الوقت- لا شيء مستحيل في عالم السياسة، فعدو الأمس قد يصبح في يوم وليلة صديقاً وحليفاً إذا اقتضت الظروف، والمصلحة المشتركة
فقد شهد الأسبوع الفائت زيارة غير مألوفة قام بها وفد قيادي من حزب التجمع اليمني للإصلاح (الإخوان المسلمون) إلى السعودية؛ وهو ما يعتبر مؤشراً حاسماً على تغيير استراتيجية الرياض في التعاطي مع جماعة الأخوان المسلمين، على الأقل في اليمن.
فجماعة الأخوان المسلمين التي تصنفها السعودية منذ آذار/مارس الماضي على أنها جماعة ارهابية، بدأت اليوم تشهد عصراً جديداً من الانفتاح السعودي عليها، الانفتاح الذي فرضته متغيرات داخلية واقليمية ودولية، بدءً من تغيير قيادة السعودية، وصولاً إلى الأحداث التي تشهدها دول المنطقة خاصة في العراق واليمن.
مصادر القلق السعودي من اليمن
في ظل أحداث المنطقة المتسارعة، بات اليمن يشكل مصدر قلق أساسي للسعودية التي تعاملت معه طوال السنوات الماضية، وفق وصية مؤسس السعودية الملك عبدالعزيز آل سعود الذي قال "عزّكم في ذل اليمن وذلكم في عز اليمن"، فقد سعت السعودية دائماً إلى جعل الحكومة المركزية في اليمن ضعيفة ومنقسمة.
فوجود يمن قوي وموحد يمكن أن يسبب المشاكل للعائلة الحاكمة في السعودية، خاصة وأن اليمن هو البلد الأكبر من ناحية عدد السكان في الجزيرة العربية، ويبلغ تعداده 24 مليون نسمة، معظمهم مدججون بالسلاح ويعانون من الفقر. وقد سعت الرياض، على مر عقود، إلى الحفاظ على نفوذها وزرع علاقات متميزة مع العديد من القادة السياسيين في اليمن وشيوخ القبائل، الذين يشكلون ثقلاً موازناً للحكومة المركزية.
وعمدت السعودية طوال السنوات الماضية إلى مصادرة القرار اليمني والحؤول دون استقلاليته، وكل مسعى من اليمن في اتجاه استقلالية القرار، كان يُواجه بالتضييق والضغط من الدول الخليجية، وذلك من خلال قطع المساعدات عنه، والتلويح بطرد العمال اليمنيين من السعودية البالغ عددهم أكثر من مليون شخص، ناهيك عن دعم الانفصاليين في جنوب اليمن.
إلا أن المتغيرات الأخيرة في اليمن أفقدت السعودية الكثير من قدرتها على التحكم بمصير اليمن، فالسعودية باتت اليوم دون حلفاء في هذا البلد، وذلك بعد تحالف الرئيس المخلوع "علي صالح" مع جماعة أنصار الله، وهزيمة اللواء "علي محسن الأحمر" وهروبه إلى السعودية، في ظل صعود حركة أنصار الله والتي تعتبرها السعودية ذراع إيران في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
فالسعودية تنظر بعين القلق إلى حركة أنصار الله، ذلك لأنها استطاعت أن تفرض نفسها كقوة وازنة على الساحة اليمنية والاقليمية بما تتمتع به من شعبية صلبة، وقدرة عالية على المناورات السياسية، وشعور استقلالي يرفض التدخل الخارجي في أمور اليمن، ويرفع شعار الموت لأمريكا أهم حلفاء السعودية؛ والأهم من ذلك كله هو علاقة حركة أنصار الله الطيبة مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية، الخصم التقليدي للسعودية.
من ناحية أخرى لم يعد بإمكان السعودية التعويل على الجماعات السلفية المتطرفة التي دعمتها طوال السنوات الماضية لتستخدمها ورقة ضغط في البلدان المجاورة. خاصة وأن مارد التطرف قد أفلت من القمقم، وخرج عن سيطرة داعميه، وبدأ يشكل مصدر تهديد للحكم السعودي، حيث يوجه تنظيم داعش الارهابي تهديدات علنية للسعودية، وقد تبنى عدة عمليات على الحدود العراقية السعودية أودت بحياة سعوديين، وأخيراً عمد التنظيم الارهابي إلى تعيين والياً له على كل من مكة والمدينة. وقد جاءت مبايعة تنظيم القاعدة في اليمن لداعش لتزيد الطين بلة، وتجعل الأخوان المسلمين، الملاذ الأخير للسعودية في اليمن.
محاذير العلاقة بين السعودية وأخوان اليمن
بالرغم من العداء السعودي التقليدي لحركة الإخوان المسلمين، وخصوصاً بعد سيطرتهم على الحكم في مصر، لم تمانع الرياض من التعامل مع حزب التجمع للإصلاح اليمني الذي يتزعمه آل الأحمر، وهي مستعدة لتقديم المساعدات لهم للإطاحة بانصار الله إذا لم تنجح بذلك الضغوط السياسية التي تقوم بها الرياض بالاتفاق مع دول مجلس التعاون، وبالتوافق مع امريكا ودول غربية أخرى.
وجاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل حول العلاقة بالأخوان المسلمين لتمهد لهذه السياسة الجديدة للسعودية، حيث صرح في حديث له قائلاً: "ليس لنا أى مشكلة مع الإخوان المسلمين، مشكلتنا فقط مع فئة قليلة تنتمي لهذه الجماعة، هذه الفئة هم من في رقبتهم بيعة للمرشد".
إلا أن هذه العلاقة بين السعودية وأخوان اليمن تنطلي على الكثير من المخاطر، على الجانبين معاً ذلك أنها لم تأت نتيجة للعلاقات التاريخية والفكر المشترك:
إذ لا ينبغي لحزب الاصلاح اليمني أن يتناسى تاريخ العلاقات السعودية اليمنية، والنظرة الدونية التي يكنّها حكام السعودية لليمن، وعليهم أن يعلموا أن كلفة الجلوس للحوار مع شركائهم المحليين من أبناء بلدهم، مهما علت ستكون أقل من الكلفة التي سيدفعونها نتيجة الاستقواء بالسعودية، والتي ستجر على اليمن المزيد من الارتهان للخارج. خاصة وأن جماعة أنصار الله قد دعت جميع الأطراف اليمنية للحوار، ولم تستثن أي مكون من مكونات الشعب اليمني. كما عليهم أن يحذروا من أي دور سعودي قد يقود مستقبل اليمن إلى التقسيم أو تكرار السيناريو السوري على الأراضي اليمنية، وبالتالي جلب نفس المصير المؤلم لليمن من خلال الكثير من الدماء والدمار.
من ناحية أخرى، تخطئ السعودية إن ظنت أن اضعاف انصار الله سيصب في مصلحتها، وهي تقدم على مغامرة غير محسوبة النتائج، فأنصار الله بشعبيتها الكبيرة ومواقفها الوسطية هي السد أمام تدفق القاعدة وداعش لدول الخليج الفارسي، وهي عملياً من يحمي عروش ملوك الخليج. وإن بث الفوضى في اليمن لن تكون السعودية في منأى عنه، وسرعان ما سيرتد أثر ذلك على حدودها الجنوبية.