بالرغم من أن اتفاق الهدنة في سوريا والذي جاء برعاية كل من موسكو وواشنطن، قد نص بشكل صريح على استثناء كل من "داعش" و"جبهة النصرة" الارهابيين من وقف الاعمال القتالية، إلا أن الواقع الميداني يجري بشكل واضح لصالح هذه الجماعات الارهابية المسلحة، والمدرجة أمريكياً وغربياً على قائمة الارهاب، الأمر الذي يعزيه مراقبون إلى الخلط الممنهج الذي تتبعه الدول الغربية، في تعريف الجماعات الارهابية والمعارضة المعتدلة، والضغوط الحاصلة على النظام السوري الذي يواجه بروباغندا اعلامية تتهمه بقصف مناطق المدنيين، لمنعه -تحت عنوان المحافظة على الهدنة- من التصدي لتمدد هذه الجماعات.
من خلال رصد التعاطي الغربي مع الهدنة في سوريا والموقف من الجماعات الارهابية المسلحة خلال هذه الفترة، نشير إلى النقاط التالية:
- أكدت الدول الغربية في عدة مناسبات إلى ضرورة الحفاظ على الهدنة، حيث طالبت أمريكا والدول الغربية خلال اجتماعها في 25 أبريل/ نيسان الماضي، في مدينة هونوفر الألمانية، والذي ضم إلى جانب أمريكا كل من إيطاليا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، أطراف الصراع باحترام اتفاق وقف العمليات القتالية، وتفعيل مسار المفاوضات. هذا الموقف تبعه عدة تصريحات من وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بضرورة الحفاظ على وقف اطلاق النار.
- عارضت الدول الغربية تصنيف "جيش الاسلام" وحركة "أحرار الشام" كجماعات ارهابية، حيث أعاقت أمريكا وبريطانيا وفرنسا وأوكرانيا، الاقتراح الذي قدمته روسيا إلى الأمم المتحدة في 26 أبريل/نيسان، لوضع هاتين الجماعتين المسلحتين على قائمة الارهاب.
- لم تف أمريكا لموسكو بتعهدها بافراغ مناطق داعش والنصرة من وجود "المعارضة المعتدلة"، وعزل الجماعات الارهابية عن تلك المصنفة "معتدلة"، بما يمكن من محاربة الارهاب دون المس باتفاق الهدنة، بل إن الجماعات المسلحة المتمثلة بجيش الفتح الذي يضم إلى جانب جبهة النصرة حركة احرار الشام وست فصائل معارضة، شهدت نشاطاً قتالياً مكثفاً تجلى في معركة خان طومان جنوب مدينة حلب والتي أديرت من خلال غرفة عمليات مشتركة وبدعم اقليمي واضح.
- مارست الدول الغربية بروباغندا اعلامية ضد النظام السوري وحلفائه، تجلت من خلال تحميل النظام السوري مسؤولية خرق الهدنة الذي حصل جراء القصف الذي مارسته الجماعات المسلحة على مدينة حلب، والادانات التي صدرت من هذه الدول ضد النظام السوري بهدف الضغط على النظام السوري والحد من عملياته ضد الجماعات الارهابية، بما فيها جبهة النصرة في ريف حلب.
- تجاهلت الدول الغربية الأنباء حول الدعم الذي حصلت عليه الجماعات الارهابية خلال فترة الهدنة من دول اقليمية حليفة للغرب، حيث أعلن "المركز الروسي في حميميم" في سوريا عن وصول نحو 70 مسلحا و3 عربات شحن مليئة بالذخائر إلى قرية عندان من تركيا لتعزيز صفوف جبهة النصرة الارهابية.
- كما كان هناك تجاهل ملحوظ من الغرب للمجازر التي ارتكبتها الجماعات الارهابية ضد المدنيين، التي كان آخرها ما حصل في بلدة الزارة في ريف حماة والتي خلفت مئات الأبرياء بين قتلى وأسرى.
بهذه النقاط تتلخص السياسة الغربية تجاه الهدنة في سوريا، حيث المطلوب أمريكياً، هو هدنة سورية على مقاس المصالح الغربية، هدنة تستثني اسمياً داعش والنصرة دون التمكين من محاربتهما، ففي الوقت الذي تصر فيه أمريكا والغرب على تنفيذ الهدنة في سوريا، تغيب أي مساعي جادة من قبل الدول الغربية لمحاربة هذه الجماعات الارهابية وقطع الامدادات الخارجية عنهما ومنع تدفق المسلحين إليهما، وذلك بالرغم من الحرب المعلنة على الارهاب، والتي حشدت فيها أمريكا أكثر من ستين دولة في اطار تحالف عسكري كبير، يضم أعتى جيوش.
ومما سبق يمكن أن نلخص الأهداف الحقيقية للغرب من الهدنة في سوريا بما يلي:
- وقف تقدم الجيش السوري على مختلف الجبهات في سوريا، لا سيما بعدما تعرضت الجماعات الارهابية لضربات موجعة في الريف الحلبي الشمالي والجنوبي، وفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء.
- حرمان النظام السوري من ورقة تفاوض في محادثات جنيف، تمليها الانتصارات العسكرية التي حققتها سوريا مع حلفائها في الفترة التي سبقت الهدنة، ومحاولة قلب الكفة لصالح المعارضة.
- اعطاء فرصة للجماعات الارهابية المسلحة لأخذ النفس وإعادة ترتيب الصفوف وحشد المزيد من المقاتلين على الجبهات المختلفة، وإعادة رسم الخطط من جديد.
- منع الحسم في سوريا، سواء لصالح النظام أو الجماعات الارهابية، وذلك بهدف إطالة أمد الأزمة إلى أقصى مدة ممكنة، عملاً بنظرية الفوضى الخلاقة، بما يخدم مشروع الشرق الأوسط الجديد وفق الرؤيا الأمريكية.
ويبقى السؤال الذي يراود الكثيرين هذه الأيام، ما هو الموقف الروسي تجاه ما يحصل؟ حيث يرى مراقبون أن أمريكا خدعت روسيا بشأن الهدنة، التي التزمت بها موسكو من طرف واحد، فيما كانت أمريكا وحلفاؤها أكبر المستفيدين، فهل سيتدارك الجانب الروسي الأضرار التي حصلت؟