ليست بأقل من تعقيدات التحضير لهذه المعركة الهامة، في ظل الحديث عن نوايا أمريكية، لمحاولة إعادة صياغة المتغيرات المرتقبة، عبر أذرع إقليمية وأخرى عراقية داخلية، بما يتلائم مع المصالح الأمريكية.
فالمصالح الأمريكية التي تقوم على إطالة أمد الصراع في المنطقة واستنزاف الخصوم، وتطويعهم، تقتضي عدم القضاء نهائياً على تنظيم داعش الارهابي، ومحاولة الإفادة منه وتوظيفه لخدمة الأهداف الأمريكية، حيث تتحدث مصادر عن نية أمريكا إيجاد مخرج لتنظيم داعش الارهابي من الموصل بالتنسيق مع شخصيات عراقية ذات نفوذ في بيئة داعش، والمتمثلة بالنائب السابق لرئيس الجمهورية طارق الهاشمي المحكوم بالإعدام بتهمة الارهاب، والنائب السابق أسامة النجيفي المتهم بتسهيل سقوط الموصل بيد داعش، واللذين يتمتعان بدعم من تركيا. حيث تنص الخطة الأمريكية على عدم ضرب قوات داعش في شمال وشرق الموصل، لتوفير مخارج آمنة لقوات التنظيم الارهابي، مما يسمح لها بإعادة أنتشار في كل من سوريا والعراق، ومواصلة الإفادة من داعش لإضعاف حكومات هذين البلدين.
وقد تحدثت مصادر أن عناصر داعش التي ستنسحب من الموصل عبر المنافذ الشمالية والشرقية لمحافظة نينوى، يجري الإعداد لنقل معظمهم إلى سوريا حيث ستوزعون على ألوية داعش هناك وفق التالي:
سينضم 11 ألف عنصر لما يسمى "جيش ولاية الرقة"، 1800 عنصر لجيش ولاية الخير الناشط في محافظة دير الزور، 580 عنصر لجيش ولاية الحسكة، 1500 عنصر لجيش ولاية حمص، و 500 عنصر لجيش ولاية دمشق بقيادة الأعشم أبو تهامة.
فيما سيبقى 4850 من أعضاء داعش العراقيين في العراق، وذلك من أجل العمل بشكل سري على تنفيذ الأعمال الارهابية وفق تكتيك حرب العصابات.
وترمي أمريكا وحلفاؤها لتحقيق عدة أهداف من خلال هذه الخطة، نجملها بما يلي:
أولاً :الاخلال بموازين القوى في سوريا، والذي يميل لصالح النظام السوري وحلفائه، وذلك من خلال رفد الجماعات الارهابية في سوريا بعناصر إضافية، بما يحقق لها استنزاف محور المقاومة وإضعافه.
ثانياً :توظيف ورقة تحرير الموصل في الانتخابات الأمريكية، وضبط تداعيات هذا الانجاز بما يتساوق مع المصالح الأمريكية.
ثالثاً: العمل على استمرار الأعمال الارهابية في العراق، بما يمكن أمريكا من التدخل في شؤون العراق بذريعة مكافحة الارهاب على الأراضي العراقية.
رابعاً: تدمير الموصل على غرار ما حصل في الرمادي التي تحرر من خلال العمليات الأمريكية، ومن ثم محاولة تحصيل مكاسب اقتصادية من العراق من خلال الدخول على خط إعادة الإعمار.
من جهته الحشد الشعبي الذي يبدو أنه اطلع على الخطة الأمريكية، سارع إلى نقل عدد من قواته إلى غرب الأنبار والتمركز هناك وفق ما كشفت عنه مصادر صحفية، وذلك بهدف منع فرار عناصر داعش إلى سوريا، والقضاء نهائيا على جذور هذا التنظيم الارهابي.
وكان المجلس الوطني العراقي قد وافق بشكل رسمي في جلسته التي انعقدت في ٣١ تمّوز/يوليو الماضي على مشاركة الحشد الشعبي في عمليات تحرير الموصل، وذلك بالرغم من المحاولات الأمريكية لوضع فيتو على هذا المشاركة، إلا أن الحشد الشعبي والذي يمثل جميع أطياف الشعب العراقي، يصر على المشاركة في هذه المعركة من أجل إحباط المخططات الأمريكية ومنع تقسيم العراق. ومن ناحية أخرى ينظر الدولة والشعب العراقي بقلق حيال التدخل العسكري التركي في الأراضي العراقية، والذي أعلن أدروغان بصراحة في لقاء مع محطة روتانا أنه جاء بهدف معالجة أوضاع ما بعد تحرير الموصل، ما اعتبرته الحكومة العراقية تدخلاً سافراً في الشأن العراقي واعتداءً على سيادة البلاد، وهو ما أشعل حرباً كلامية بين الجانبين.
يبدو أن مهمة القضاء على جذور داعش لن تكون بالمهمة السهلة على الأقل على المدى المنظور، نظراً لاستمرار أمريكا وحلفاءها الإقليميين في محاولة توظيف التنظيم الارهابي لخدمة أغراض سياسية، فمن غير المتوقع أن تتخلى أمريكا عن داعش بهذه السهولة خاصة وهي تشهد انحسار دورها في منطقة الشرق الأوسط، ما يعني أن بانتظار شعوب المنطقة مزيداً من المعاناة.