الوقت- انضمت فرنسا أمس إلى روسيا في دعوتها الصريحة لضرب "جبهة النصرة" (فرع تنظيم القاعدة) في سوريا. وبالرغم من أنه ليست المرة الأولى التي تطالب فيها فرنسا بالتصدي لجبهة النصرة أو إدراجها على قائمة الارهاب، إلا أنها كانت المرة الأكثر وضوحاً وصراحة في الدعوة لمواجهة هذه الجماعة الارهابية.
فقد دعا أمس الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند كل من روسيا وأمريكا إلى تحرك فعال ضد "جبهة النصرة" في سوريا إلى جانب الغارات على مواقع جماعة "داعش"، واكد على ضرورة التنسيق بين جميع الاطراف وخصوصا الروس والاميركيين بهذا الاطار.
وقال هولاند في ختام اجتماع مع نظيره الاميركي "باراك اوباما" والمستشارة الالمانية "انجيلا ميركل" ورئيسي الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" والايطالي "ماتيو رينزي" اضافة الى الرئيس الاوكراني "بترو بوروشنكو"، انه "يجب تجنب ان تعزز المجموعات الاخرى قوتها بالتوازي مع إضعاف "داعش".
هذه الحساساية الفرنسية المتصاعدة تجاه جبهة النصرة، مردها القلق من الدعم العلني الذي تحظى به هذه الجماعة من أطراف اقليمية تحت المظلة الأمريكية، وتعاظم دورها في سوريا، وتمتع أفرادها بالخبرة التي تؤهلهم للقيام بعمليات ارهابية احترافية في شتى أنحاء العالم، وذلك نتيجة للتدريب والأسلحة التي قدمتها لهم دول اقليمية وازنة.
ففرنسا التي اكتوت بنار الأرهاب أكثر من غيرها من الدول الأوروبية، أيقنت أن استدامة الأزمة السورية بدأت تعطي نتائج عكسية، وأن نيران الارهاب لم تستثن حتى الدول الداعمة لها، وأن سياسة الاستفادة من الارهاب لتحقيق مكاسب سياسية، تنطلي على كثير من المخاطرة، خاصة وأن الدول الداعمة للجماعات الارهابية والتي على علاقة مباشرة معها تبدو أضعف من أن تسيطر على نيرانها.
هذا المطلب الفرنسي يعكس بشكل عام المزاج الأوروبي تجاه ما يحدث في سوريا، حيث يبدو أن هذا الموقف الأوروبي بدأ يتغير ولو جزئياً تجاه الأزمة السورية، الأمر الذي بدا جلياً في زيارة الوفود الأوروبية إلى سوريا، ولقائها من الرئيس بشار الأسد، والتي كان آخرها الزيارة التي قام بها أمس وفد البرلمان الأوروبي برئاسة نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان "خافيير كوسو".
الرئيس الأسد أشار في مقابلة مع تلفزيون "إس بي إس" الأسترالي في 30 حزيران/يونيو، "أن الحكومات الغربية ترسل مسؤوليها الأمنيين للتفاوض "سرًّا" مع الحكومة السورية في دمشق، بينما تحمل تصريحاتهم الرسمية موقفًا مغايرًا"، ومن غير المستبعد أن تكون فرنسا أحد الدول التي عناها الأسد في حديثه.
أما أمريكا، فلم تستجب لكل الدعوات الروسية لضرب جبهة النصرة، وبقيت تضع فيتو على هذا الأمر، متذرعة بوجود جماعات معارضة "معتدلة" في أماكن متشابكة مع أماكن جبهة النصرة، الأمر الذي انعكس على الميدان في جبهات القتال المختلفة، خاصة مع ظروف فرض الهدنة التي استفادت منها الجماعات الارهابية لاحراز تقدم في ريف حلب الجنوبي وريف اللاذقية.
من الواضح أنه لا يوجد جدية لدى أمريكا لضرب جبهة النصرة، وإن كانت أمريكا قد تحركت بشكل محدود ضد تنظيم "داعش" في سوريا مؤمنة الغطاء الجوي لـ "قوات سوريا الديموقراطية" في محيط مدينة منبج وريفها، إلا أنها لم تقدم على أي خطوة من شأنها إضعاف جبهة النصرة أو توجيه أي ضربة جدية لها.
أسباب التلكؤ الأمريكي في ضرب جبهة النصرة
أولاً: تشكل جبهة النصرة القوة الضاربة للجماعات المسلحة في سوريا، حيث أنها تلعب الدور الأبرز في جيش الفتح الذي يبسط سيطرته على إدلب، خاصة بعدما انحسر دور حركة أحرار الشام لصالح جبهة النصرة التي أصبحت تسيطر على مفاصل القرار فيه. ومن دون جبهة النصرة ستخسر المعارضة السورية معظم قدرتها العسكرية على الأرض ولن يكون بإمكانها تثبيت وجودها العسكري في معظم المناطق التي تسيطر عليها، وبالتالي سيكون موقفها ضعيفاً على طاولة المفاوضات.
ثانياً: تشكل جبهة النصرة الأداة الأمريكية في نشر الفوضى الخلاقة، وهي أداة تحت السيطرة إلى حد ما إذا ما قورنت بتنظيم "داعش" الارهابي، حيث أن حلفاء أمريكا الاقليميين (المتمثلين بقطر والسعودية وتركيا) لديهم تأثير واضح على هذه الجماعة الارهابية.
ثالثاً: ترى أمريكا نفسها -خلافاً للدول الأوروبية القريبة من الشرق الأوسط والتي تواجه موجات كبيرة من المهاجرين- بأنها بعيدة عن مخاطر الارهاب على المدى المتوسط والقريب، وهذا يشجع أمريكا على المضي أكثر في لعبة استخدام ورقة الارهاب لإستنزاف الخصوم.
رابعاً: ما تزال أمريكا تعول على قدرة حليفها القطري على إقناع جبهة النصرة بقطع علاقتها مع تنظيم القاعدة، وزعيمه أنور الظواهري، وتعلن عن نفسها "جماعة معتدلة"، وتفيد أنباء بأن اجتماعات جرت في قطر بين قيادات من جبهة النصرة ومسؤولين أمريكيين لمناقشة هذا الأمر.
خامساً: تحقق جبهة النصرة مصلحة لأمريكا وحليفتها "اسرائيل" في استنزاف قوى المقاومة على الأرض السورية، والمتمثلة بالجيش السوري وقوات حزب الله، والجماعات الفلسطينية التي تقاتل إلى جانب الجيش السوري، خاصة وأن الدافع الطائفي التكفيري لدى لجبهة النصرة يشكل محركاً وحافزاً قوياً يصب في مصلحة إضعاف خصوم واشنطن في المنطقة.
سادساً: الرضى الاسرائيلي على جبهة النصرة، يشكل دافعاً لأمريكا لعدم التعرض لهذه الجماعة الارهابية، إذا أن الكثير من جرحى النصرة قد تلقوا العلاج في المستشفيات الاسرائيلية، وبالرغم من تواجد هذه الجماعة في الأماكن القريبة من الحدود مع الكيان الاسرائيلي، لم تشكل أي خطر جدي على اسرائيل يستدعي من أمريكا التصدي لها.
إن الدول الأوروبية التي تخشى أن تُغضب أمريكا، وتتبع في سياستها للإرادة الأمريكية، ستجد نفسها رويدا رويدا غارقة بمخاطر الارهاب، مالم تستدرك موقفها وتقف بحزم في وجه الإرادة الأمريكية وتطالب بحل سياسي للأزمة السورية بعد القضاء التام على الجماعات الارهابية.