الوقت- "في هذا الزمن التاريخ والحضارة لاتشفع لاحد، فنحن نعيش في عالم تحكمه شريعة الغاب، ولا نعلم كدول عربية ماذا يخبئ لنا المستقبل في ظل هذا التسابق للحصول على القدرة النووية"، هكذا أجاب أحد أصدقائي عندما سألته عن الواقع الذي نعيشه في العالم العربي، فشرقاً القوة النووية الهندية، وخلفها مباشرة تقف القوة النووية الصينية ، على الطرف هناك القوة النووية الروسية، و في القلب العربي تقبع القوة النووية الإسرائيلية, يقابلها في الظهر العربي، القوة الأمريكية البريطانية، تبقى هناك قوة نووية صاعدة, أعني الجمهورية الاسلامية الايرانية, التي حققت تقدما مهما خلال العقد الأخير.
بادئ ذي بدئ، ونظراً لقرب المسافة الجغرافية يهمنا النووي الاسرائيلي وبالتحديد مفاعل ديمونا في منطقة النقب، والنووي الايراني وتحديداً مفاعل بوشهر المدينة المطلة على الخليج الفارسي.
هذا الملف الشائك يطرح تساؤلات حول التداعيات المحتملة على أمن المنطقة بصفة عامة ودول الخليج الفارسي بصفة خاصة، لذلك لا بد من رسم صورة توضيحية حول المخاطر التي تشاع حالياً بسبب هذه التحديات و نتائج التسربات الإشعاعية ، كما لا بد من الوقوف عند الموقف العربي الرسمي، وبالتحديد دول الخليج الفارسي التي تقبع بين ديمونا وبوشهر.
مفاعل ديمونا
لقد بحثنا عن منطقة واسعة وفارغة نسبياً حتى تكون الكارثة محدودة إن تحقق كابوس التسرب الإشعاعي"، هكذا شرح رئيس الكيان الصهيوني وصاحب فكرة تأسيس الترسانة النووية الصهيونية "شمعون بيريز"سبب اختيار موقع مفاعل ديمونا النووي في كتابه (الحرب والسلام).
كثر الحديث في اسرائيل عن مفاعل ديمونا الذي بدأ العمل فيه منذ أكثر من نصف قرن في 1963م، لكن هذه المرة من باب الخطر الذي يشكله على اسرائيل نفسها والعاملين فيه، فالمفاعل مكون من تسعة مبانٍ بما فيها مبنى المفاعل، وقد خصص كل مبنى في إنتاج نوع معين من المواد التي تستعمل في إنتاج الأسلحة النووية " البلوتونيوم و الليثيوم و البريليوم اليورانيوم المشبع و التربتيوم " التي تستخدم في صناعة القنبلة النووية تنتج هناك.
"عوزي إيفان" أحد العلماء الذين عملوا في ديمونا أكد في تصريح لصحيفة يديعوت أحرونوت "أن المفاعل النووي خطير وغير آمن ويجب إغلاقه خلال فترة قريبة، أو على الأقل البدء بخطوات تؤدي إلى إغلاقه قبل وقوع الكارثة حيث إن المفاعل خطط له في الأصل بأن يعمل 30 عاماً فقط"، والأدهى أن تقرير المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، حذر من خطورة الإشعاعات النووية الصادرة عن مفاعل ديمونا التي تؤثر بصورة سلبية ومباشرة على جميع الكائنات الحية سواء كان الإنسان أو الحيوان أو النبات، كما تطال اخطاره المناطق القريبة من المفاعل بما فيها مناطق في مصر مثل سيناء والشرقية ومدن القناة والدول العربية المجاورة.
صحيفة هارتس نقلت في تقرير لها أن حوالي أربعين من العمال السابقين في مفاعل ديمونا رفعوا قضايا في المحكمة بسبب تعرضهم وعوائلهم لأمراض السرطانات نتيجة التسربات في المفاعل، وتشير دراسات وتقارير إلى ارتفاع نسبة الإصابات بالسرطان والعقم وتشوه الأجنة لدى الفلسطينيين.
