الوقت- بات الصراع الداخلي في أمريكا محتدماً، لدرجة أنه شكَّل نقطة ضعفٍ يبدو أن روسيا استغلتها بحرفية. هكذا يمكن وصف المسألة، في حال ثبت خرق المخابرات الروسية لأجهزة الكمبيوتر الخاصة باللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي. فيما يعتقد الكثير من المحللين، بأن ذلك يُعتبر طبيعياً في زمنٍ أصبح فيه الإرهاب سلاحاً، تستخدمه الدول للإبتزاز، فكيف بالفضاء السيبري الذي لا يُخلِّف أي دماء.
لكن الخطر لا يكمن فقط في حدود الإتهام المتبادل بين موسكو وواشنطن، والصراع الداخلي بين كلينتون وترامب، بل يطال الوقوف عند دخول سلاحٍ جديد، وهو الحرب السيبرية، في مُعترك الصراعات الدولية. فماذا في خرق رسائل اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي؟ وما هي دلائل ذلك؟
هيلاري كلينتون تتهم روسيا
صرحت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية في انتخابات الرئاسة الأمريكية بأن المخابرات الروسية اخترقت أجهزة الكمبيوتر الخاصة باللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، واتهمت منافسها الجمهوري دونالد ترامب بإبداء تأييده للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وحين سألها الصحافيون عن اعتقادها بأن بوتين يريد فوز ترامب في الإنتخابات، أجابت بأنها لا تريد أن تقفز إلى هذا الإستنتاج. مشيرة الى ضرورة القيام بتحديد الحقائق لمعرفة مدى التدخل الروسي بالإنتخابات الأمريكية، على اعتبار أن واشنطن لا تقبل قيام أي دولة بالتدخل بشأنها، لا سيما روسيا التي تُعتبر خصماً. فيما عبَّرت عن امتعاضها، من الإشادة التي يلقاها بوتين من المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وذلك كونه يمُس بالأمن القومي الأمريكي.
على الصعيد الرسمي، لم تتهم واشنطن روسيا علناً بأنها المسؤولة عن اختراق أجهزة الحزب الديمقراطي، مؤكدةً أن مكتب التحقيقات الإتحادي يحقق في الأمر. لكن خبراء في مجال أمن الإنترنت ومسؤولين أمريكيين عبروا عن اعتقادهم بأن روسيا دبرت نشر رسائل البريد الإلكتروني للتأثير على نتائج الإنتخابات الرئاسية التي ستجرى في الثامن من تشرين الثاني المقبل.
ترامب والإشادة بموسكو
أشاد المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبراً أنه الزعيم الأقوى في العالم، أكثر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ودعا ترامب روسيا الأسبوع الماضي لاستخراج 30 ألفاً من رسائل البريد الإلكتروني المفقودة والتي تعود للفترة التي تولت فيها منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون، منصب وزيرة الخارجية. وهو ما أثار موجة من ردود الأفعال، في أوساط المحللين والخبراء السياسيين، الى جانب المسؤولين في المخابرات الأمريكية، على اعتبار أن ترامب يحث حكومة أجنبية على التجسس على الأمريكيين.
الإنكار الروسي
في المقابل، نفى المتحدث باسم الكرملين "ديمتري بيسكوف"، تورط موسكو في قرصنة رسائل الديمقراطيين، مؤكداً على ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عدة مرات، عن أن روسيا لم ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة أخرى خاصة الحملات الإنتخابية. وهي تحرص على تجنب أي فعل أو كلمات يمكن رؤيتها كتدخل في العملية الانتخابية.
