الوقت- ما زالت تبعات الانقلاب العسكري مستمرة حتى اللحظة حيث أن عمليات الاعتقال جارية في جميع أنحاء تركيا، والتي لم تقتصر على السلك الأمني والعسكري، بل شملت كل مناحي الدولة التركية، بما فيها جهاز القضاء. وقد سُجل حتى الآن اعتقال اكثر من ستة آلاف عسكري يشتبه بتورطهم في الانقلاب العسكري كما تم تسريح حوالي ثلاثة آلاف قاض أي ما يمثل ثلث القضاة في تركيا، وتم عزل 30 محافظاً من مختلف الولايات التركية، الأمر الذي أثار العديد من الانتقادات المحلية والدولية اتهمت أردوغان بتنفيذ إنقلاباً مضاداً وطالبت الدولة التركية بالتحلي بضبط النفس والتزام الدستور في التعامل مع تداعيات الانقلاب.
إلا أنه بالرغم من كل هذه التدابير والاحترازت، يبدو أن خطر الإنقلاب لم يزل تماماً، وذلك بالرغم من تجاوز الدولة التركية للمرحلة الحرجة منه بفضل نزول الشعب إلى الشارع ومساندة القسم الأكبر من الجيش الذي بقي وفياً لقيادته، وقد أكد وزير الدفاع التركي "فكري إيشق" فجر الإثنين 18 تموز/يوليو على نجاح "دحر الانقلاب" في البلاد، إلا أنه نفى زوال خطره بشكل كامل، وطلب من المتظاهرين في اسطنبول البقاء في حالة الجهوزية، والامعان في كل تصريح يقوله رئيس الجمهورية وعدم مغادرة الميادين.
شواهد ودلائل عديدة تشير إلى أن خطر الانقلاب مازال قائماً، وهو ما يفسر حالة الاستنفار المشهودة في مفاصل الدولة التركية، نذكر منها:
- ما تزال العشرات من المروحيات التابعة للجيش مفقودة، فيما تستمر عمليات البحث عنها على قدم وساق من قبل الجيش التركي، وقد أعلن الضابط في الجيش التركي " تونجر" على قناة "سي ان ان تورك" أن ما لا يقل عن 42 مروحية تركية قد اختفت بعد الانقلاب العسكري ما ينذر باستمرار المحاولة الانقلابية في تركيا. وقد أكد مصدر في مكتب إردوغان على حظر إقلاع المروحيات العسكرية في اسطنبول تحت طائلة اسقاطها، ما يدل على أن عدد منها مازال خارج السيطرة. وقالت مصادر غير رسمية بأن بين الحوامات المفقودة، حوامات هجومية من نوع بيل 205 وحوامات كوبرا الهجومية.
- أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمرا خاصا بإرسال مقاتلات من نوع "اف-16" للقيام بطلعات دورية في أجواء تركيا للحفاظ على أمن البلاد من أي أخطار محتملة قد تظهر من قبل بقايا اتباع الانقلاب العسكري، وفق صحيفة "ديلي صباح" التركية. وقال مصدر أمني تركي أن طائرات "اف-16" (فالكون) التركية قد تلقت أوامر مباشرة بضرب الحوامات المفقودة متى عثر عليها، ولهذا الغرض فقد تم تزويد الطيارين بهويات هذه الحوامات.
- أوردت وكالة الأناضول، أنه قد تم نشر 1800 عنصر من القوات الخاصة في المدينة، وذكرت الوكالة أن القوات الخاصة انتشرت في الشوارع والمنشآت الاستراتيجية بمدينة إسطنبول، كما تم نقل مزيد من المعدات العسكرية الخاصة إلى المدينة، واتخاذ إجراءات أمنية طارئة.
- شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأحد على ضرورة مواصلة المواطنين مواقفهم الداعمة للشرعية وبقائهم في الميادين خلال الأسبوع الجاري، قائلاً: "هذا الأسبوع بالذات يعد مهماً للغاية، لن نغادر الميادين، فأنتم من سيملؤها، وسنواصل طريقنا بشكل حازم".
- أمر حزب الحرية والعدالة جميع طواقمه في أنحاء تركيا بالاستعداد لجميع الاحتمالات والدفاع عن مقار الحزب والحكومة.
- قال "شرف مالكوج" مستشار الرئيس التركي أن من المحتمل أن يتم توزيع الأسلحة على المواطنين الاتراك لمواجهة بقايا العناصر الانقلابية التي لم تستسلم بعد.
- بقاء الرئيس أردوغان في اسطنبول وعدم عودته إلى أنقرة.
لا تبدو فرصة الانقلابيين كبيرة للعودة للمربع الأول، إذ أن نزول الشعب التركي إلى الشارع غير من كل الحسابات التي قد ترجح قدرة أي فصيل عسكري على تنفيذ أي أنقلاب على المدى المنظور، خاصة مع انكسار هيبة الجيش التركي محلياً ودولياً، وإلقاء الشعب التركي بثقله خلف قيادته المنتخبة، إلا أن هذا لا ينفي أن حالة الخطر ماتزال قائمة، كما أن إفراط أردوغان في الانتقام، في ظل الظروف الحرجة التي تمر فيها تركيا والشواهد التي مررنا عليها في هذا المقال، من شأنه أن يولد ردات فعل تؤثر على الاستقرار الداخلي، وتجر البلاد إلى اقتتال داخلي وهذا بالطبع آخر ما يحتاجه المجتمع التركي بعد هزة الانقلاب الأخيرة.