اذاً، استطاعت إسرائيل على مدى العقود الأربعة الماضية أن تطور ترسانة نووية تصل الآن إلى ما بين 200 – 400 سلاح نووي، مشكلةً بذلك ثالث دولة في العالم تمتلك هذه القدرة، فضلاً عن كميات ضخمة من الأسلحة الكيميائية و البيولوجية، وبما ان روابط العداوة مع الكيان الصهيوني تمتد جذورها إلى مئات السنين أن لم تكن ألاف السنين، علينا أن ندرك جيداً مدى الخطر الصهيوني على دولنا العربية، وما أزمتا تشيرنوبل وفوكوشيما عنا ببعيد.
مفاعل بوشهر
في المقلب الآخر، يعتبر تدشين محطة بوشهر النووية السلمية خطوة تاريخية، تؤكد قدرة إيران في التغلب على العقوبات الدولية، فبعد 15 عاما من بداية العمل انجزت مهمة انشاء المحطة بنجاح وأصبحت ايران على بوابة النادي النووي، وهذا يعتبر انجازا سياسيا لايران من ناحية، وانجازا تقنيا من ناحية أخرى، فهي أول دولة في الشرق الأوسط تقدر على إنتاج الكهرباء من الطاقة النووية.
يختلف مفاعل بوشهر النووي عن مفاعل ديمونا في أشكال عدة، فايران أكدت أن هذه المفاعل يهدف لانتاج الطاقة النووية السلمية، كما انه يخضع نظام مراقبة الوكالة الدولة للطاقة الذرية التي يقوم مفتشوها بمراقبة مرحلة إنتاج الطاقة بصورة مباشرة، حتى أن الإبهامات العالقة بين إيران والوكالة الدولية تم إزالة الشبهات عنها قبل ثلاث سنوات وأعلنت الوكالة بشكل رسمي آنذاك أنه ليس هناك أي نقطة عالقة بين إيران والوكالة، إذاً تدشين مفاعل بوشهر هو مشروع نووي سلمي تحت إشراف الوكالة الدولية في مجال التطوير العلمي وإنتاج الطاقة من الطاقة النووية.
موقف دول مجلس التعاون
للأسف نرى أن موقف بعض الدول العربية في الملف النووي، يخضع للضغوط الأمريكية من ناحية، ولحقد البعض على ايران لأسباب نعلمها جميعاً من ناحية أخرى، فعندما نذكر النووي الاسرائيلي ومفاعل ديمونا فلا أحد يحرك ساكناً، كأن على رؤوسهم الطير، في المقابل عندما يطرح الملف النووي الايراني السلمي نرى التصريحات العدائية لهذه الدول تنتشر كالنار في الهشيم، فكيف يمكن لمفاعل بوشهر النووي الذي يستخدم لأغراض سلمية ولإنتاج كهرباء، وتم تدشينه تحت إشراف كامل وتام للوكالة الدولية للطاقة الذرية ، أن يكون مفاعل مصدر قلق لبعض دولنا وليست إسرائيل التي اعترفت بامتلاكها أكثر من 200 مائتي رأس نووي.
الكيان الصهيوني لم يوقع على الحظر من الانتشار النووي، في حين أن إيران عضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وموقعة على معاهدة الحظر من الانتشار النووي وهناك مفتشون حاضرون وموجودون في إيران فكيف يمكن بعد كل هذه المباحثات بين إيران والوكالة القول بأن مفاعل بوشهر النووي الذي ينتج الكهرباء مصدر قلق؟
كنظرة أولية، قد يكون البعض محقاً في تساؤلاته حول سلمية الملف النووي الايراني، ولكن للأسف( حسب قول البعض)، فقد سلبت طهران منا هذا الحق لأنها تدعو دولنا العربية دائماً الى زیارة مفاعل بوشهر، والتأکد من سلمیة مشروعها النووي.