الوقت- يبدو أن الرئيس الأمريكي الحالي بارك أوباما سيُنهي ولايته الرئاسية، بالكثير من السخط تجاهه من قِبل الغيارى على الهيبة الأمريكية. حيث أن الرجل والذي بدأ ولايته بالإعتراف بأخطاء واشنطن تجاه الشرق الأوسط وضرورة سعيها نحو الشراكة في السياسة الدولية، سيُنهي ولايته دون تحقيقه لأيٍ من الأهداف الأمريكية. لكن ذلك يبقى عنواناً عريضاً سيُلاحق أوباما وإدارته الحالية، وسيرثه أي رئيسٍ جديد. في حين جاء خبر الإعتذار الأمريكي من الرئيس السوري بشار الأسد، ليُعزِّز العديد من الدلالات التي تبدأ بالإعتراف الأمريكي بشرعية الأسد، وتصل للإقرار بهزيمة المشروع الأمريكي وسقوط منطق الأحادية في السياسة الدولية. فماذا عن الإعتذار تجاه الرئيس السوري؟ وما هي أهم أخطاء أوباما في سوريا؟ وماذا تعني هذه الأخطاء بالإضافة الى الإعتذار الأخير؟
روسيا تكشف الإعتذار الأمريكي
كشف وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، عن اعتذار أمريكي للرئيس السوري بشار الأسد عن غارة شنتها طائرات سلاح الجو الأمريكي على قوات حكومية سورية في محيط "دير الزور" في 17 أيلول 2016، وفقاً لما نشرته وكالة "سبوتنيك" الروسية. وأشار لافروف الى أن أمريكا اعتذرت للرئيس بشار الأسد عن شنها ضربة على الجيش النظامي في دير الزور. وهو الأمر الذي أكده لافروف أيضاً خلال مقابلةٍ له مع التلفزيون الروسي منذ يومين رداً على سؤال حول الموضوع. لكنه لم يكشف عن مضمون الإعتذار ولا كيفية إيصاله الى الرئيس السوري الذي لا توجد أي إتصالات أو علاقات دبلوماسية بين بلاده وأمريكا.
تقرير حول الأخطاء الأمريكية في سوريا: واقع يلاحق إدراة أوباما
عدة تقارير ومقالات خرجت لتفضح الأخطاء الأمريكية في سوريا بل لتنتقدها. وهو الأمر الذي اعتبره الكثيرون أخطاء فادحة للإدارة الأمريكية الحالية. وهنا نشير للتالي:
- خلال شهر آب من العام الحالي، خرج الكاتب الأمريكي الشهير "نيكولاس كريستوف" في مقالٍ له تحت عنوان عنوان "الأخطاء الأكثر مأساوية لأوباما" نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية لينتقد بشدة سياسة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" في الشرق الأوسط، خصوصاً تجاه الأزمة السورية، مؤكداً أن هذه الأزمة فضحت الإدارة الأمريكية وتحديداً الرئيس أوباما وأظهرت أنه لا يتمتع بالقدر الكافي من اللياقة لتحمل المسؤولية تجاه حلّ هذه الأزمة. واعتبر كريستوف أن أمريكا هُزمت في سوريا، بعد أن تراجعت عن كافة أهدافها ومطالبها تجاه الأزمة ورضخت لإجراء مفاوضات سياسية تهدف لإيجاد تسوية للأزمة السورية.
- في شهر آذار من العام الحالي، قال مسؤولون أمريكيون في تقارير كشفها الإعلام الأمريكي، بأن فصائل مسلحة تدعمها وزارة الدفاع الأمريكية، خاضت معارك مع فصائل تدعمها وكالة الإستخبارات الأمريكية. فيما تُظهر هذه المعارك بحسب التقارير، التضارب الذى يسود الرؤية الأمريكية تجاه التعاطي مع ملف الجماعات المسلحة. وأكدت التقارير أن المعارك دارت بين فصيل "فرسان الحق" المدعوم من الإستخبارات وميليشيات "سوريا الديمقراطية" المدعومة من وزارة الدفاع فى مناطق واقعة بين شمال حلب والحدود التركية. وهو ما صبَّ في مصلحة تنظيم داعش الإرهابي.
