خرج باتريك كوكبرن مراسل صحيفة The Independent في الشرق الأوسط، ليتحدث وبصراحة عن الأثر الذي أحدثه التدخل الأمريكي والبريطاني في اليمن. ولم يُخف الكاتب سخطه من السياسة الأمريكية، الى جانب انتقاده للسعودية وتصرفاتها التي اعتبرها لا ترتق لمستوى التصرفات المسؤولة. فيما كان واضحاً بإنتقاده الدور الغربي تحديداً الأمريكي والبريطاني، واعترافه بأخطاء هذه الدول. فماذا في المقال الذي نشره الكاتب في صحيفة الإندبندنت؟
في البداية تجدر الإشارة الى أن الكاتب باتريك كوكبرن، عمل في السابق مراسلاً لصحيفة Financial Times، ويكتب بانتظام لمجلة London Review of Books الفكرية الأدبية. وقد قام بتأليف ثلاثة كتب عن تاريخ العراق الحديث. كما اشتهر بكتبه التي تنتقد السياسات الغربية تجاه الحركات الأصولية، وكان آخرها كتابه تحت عنوان "داعش وعودة الجهاديين". لكن ماذا في مقاله الأخير؟
نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية يوم الجمعة في 15 نيسان المنصرم، مقالاً للصحفي البريطاني الشهير باتريك كوكبرن، تحت عنوان (In Yemen, our intervention has given al-Qaeda the upper hand)، وهو ما ترجمته "بسبب تدخلنا في اليمن، أعطينا تنظيم القاعدة اليد العليا"، والذي ألقى فيه اللوم على التدخل البريطاني والأمريكي في اليمن، مما سبب بحسب تعبيره "عراقاً" و"داعشاً" جديداً. وقال الصحفي كوكبرن، إن تنظيم القاعدة شكَّل دويلة خاصة به، وذلك بفضل التدخل البريطاني والأمريكي. مبيناً أننا (أي العالم) نشهد داعش وعراق جديد في اليمن. ولفت، أنه كما حدث مراراً وتكراراً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، فشلت واشنطن ودول مثل بريطانيا في مكافحة الإرهاب. فيما أعاد الكاتب الأسباب لإعطاء هذه الدول الأولوية للحفاظ على تحالفاتهم مع السعودية والدول الخليجية. وأضاف "ها هم مرة أخرى يفعلون ذلك، الولايات المتحدة وبريطانيا والحلفاء الإقليميون بقيادة السعودية تتدخل في بلد آخر، وهذه المرة بنتائج كارثية. فبدلاً من تحقيق أهدافهم كانت النتيجية حالة من الفوضى، وتدمير حياة الملايين من الناس، وخلق ظروف مثالية للحركات السلفية الجهادية مثل داعش والقاعدة". يتابع الصحفي كوكبرن: "الفشل الأخير في الحرب على الإرهاب جاء من اليمن، حيث تدخلت السعودية وتحالف من الدول (السنية) في حرب أهلية في اذار 2015".
وأضاف كوكبرن، في مقاله، بأن التدخل السعودي المدعوم من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا في اليمن، زاد الوضع ليصبح أسوأ بكثير عما كان قبل التدخل. فإن الحملة التي تقودها السعودية الى جانب غاراتها الجوية على مدى عام، كان تفترض أن تستعيد فرض حكم الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، الذي كان قد هرب إلى السعودية بحكومته "المختلة والغير منتخبة" بحسب تعبير الكاتب. واستمر القصف الذي كان بلا هوادة على مدى عام، رغم أنه حقق نجاحاً قليلاً برأيه، لكنه لم يمكن الرياض من السيطرة على العاصمة صنعاء.
وأوضح الصحفي البريطاني حقيقة، أن الفائز في هذه الحرب هو تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية والذي استفاد من انهيار الحكومة المركزية وخلق دويلته الخاصة التي تمتد الآن إلى 340 ميلاً وعلى طول الساحل الجنوبي من اليمن. وهي ذاتها القاعدة التي وصفتها وكالة المخابرات المركزية ذات مرة بأنها الأخطر في العالم، أصبحت اليوم تتمتع بعائدات مالية ودخل من الضرائب في اليمن! وكشف الكاتب أن العالم الخارجي لم يلاحظ توسع القاعدة بسرعة وشكل دويلة خاصة به في اليمن في عامي 2015 و 2016، تماماً كما فعل داعش في غرب العراق وشرق سوريا في بين عامي 2013 و 2014.
ولفت الكاتب إلى وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما تنظيم داعش، في وقت مبكر من العام الماضي، بأنه مثل فريق كرة سلة مبتدئ يأمل خوض البطولات الكبرى. وبنفس الطريقة، يعتبر الكاتب أن الحكومتان أي الأمريكية والبريطانية، أساءتا تقدير الدرجة التي سوف يستفيد منها القاعدة في جزيرة العرب، من عملية عاصفة الحزم، الى جانب سوء اختيار السعودية لإسم التدخل العسكري والتي أثبتت أنه غير حاسم. يُضيف الكاتب بأن التدخل السعودي، حوّل الأزمة في اليمن إلى كارثة. فمن المعروف أن 6427 شخصاً لقوا حتفهم في القتال، ولكن هذه ليست سوى أرقام الضحايا التي أصدرتها السلطات الصحية. فمنذ أن قالت الأمم المتحدة إن 14.1 مليون من اليمنيين، أي 54 في المائة من السكان، لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية، يعني أنه من المرجح أن يكون عدد الضحايا أعلى بكثير ممّا أصدرته السلطات الصحية. وحتى قبل الحرب، فقد كان اليمن أفقر دولة عربية. لكن الآن وبعد تدخل التحالف، فإن شعبها يتضور جوعاً. وتقدر منظمة أوكسفام أن 82 في المائة من سكان اليمن البالغ عددهم 21 مليون نسمة في حاجة إلى مساعدات إنسانية. مشيراً أن الكارثة ليست إنسانية، بل سياسية، ولن تؤثر على اليمن فحسب. فبحسب تقديره فقد نشّط التدخل الأجنبي في العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان، الفصائل المحلية مما جعلها وكلاء للقوى الخارجية.
ولم يُخف الكاتب حجم المؤامرة، حيث صرَّح بأن السعودية تُصوِّر الحوثيين كوكلاء لإيران، رغم شحة الأدلة على ذلك بحسب رأيه، حيث يتم رسم اليمن بأنها مواجهة إقليمية بين السعودية وإيران.
وختم الصحفي كوكبرن مقاله موضحاً أن النقطة المهمة هي أن القاعدة يتوسع بشكل سريع، ليس بسب قوته الذاتية، لكن بسبب أن خصومه أصبحوا أكثر ضعفاً. فالقنوات والوسائل الممولة سعودياً وخليجياً كثيراً ما تشير أن قوات الرئيس هادي تسيطر على مناطق، لكن في الحقيقة، الحكومة المنفية لا تزال في السعودية. وعلى رغم سيطرتها على ميناء عدن في الصيف الماضي، لكن مسؤوليها الكبار الذين يقبعون هناك لا يتجرؤون على مغادرة أماكنهم المحصنة بالدفاعات والحراسة القوية والخروج أو الدخول إلا بالهليكوبتر.