لا شك أن الخلافات التركية الأمريكية، عادت الى الواجهة من جديد، بعد الإنقلاب الذي حصل في تركيا، واتهام أردوغان لأمريكا بدعمه. فيما كان عنوان الخلاف هذه المرة، المعارض التركي، فتح الله غولن، والذي تتهم أنقرة واشنطن بحمايته. وهو الأمر الذي يمكن القول أنه يدل على التناقض الأمريكي في التعاطي مع الحلفاء. في حين يعتبر الكثيرون، أن غولن هو بمثابة ورقة الضغط الأمريكية، على تركيا، وتحديداً أردوغان، إرضاخاً له، ومحاولةً لفرض الشروط عليه. فيما شكَّلت الإنعطافة الأخيرة لأردوغان لا سيما في الملف السوري، خروجاً عن الطاعة الأمريكية. فماذا في الخلاف التركي الأمريكي؟ وكيف يُشكل غولن، دليل براغماتية أمريكا، في التعاطي مع الحلفاء؟
الخلاف التركي الأمريكي
طالب رجب طيب أردوغان، أمريكا بتسليم فتح الله غولن، في وقتٍ اتهمها بالضلوع في دعم الإنقلاب الذي حصل في تركيا. فيما أكد وزير الخارجية الأمريكية، جون كيري، بأن أمريكا تنظر في الطلب التركي تسليم فتح الله غولن، على الرغم من أنها لم تتلق أي طلب رسمي من الجانب التركي بهذا الشأن. فيما دعا الحكومة التركية، لتقدم أي دليل شرعي، يحتمل التمحيص والتدقيق. وهو ما قد تقبله واشنطن وتنظر فيه وتُصدر حوله الأحكام بالشكل المناسب.
فتح الله غولن
يُقيم فتح الله غولن، المعارض التركي البالغ من العمر 75 عاماً، في ولاية بنسلفانيا الأمريكية منذ عام 1999. وذلك بعد أن اتهمه القضاء التركي بتُهم تتعلق بأنشطة مناهضة للعلمانية، عبر "حركة غولن" التي تقول إنها تقوم بنشر الثقافة التركية في كافة أنحاء العالم. كما تقوم بدعم أكبر صحف المعارضة التركية انتشاراً، وهي صحيفة "زمان" التركية.
حركة "حزمة"
بحسب صحيفة "نيويورك تايمز"، فإن أمريكا تدعم غولن لقدرته وعبر حركة "حزمة" والتي هي مبادرة عالمية، على إدارة ما وصفته الصحيفة بالإسلام المعتدل الذي يتطابق مع المصلحة الأمريكية والمصالح الغربية. فيما تعمل المنظمة على خرق الجهاز الحكومي التركي وكذلك المجتمع التركي، عبر بوابة الخدمات الإجتماعية التي تقدمها. من خلال إنشاء المئات من المدارس المختلطة ومراكز الدروس الخصوصية المجانية والمستشفيات. وهو ما أثمر في إيجاد شبكة من المؤسسات في العديد من الدول في العالم، ومنها على سبيل المثال مدارس "الوئام" العامة، والتي تعتبر أكبر شبكة مدارس مستأجرة في ولاية تكساس.
الخلاف الأمريكي التركي: تحليل ودلالات
إن الخلاف التركي الأمريكي حول العديد من الملفات، انتهاءاً بالخلاف حول قضية المعارض فتح الله غولن، وأسباب حمايته من قبل واشنطن، هو من الأمور التي يمكن الوقوف عندها، للدلالة على التالي:
- على الرغم من أن تركيا كانت حليفاً مُقرباً من الطرف الأمريكي، خصوصاً في ما يتعلق بملفات المنطقة لا سيما الملف السوري، كان فتح الله غولن ينعم بالحماية الأمريكية. وهو ما يدل على حجم التناقض الذي تتَّسم به السياسة الأمريكية.
- وهنا فإن واشنطن كانت تتعاطى مع ملف غولن، كورقةٍ للضغط على أردوغان وحزبه، في حال قرَّر الخروج عن الطاعة الأمريكية. فيما يتفق الجميع على أن التغيُّر في وقائع الأزمة السورية، وتعقيداتها، دفع بأردوغان للإنعطاف بسياسته الخارجية، بالطريقة التي يراها مناسبة.
- ولعل أهم ذلك يتعلق بملفي الأكراد والمعارضة الداخلية. وهو الأمر الذي نجد أنه شكَّل بداية الخلافات الأمريكية التركية، خصوصاً بعد أن طالب أردوغان أمريكا بالإختيار بين الأكراد أو تركيا. الأمر الذي أخرجه ليس فقط عن الطاعة الأمريكية، بل جعله بحكم المُتمرد على السياسة الأمريكية.
- لذلك نجد أن الملف السوري الذي كان بداية التناغم الأمريكي التركي بأعلى مستوياته، شكَّل نفسه السبب في الخلاف الأخير. لا سيما بعد تغيُّر الواقع لصالح محور المقاومة الذي تقوده إيران. فيما شكَّلت الجغرافيا السياسية لتركيا، واقعاً يفرض على الأتراك، ضرورة التنبه للمخاطر المُحدقة.
- لنقول أنه وكما شكَّل ملف الأكراد ورقةً بيد الأمريكيين، يسعون لكسبها في الميادين السورية والعراقية والتركية، شكَّل المعارض فتح الله غولن، ورقة ضغطٍ على النظام التركي. إذ أن أغلب الموافين على فرضية الدعم الأمريكي للإنقلاب الذي فشل في تركيا، يستدلَّون بذلك على أن أردوغان بات يدفع ثمن لجوئه للطرف الروسي، وإنعطافه فيما يخص الملف السوري.
بعيداً عن الحكم في حقيقة الإنقلاب ومن يقف وراءه، يمكن القول أن العلاقة الأمريكية التركية ليست إلا نموذجاً للسلوك السياسي الأمريكي في التعاطي مع الحلفاء. فيما لم يكن الوعي السياسي التركي من قبل أردوغان وحزبه، بمستوى فهم حقيقة الطرف الأمريكي. لنصل الى نتيجةٍ مفادها، أن الواقع التركي، قد يكون يدفع ثمن الإنحياز التركي للمصالح الأمريكية، دون الوقوف عند مصالح الأمن القوي التركي. فيما لا يُعد سلوك واشنطن، مُستغرباً، فهي كانت تحتضن فتح الله غولن، حين كانت علاقتها بتركيا، أقوى من اليوم بكثير.