قصة الرسائل المُخترَقة وتأثيرها على الإنتخابات
إن مجموعة الرسائل التي نشرها موقع ويكيليكس عشية المؤتمر الوطني الديمقراطي، تُثبت بحسب الخبراء بأن اللجنة الوطنية الديمقراطية، بذلت قصارى جهدها لإمالة الإنتخابات لصالح هيلاري كلينتون. وهو ما يعتبره الكثيرون مثيراً للإشمئزاز لا سيما مؤيدوا الحزب الديمقراطي. فيما أشار الخبراء الى أن مصدر المعلومات هو هاكر، مقرب من ويكيليكس اسمه "جوسيفر 2″. وهو المصدر الذي اتهمه الخبراء الأمريكيون، بعلاقته بالمخابرات الروسية، وليس جوسيفر بحسب رأيهم، إلا ساتر لتغطية آثار المخابرات، فيما تم استخدام موقع ويكيليكس كوسيلة للنشر.
تحليل ودلالات
لا شك أنه لو ثبت قيام روسيا عبر استخباراتها، بقرصنة الرسائل، فإن ذلك يُعد خطوة كبيرة في مجال الحرب السيبرية بين الدول. وهنا يُصبح السؤال الأهم حول دلائل ذلك في الحرب الباردة بين الدول. في هذا المجال نقول التالي:
أولاً: لا بد من الإشارة الى أن واشنطن استخدمت التلاعب في نتائج انتخابات العديد من الدول سابقاً، وهو ما جرى في أفغانستان على سبيل المثال. وهنا نقول أن واشنطن محقة في محاربة التدخل في شأنها الداخلي، أو خرق سيادتها، لكنها كانت دوماً الطرف الأكثر عالمياً، في فرض سياسات الدول. فيما تبدو استراتيجياتها في المنطقة واضحة، تجاه إبقاء أنظمة والقضاء على أخرى.
ثانياً: يُشكّل استخدام الفضاء السيبري، سلاحاً جديداً في الحروب بين الدول. وهو الأمر الذي بات يطال حتى الإنتخابات الرئاسية الخاصة بالشأن الداخلي من الناحية الديمقراطية. مما يعني ضرورة الإلتفات الى خطورة الصراعات التي تحصل، خصوصاً أن هذا السلاح يُعتبر فعالاً من الناحية المادية والتنفيذية. فيما يُشكِّل التطور التكنولوجي والمعلوماتي صلب استخدامه. لكن مسألة وصول الأمر الى مرحلة القدرة على العبث والتلاعب بنتائج سياسية مفصلية تخص الشأن الداخلي للدول، هو من الأمور التي تستحق الوقوف عندها.
ثالثاً: من الأمور المهمة، هو الوقوف عند مسألة دعم دولةٍ كبرى كروسيا، لوصول مرشحٍ في دولةٍ خصمة كأمريكا. وهو ما نقوله من باب التحليل وليس التأكيد. ففي حال أن ثبت علاقة موسكو بهذا الخصوص، فإن ذلك يعني إما دعم روسيا لوصول دونالد ترامب والذي يصفه الكثير من الخبراء السياسيين بأنه يمتلك مزيجاً من القومية والعنصرية والسلطوية السياسية والإقتصادية، أو، أن موسكو تحارب وصول شخصية سياسية ذات خبرة في الشأن الدبلوماسي والخارجي كهيلاري كلينتون.
رابعاً: إن الأمر يؤكد دخول الحرب السيبرية، ساحة العراك الدولي، بين الأطراف الساعية لتحديد قواعد الإشتباك السياسي على الصعيد الدولي. وهو يعني دخول الحرب الباردة بين الدول، مرحلة جديدة، لا سيما بين واشنطن وموسكو.
إن الحرب الباردة بين الدول لا سيما واشنطن وموسكو، أصبحت في مراحل تجاوزت الجغرافيا السياسية الخارجية، لتطال الجغرافيا السياسية الداخلية للدولة الواحدة. مما يجعلنا نثير الكثير من التساؤلات، حول مستقبل العلاقة بين الطرفين. في وقتٍ يبقى الغزل الأمريكي من قبل ترامب لروسيا موضع تساؤل، يبدو أن روسيا تستغل الصراعات الأمريكية الداخلية.