- في تشرين أول من العام 2014، أقرت وزارة الدفاع الأمريكية بأن بعض الأسلحة التى ألقتها طائرات عسكرية أمريكية فوق مدينة كوباني الكردية شمالى سوريا والتي تشمل قنابل يدوية وصواريخ ومسلتزمات طبية، سقطت فى أيدي تنظيم داعش الإرهابي عن طريق الخطأ. وذكرت الوزارة حينها أن الأسلحة كانت مخصصة للمسلحين الأكراد، الذين يدافعون عن المدينة فى وجه التنظيم المتطرف.
من الأخطاء الأمريكية المستمرة الى الإعتذار الأخير: دلالات وتحليل
لم تكن فضائح الإدارة الأمريكية محط جدل الإعلام وخبراء السياسة مثل اليوم. وهنا يجب الوقوف عند الأزمة السورية كنموذجٍ للخطأ الأمريكي منذ بدايتها حتى اعتذار الرئيس أوباما الأخير، لنقول التالي:
أولاً: أخطأت واشنطن في حساباتها السورية. وهو الأمر الذي كلفها الكثير على الصعد السياسية والعسكرية والدبلوماسية. خصوصاً لجهة هيبتها وتحالفاتها. في حين بدا واضحاً دخول أمريكا في بحرٍ من التناقضات في التعاطي مع الأزمة، وهو ما كان نتيجة سياستها البراغماتية ورهانها على الإرهاب كورقة بيدها.
ثانياً: لم يكن الملف السوري نموذجاً للفشل الأمريكي على الصعيد الإسراتيجي فحسب، بل كان دليلاً على عجر واشنطن عن إدارة الملفات الدولية مع أطراف آخرين. حيث يبدو أن العقل الأمريكي الذي اعتاد التفرُّد في إتخاذ القرارت وتنفيذها من خلال سياسة القطب الواحد، عجز عن التأقلم مع سياسات لاعبين آخرين اعترفت أمريكا بأهمية دورهم كروسيا وإيران. وهو ما بدا واضحاً في سياسة التنصل الأمريكي من كافة الإتفاقات لا سيما مع روسيا.
ثالثاً: أثبتت واشنطن عجزها عن إدراك الواقع الحقيقي للصراع في سوريا. وهو ما جعلها ترفع سقف مطالبها تجاه النظام السوري، عبر السعي لإسقاطه وصولاً الى السعي لإزاحة الرئيس الأسد. في حين أدى انهيار هذه المطالب، لإبراز الفشل الأمريكي في الملف السوري بشكلٍ فاضح. خصوصاً بعد أن بات التعاطي الأمريكي مع النظام دليلاً إضافياً على الإعتراف بشرعيته القانونية والسياسية على الصعد المحلية والإقليمية والدولية. وهو ما أكده الإعتذار الأخير للرئيس الأمريكي منذ أيام.
رابعاً: يُعتبر الوضع الحالي للسياسة الأمريكية، دليلاً على نهاية الهيمنة الأمريكية على المنطقة والعالم. خصوصاً بعد أن بات التخبط سيد الموقف الأمريكي. وهو ما برز من خلال الإعتذار الأخير، والذي أثبت تناقض الطرفين الدبلوماسي والعسكري في واشنطن، تجاه الرؤية والأهداف وآليات العمل في سوريا.
يبدو جلياً أن وضع السياسة الأمريكية، لم يعد كما كان. فالملف السوري بات نموذجاً للفشل والتخبط الذي أصبحت تتصف به واشنطن. فيما كان رئيسها الحالي باراك أوباما، رجل التناقضات التي اتسم بها عهده الرئاسي. عهدٌ بدأه بإعلانه نهاية سياسة القطب الواحد، وأنهاه بإعتذاره من الرئيس السوري بشار الأسد.