الوقت - على الرغم من أن غالبية السكان في جمهورية أذربيجان هم من الشيعة ولم يكن هناك أيّ تواجد للوهابية في هذا البلد قبل إنهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، إلاّ أن الوضع اختلف كثيراً خلال السنوات الأخيرة بعد أن تمكن الوهابيون من التغلغل في أوساط الشعب الآذري خاصة في المناطق الحدودية المحاذية لروسيا.
وخلال العقدين الماضيين بدأ الوهابيون بتكثيف نشاطاتهم التبليغية في المناطق الشمالية من جمهورية أذربيجان بدعم مالي كبير من السعودية وقطر ودول عربية أخرى، خصوصاً في مدن زاقاتالا وقوسار وساليان ونفطتشالا وبالاكان وحتى العاصمة باكو التي بنوا فيها مسجداً لممارسة هذه النشاطات.
كما قام أتباع الوهابية بالكثير من التحركات بينها شراء سيارات ووضعها تحت اختيار الشباب العاطل عن العمل شريطة الانضمام إلى تشكيلاتهم، بالإضافة إلى تقديم قروض مالية للعوائل الفقيرة، ومحاولة التغلغل بشتى الطرق لاسيّما في الأوساط الشيعية والأقلية السنيّة والنازحين من إقليم "قره باغ" في جنوب القوقاز تحت مسميات الجمعيات الخيرية والإنسانية.
ومن السبل الأخرى التي لجأ إليها الوهابيون لاستقطاب الشباب من جمهورية أذربيجان إرسالهم إلى السعودية لتلقي العلوم الدينية طبقاً للمذهب الوهابي والاستفادة منهم فيما بعد للتبليغ وبشكل علني في أوساط الشعب الآذري خصوصاً العوائل المعدمة والفقيرة.
واستطاعت السعودية التي وقّعت اتفاقيه تعاون في المجال الديني مع أذربيجان إضفاء طابع شرعي على دعمها للوهابية هناك، وتم إجتذاب بعض الشباب الآذريين للدراسة في "جامعة المدينة الدولية" التي تعتبر مركزاً لتربية المبلغين الوهابيين، وينشط هؤلاء اليوم على شبكة الإنترنت لجذب عدد أكبر من الوهابيين. وقد ساهم التوجه الغربي والعلماني للحكومة الآذرية في فسح المجال لهؤلاء المبلغين لممارسة نشاطاتهم داخل البلاد دون أيّ صعوبات أو مضايقات قانونية.
وانخرط الكثير من الشباب الآذري في المجاميع الإرهابية والتكفيرية المتطرفة التي تدعمها السعودية وقطر ودول عربية أخرى من أجل الحصول على الأموال، وقد شارك معظم هؤلاء في تنفيذ عمليات إرهابية في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لاسيّما في سوريا والعراق بعد عبور الأراضي التركية.
وفي وقت سابق أعلن الوهابيون في جمهوريتي أذربيجان وداغستان وشمال القوقاز عن تشكيل تحالف يهدف إلى إقامة ما يسمى "الخلافة الإسلامية" في القوقاز وباقي دول آسيا الوسطى التي تضم كلاً من أوزبكستان وتركمانستان وكازاخستان وطاجكستان وقيرغيزستان.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة الآذرية لم تتخذ أيّ إجراءات للحد من نفوذ الوهابية في البلاد، ليس هذا فحسب؛ بل ساهمت أيضاً في كثير من الأحيان بتوفير الأجواء المناسبة لممارسة نشاطاتهم تحت غطاء التعاون مع "لجنة الشؤون الدينية" في باكو. كما ساهمت حكومة "إلهام علييف" بإرسال الكثير من الشباب الآذري إلى سوريا عبر الأراضي التركية بإيعاز من أمريكا والتنسيق مع ما يسمى "أصدقاء سوريا " لتنفيذ عمليات إرهابية في هذا البلد بدعم مالي وتسليحي ولوجستي سعودي وقطري.
ومن المرجح أن تشكل الجماعات الإرهابية والتكفيرية المتطرفة التي تعمل بتخطيط ودعم من قبل الوهابية خطراً كبيراً على جمهورية أذربيجان وكافة دول القوقاز وآسيا الوسطى بعد عودتها من سوريا والعراق. ونظراً لكثرة أعداد هؤلاء شكّلت هذه العناصر ما يسمى "جمعية الأذربيجانيين في سوريا" وهي جماعة وهابية مسلحة.
وتشير الصحافة الأذربيجانية إلى أن هناك ما بين 15 ألف إلى 65 ألف سلفي في البلاد، وهذا الأمر ينذر بخطر كبير خصوصاً بعد أن بدأ هؤلاء بممارسة نشاطات إقتصادية ومالية كبيرة في ظل تستر الحكومة على هذه النشاطات.
وتمكنت الوهابية كذلك من النفوذ في داخل الأجهزة الحكومية والنظام الإداري في أذربيجان، وبات العديد من المسؤولين رفيعي المستوى ونواب في البرلمان وإعلاميين يدافعون عن المصالح السعودية في البلاد وفي عموم المنطقة.
وفي وقت سابق إحتجت جماعة من أهل السنة في أذربيجان ضد نشاطات الوهابية في البلاد. وقدّم أهالي مدينة "سومغايت" شكوى إلى الرئيس "إلهام علييف" تطالبه باتخاذ إجراءات صارمة لمنع إنضمام بعض شباب المدينة إلى صفوف الجماعات التكفيرية والسلفية. و"سومغايت" هي ثاني أكبر مدن جمهورية أذربيجان ويتواجد فيها الكثير من أتباع الوهابية، الأمر الذي تسبب بحصول إصطدامات في عدد من مساجد المدينة، ما أثار قلقاً متزايداً لدى أهاليها من خطورة تداعيات هذه الظاهرة التي باتت تشكل تهديداً خطيراً لكافة دول آسيا الوسطى والقوقاز.
وعلى العموم ينظر السعوديون إلى دول آسيا الوسطى والقوقاز باهتمام بالغ باعتبارها تمثل أرضية خصبة لتوسيع نفوذهم من الناحيتين السياسية والأيديولوجية، وتتجلى أولوياتهم بالدرجة الأولى في هذا الإطار بمتابعة وتنفيذ إستراتيجية أساسية تهدف إلى ترويج ونشر الفكر الوهابي والسلفي في المناطق التي يقطنها المسلمون في هذه الدول.
وينشط السعوديون منذ مدة طويلة في مجالي الاقتصاد والتجارة في آسيا الوسطى والقوقاز، متخذين من ذلك أداة للدعاية والترويج للوهابية. وقد زاد الفقر المتفشي بين فئات عديدة من شعوب هذه الدول الأمر سوءاً، وهيّأ المناخ المناسب للقيام بذلك.
أخيراً ينبغي الإشارة إلى أن هنالك مقاربة سياسية لدى جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز في العلاقة مع السعودية، تتمثل في تحقيق أهداف إقتصادية، حيث تعاني بعض هذه الجمهوريات مثل قيرغيزستان وطاجيكستان من بنية إقتصادية فقيرة وضعيفة.