الوقت- تملک منطقة الجولان السوري المحتل أهمية استراتيجية کبری في الصراع مع العدو الاسرائيلي ولا تزال هذه المنطقة السوریة خاضعة للاحتلال الاسرائيلي منذ عام 1967 , مع تواجد لعدد من عناصر من قوات الامم المتحدة لحفظ السلام التي تعمل على مراقبة الالتزام باتفاقية فض الاشتباك القائمة بين سوريا والکيان الاسرائيلي في تلك المنطقة .
تعود اهمية هذه المنطقة الى الموقع الاستراتيجي الذي تحتله حيث تطل وتتداخل مع مناطق واسعة جدا من الشمال الفلسطيني وكذلك مع الحدود الجنوبية الشرقية للبنان في اتصال عبر سلاسل جبلية مرتفعة "مزارع شبعا" مما يجعلها منطقة حساسة جدا لما توفره من عوارض طبيعية تعطي القوات السورية سيطرة على الرؤية والنيران على كامل الشمال الفلسطيني وتعتبر نقطة ضعف معتد بها للجيش الاسرائيلي فوجود قوات سورية فيها يهدد الامن الاستراتيجي للكيان الصهيوني , كما تتصل في اخرها بالحدود الشمالية الاردنية, هذا فضلا عن اهميتها من الناحية الاقتصادية حيث تعتبر من المناطق السياحية ذات الاهمية الكبرى كما تحتوي على مصادر مياه مهمة جدا ومرتفعات جبلية شاهقة تدعى مرتفعات جبل الشيخ الشهيرة كلها شكلت عوامل جذب للاطماع الاسرائيلية .
بعد ثبات اعلامي طويل حول هذه المنطقة , وفي ظل الأزمة السورية القائمة تعود الى الواجهة حيث يسلط الاعلام الضوء كثيرا على مجريات الاحداث فيها خلال الازمة السورية لا سيما حول الاشتباكات القائمة بين الجيش النظامي السوري واللجان الشعبية من جهة والجيش السوري الحر وجبهة النصرة التي تسيطر حاليا على اغلب النقاط المهمة في الجولان لا سيما معبر القنيطرة الحدودي وسط تواصل الاشتباكات بين الطرفين المترافق مع دخول الدور الاسرائيلي على خط الازمة من خلال دعمه الظاهر الذي لم يعد يخفى على احد للمجموعات المسلحة عبر تقديم الدعم الناري واخره اسقاط طائرات سورية كانت تقوم بمهام في اجواء المنطقة وكذلك قصف مواقع الجيش السوري النظامي وتقديم الدعم اللوجستي والمعلوماتي للمسلحين وكذلك ما اصبح ظاهرة اعتيادية مؤخرا حول معالجة جرحى المجموعات المسلحة داخل الكيان الصهيوني .
لهذا فإن اسرائيل تلعب دورا مهما وعلنيا وتساهم في توسيع رقعة تواجد جبهة النصرة ومساعدتها لبسط سيطرتها على كامل الحدود معها بالتزامن مع فتح باب الاتصال والتعاون سعيا لتطوير العلاقات بينها وبين هذه المجموعات انطلاقا من تقاطع مصالح مشتركة بينهما يهدف الى استبعاد الجيش النظامي السوري المعادي لاسرائيل واستبداله بمجموعات تخطط اسرائيل لبناء علاقات معها عبر تأمين الاحتضان والرعاية لها على عدة مستويات في تجربة تذكرنا بما سمي سابقا بجيش لبنان الجنوبي ابان احتلال اسرائيل للبنان قبل العام 2000 الذي كان يشكل حارسا للمواقع الاسرائيلية وخادما طائعا تستعيض فيه اسرائيل عن التواجد المباشر في مناطق الاشتباك الامامية مع فصائل المقاومة فيؤمن لها الحماية على خطوط الاشتباك المتقدم , ولهذا تسعى اسرائيل من خلال هذا الاتصال والدعم الى تحسين علاقاتها مع هذه الفصائل لا بل تغطيتها في المحافل الدولية حيث قامت جبهة النصرة مؤخرا في ايلول السنة الحالية بالاعتداء على قوات الامم المتحدة واحتلال مواقعها واحتجاز عدد من عناصر الكتيبة بعد اشتباكات بينهما في ظل صمت اسرائيلي مطبق لا بل مر الحدث دون توجيه اي اتهام مباشر من الامم المتحدة لجبهة النصرة وذكرها بالاسم وهذا ناتج عن الدعم الاسرائيلي الذي حال دون التعرض للجبهة بشكل مباشر واتخاذ اجراءات بحقها من قبل المجتمع الدولي وكذلك فإن تغييرات حصلت في ما يقارب الاشهر الماضية على مستوى قيادة الفصائل التابعة لجبهة النصرة حيث تم عزل بعض القادة الميدانيين الذين لم يكونوا على مستوى الطموح الاسرائيلي ليتم استبدالهم باخرين اكثر استعدادا للتعاون مع الكيان الصهيوني في تناغم واضح جدا بين الجبهة والعدو الاسرائيلي , هذا على مستوى الدعم الاسرائيلي .
