الوقت - تعتبر منطقة الشرق الأوسط صاحبة التاريخ الحافل من أكثر المناطق توتراً وإضطراباً في العالم.
ومن الأسباب التي أدت إلى هذا التوتر هو الموقع الجغرافي المتميز لهذه المنطقة بإعتبارها جسراً يربط الشرق بالغرب، ومنبعاً لثروات طبيعية هائلة، ومصدراً عظيماً للطاقة.
ومن دون معرفة دقيقة لتاريخ وجغرافية هذه المنطقة وتنوّعها الإثني والديني، من الصعب جداً إيجاد حلول لأزماتها إن لم يكن ذلك مستحيلا.
فهذه المنطقة هي مهبط الأنبياء والرسالات السماوية من ناحية، وكانت مسرحاً لمعارك وحروب طاحنة لا حصر لها على مر الزمن من ناحية أخرى.
وأهمية الشرق الأوسط الإستراتيجية تنبع في الحقيقة من عمقه التاريخي وثقله الإقتصادي والثقافي، ودوره في صناعة الحضارات وتأثيره المباشر على باقي مناطق العالم، والذي لا يُتصور أن ينتهي في يوم ما حتى وإن نضبت ذخائر النفط ونفدت خزائنه.
ولهذه الأسباب وغيرها حظي الشرق الأوسط باهتمام العالم، وباتت السيطرة على مقدراته الشغل الشاغل للقوى الكبرى. ومن هنا نشأت الأزمات في هذه المنطقة الحساسة.
وخلال أكثر من نصف قرن كان الصراع العربي - الاسرائيلي حول قضية فلسطين يمثل الأزمة الرئيسية في الشرق الأوسط، لكنه إنحسر وتم تهميشه في خضم الأزمات والحروب التي تشن حالياً بالوكالة من قبل أطراف متعددة في المنطقة.
والصراعات التي يشهدها الشرق الأوسط في الحقيقة هي صراعات داخلية ناجمة في أغلب الأحيان عن تدخلات أجنبية تسعى لتأجيج الفتن الطائفية والعرقية في دول المنطقة. ولهذا يمكن القول إن هذه الصراعات فيها خاسرون ولكن ليس فيها رابحون لأنها تحدث في الغالب بين أبناء البلد الواحد، ولعل هذا يعد سبباً كافياً كي ترتفع الأصوات المنادية بالسلم بدلاً من الإستمرار بقرع طبول الحرب.
يتطلب تحقيق السلم السعي لتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين، والإبتعاد عن لغة التصعيد، واحترام كل طرف لحقوق الطرف الآخر والتحرك في إطار المصالح المشتركة، وهذا يتطلب بدوره التحلي برؤية ثاقبة لتغيير المعادلة القائمة من حالة الصراع إلى حالة السلم.
وتحليل الأمور من خلال الإيمان فقط بأن تنظيم "داعش" الإرهابي هو نتاج الفكر الوهابي المتطرف دون معرفة الأسباب الأخرى لنشوئه لا يمكن أن يكون أساساً لبناء منظومة فكرية وسياسية قادرة على إحلال السلام في المنطقة.
وإذا ما تمكنا من التوصل إلى إجابة معقولة ومقنعة لما ينبغي فعله لمواجهة التحديات والأزمات في المنطقة سنكون عندها قد وجدنا حلاً للخروج من الطريق المسدود. ولابد هنا من التذكير بأن الفكر التكفيري الذي يبتنى على روايات موضوعة من شأنه أن يُديم نزيف الدم في الشرق الأوسط لاسيّما في ظل الظروف المضطربة والمتوترة التي تعصف بالمنطقة.
وتجدر الإشارة كذلك إلى أن الروايات المختلفة والمتناقضة التي تروّج لها الأطراف والجماعات المتصارعة في الشرق الأوسط لتبرير أفعالها، بحاجة هي الأخرى إلى تحرك موازٍ على الأرض يأخذ على عاتقه بناء قاعدة فكرية تخدم السلم في المنطقة، وذلك من خلال تهيئة أجواء ملائمة لتقريب وجهات النظر بين هذه الاطراف.
وثمة مسألة أخرى يجب الالتفات إليها وهي ضرورة العمل على إيجاد منظومة فكرية في أوساط النخب الثقافية والزعماء السياسيين المؤثرين في الشرق الأوسط للتحرك نحو إيجاد حلول جذرية لأزمات المنطقة وعدم الإكتفاء بكيفية إدارة هذه الأزمات أو محاولة تطويقها من خلال تطويق تداعياتها.
ونظراً لتشابك خيوط الأزمات في الشرق الأوسط ينبغي التعاطي مع هذه الأزمات برؤية إستراتيجية شاملة تشترك في صياغتها وبلورتها كافة الأطراف المعنية من أجل التوصل لحلول عملية ومناسبة لهذه الأزمات، حتى وإن تطلب الأمر مضاعفة الجهود لتحقيق هذا الهدف.
أخيراً يجب القول إن تسوية الأزمات في الشرق الأوسط يتطلب الإسراع بوضع حلول عاجلة لهذه الأزمات وعدم فسح المجال لصوت الحرب أن يعلو على بقية الأصوات، لكي لا نكون أمام معضلة حقيقية تنسف كل الجهود الرامية إلى إقرار السلام في المنطقة، وربّما يقودنا ذلك إلى نقطة اللاعودة. فالحرب والسلم يسيران بطريقين متعاكسين؛ فإذا ما أخترنا السير في أحدهما فإننا حتماً سنترك الطريق الآخر. وكما أن الحرب لا تندلع في الأعم الأغلب دون مقدمات؛ فكذلك السلم لا يمكن تحقيقه دون مقدمات. ولهذا ينبغي التحلي بالعقلانية والبصيرة وتعزيز التعاون بين جميع دول الشرق الأوسط وحشد الطاقات والإمكانات لإقرار الأمن والسلم في ربوع المنطقة وإبعاد شبح الحرب عنها، لاسيّما وأن العديد من الدول الغربية بات يشعر بخطر الإرهاب والتطرف على أمنه وإستقراره، وهذا من شأنه أن يُسهم في إنجاح الخطط والبرامج التي تضعها دول المنطقة لمواجهة هذا الخطر.