أما على مستوى جبهة النصرة وسلوكها في تلك المنطقة فإن الجبهة منذ النكسة التي منيت بها في منطقة درعا أخذت بشكل جدي تعزز وتتمسك بتواجدها في هذه المنطقة فإنها تعتبر وجودها في هذا العارض الجغرافي من احد الاهداف الاستراتيجية في صراعها مع الجيش السوري النظامي وحلفائه حيث تستفيد من الدعم الاسرائيلي لتعزيز صمودها وانتشارها وكذلك من القيود الدولية التي تفرض على سوريا الالتزام بقواعد المعاهدة المسماة فض الاشتباك والتي تحد من حركة وقدرة الجيش السوري في الجولان , كما تؤمن العمق والخلفية المتعاونة والامنة للجبهة . لهذا فإن تواجد الجبهة في مناطق الجولان ينعكس برأيي على النظام السوري بصورتين الاولى سلبية والاخرى ايجابية. أما من الناحية الايجابية فإن تواجد مجموعات غير منضبطة من الجماعات المسلحة الى جانب الحدود الاسرائيلية يجعل من الحدود منطقة متفلتة ليست خاضعة لسيطرة قوات يمكن محاسبتها على قرارها وسلوكها كما الحال مع اي جيش تابع لدولة لها تمثيلها في الامم المتحدة وهذا يجعل من الحدود الاسرائيلية منطقة مقلقة للاسرائيلي مهما حاول في اعلامه وتصرفاته الايحاء بالتناغم الكامل مع هذه المجموعات او ايهام نفسه ضمن حسابات خاطئة فإن سلوك هذه الجماعات مع اسرائيل له خلفية وحيدة انما هي نتاج تقاطع مصالح ومع انتهاء المصلحة تدرك اسرائيل جيدا ان هذه العلاقة ستتخذ طابعا اخر وسط تصريحات صدرت من قيادات في القاعدة هددت فيها ولو بشكل غير جدي اسرائيل بأن قواتهم أصبحت على حدود بيت المقدس وأن راياتهم السوداء ترفرف على اكناف فلسطين وكذلك فإن وجود هذه المنطقة في يد غير يد النظام يجعلها في خانة منطقة الصراعات التي تحكمها الفوضى وبالتالي يمكن لأي لاعب يريد توجيه رسائل سياسية أن يستفيد من تفلت المنطقة ويوجه لاسرائيل رسائله من دون ان تستطيع اسرائيل توجيه الاتهام للنظام السوري وقد حصل هذا قبل شهور عبر تفجير عبوة بالية عسكرية اسرائيلية في هذه المنطقة وكانت العملية قد اعادت للاسرائيلي حساباته الجدية حول حقيقة استقراره وسيطرته في هذه المنطقة منذ زمن طويل . أما على مستوى العواقب السلبية على النظام السوري فإن بقاء الجماعات المسلحة المتمثلة بجبهة النصرة وبعض الفصائل في الجولان يمكن هذه القوى من تأمين خط امداد لمناطق درعا ومحيطها ويؤمن الاتصال مع الحدود الاردنية لتوافد العديد والعتاد والدعم ويحول دون تمكن النظام من احكام السيطرة على حدوده الجنوبية كما أن هذا التواجد يصل الى حدود دعم وتعزيز تواجد الجبهة في مناطق ريف دمشق ومحيطه القريبة من ريف درعا مما يبقي النظام في دائرة الاستنزاف في هذه المناطق ومن ناحية اخرى فإن في مناطق الجولان تواجد لقرى سورية درزية تعتبر موالية للنظام وهذا يشكل ورقة ضغط بيد الجبهة ايضا تستفيد منها لابتزاز النظام والضغط عليه. من ناحية أخرى فإن اتصال الجولان بمناطق مزارع شبعا وسلاسل جبال لبنان الشرقية يعطي للجبهة القدرة على الاتصال بمناطق داخل الاراضي اللبنانية ويؤمن لها ممرات دعم اضافية في مناطق مهمة جدا كالبقاع الغربي وشبعا والقلمون حتى الزبداني وكذلك السيطرة على منطقة المعبر الحدودي بين لبنان وسريا المهمة جدا التي تدعى ب " منطقة المصنع " وهذا يضع في يدها ورقة من الضغط على الحكومة اللبنانية وحلفاء سوريا عبر تحريك الصراع في هذه المناطق وفق المصلحة ويجبر ايضا حلفاء سوريا على استنزاف جزء مهم من قدراتهم وتركيزهم على هذه المناطق الوعرة والصعبة والتي تتطلب جهودا كبيرة للسيطرة عليها وحمايتها لما تعتبر من منطقة امن استراتيجي لها يهدد ايضا تواجدها في مناطق مهمة جدا من الجنوب الشرقي للبنان وكذلك الاستفادة من الداخل اللبناني كخلفية آمنة في المناطق التي يلاقون فيها تعاطفا شعبيا في المناطق المذكورة.
كل هذه المعطيات تجعل النظام السوري امام واقع يتطلب منه البقاء على استعداداته وتأهبه وبذل الجهود لمنع بسط سيطرة المسلحين على كامل الاراضي في الجولان ويجعل المنطقة منطقة صراع مهمة للغاية لها انعكاساتها على الازمة السورية وكذلك لها ارتباطها بالقضية الفلسطينية والصراع العربي الاسرائيلي المختصر نوعا ما في لبنان وسوريا وقضاياهما في تلك المنطقة ويبقيها ضمن مناطق الصراع الاستراتيجية .