الوقت- لم يعد تأثير العالم الإفتراضي مقتصرا" على اختراقات بعض المواقع ,أو الولوج الى الحسابات الخاصة,او القرصنة, بل تعداه الى ما هو أدهى من ذلك, فلقد تخطينا مرحلة القرصنة المعلوماتية وأصبحنا في مرحلة قرصنة العقول والتحکم بها .
فقد راجت في الأونة الأخيرة مصطلحات مثلا "الجرائم الکترونية او الإنتحار الافتراضي و الاكتروني ,او التجنيد عن بعد " , کلها وسائل سعت الى استخدامها کل اطراف النزاع المتصارعة ولم يسلم منها حتى مصنعي هذا العالم .
فسابقا" كان زحف جيوش يُحسب بقرع الطبول، والآن صار يحسب بعدد التغريدات وكثافتها وتفاعل الناس على شبكات التواصل الإجتماعي ونبرة الهاشتاغ التي تحتويها. جيوش الماضي القريب إستعملت وسائل الإعلام التقليدي لتحقيق أهداف مشابهة، أما المعاصرة فجعلت الإعلام الإجــــتماعي ركنا" اســاسيا" في تسليحها ,سلاح جذب اليه السواد الأعظم من المنظمات الارهابية, فتحولت الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي إلى أداة خطيرة بيد هذه المنظمات وعلى رأسها ما يسمى تنظيم /دولة العراق والشام/ الإرهابي, الذي استغل هذه المواقع من أجل اختراق عقول الشباب وتجنيد المزيد منهم لارتكاب جرائم فظيعة بحق المدنيين سواء في سورية أو في العراق , حيث أطلقت بعض الدول تحذيرات جديدة من الاستخدام المتزايد للمواقع الالكترونية من قبل الإرهابيين دون وجود أي رادع أو إجراءات ملموسة من قبل الدول الغربية يمكن أن تحد من هذه الظاهرة الخطيرة.
فقد لفتت بعض الحكومات ايضا" الى خطورة ما يقوم به تنظيم /داعش/ الإرهابي من استغلال لمواقع التواصل الاجتماعي بالموازاة مع الجرائم التي يرتكبها على الأرض في سورية والعراق حيث يستخدم هذا التنظيم جيشا الكترونيا يضم مجموعة من الاشخاص الذين أطلق عليهم اسم الناشرون الجدد ويعملون تحت اشراف خبراء في التطرف من اجل تجنيد المزيد من الإرهابيين ونشر أفكارهم المتطرفة والاجرامية.
هذا الإستغلال من داعش لأدوات ووسائل الإعلام الإجتماعي شامل ويوظف كل ما يمكن من أدوات الإنترنت فمن خلال تويتر وفيسبوك وغيرهما يستعمل فريق داعش الرسائل الخاصة للتواصل مع المؤيدين واستقطابهم أو توظيفهم في خدمة خطته الإعلامية ونشر التغريدات وتنسيقها وجمع المعلومات الإستخبارية وتنسيق عمليات الرد على الأصوات والتغريدات المعادية لنشاط التنظيم وأهدافه.
وكأي فريق عمل إعلام إجتماعي ماهر في شركة كبرى او جهاز إستخبارات لدولة عظمى، فإن إستخدام داعش للشبكة العنكبوتية لا يقتصر على نشر الصور وبث التهديد والوعيد في إتجاه واحد بل يستعملها لفهم حاجات متابعيه واستشارتهم وقياس وتحليل ردود فعلهم وبناء عليه يطور استراتيجياته وأساليب عمله.
فمثلاً منذ فترة قام داعش بتسريب خبر عبر شبكات التواصل الإجتماعي عبر حسابات مرتبطة به رسميا هو أنه بصدد تغيير اسمه (دولة العراق وبلاد الشام) ، ومن ثم استعمل حسابات أخرى غير رسمية على تويتر لنشر اقتراح، بشكل غير مباشر، بأن الإسم الجديد سوف يكون (دولة الخلافة الإسلامية) ومن ثم قام بمتابعة ردود فعل الناس على هذا الإسم الجديد المقترح والذي يعتبر بين جمهور الجهاديين والحركات الإسلامية موضوعا جدليا وشائكا تختلف الآراء حوله وتتصارع. عندما إتضح أن السواد الأعظم من الآراء والأصوات على شبكات التواصل ضد إستعمال إسم الخلافة في هذه المرحلة، تراجع داعش عن فكرة تغيير اسمه. أسلوب إستعمال الميديا الإجتماعية في الاتجاهين، للنشر وللرصد والإستماع، ولإصدار الرسائل من فوق وتلقيها من القاعدة هو الإستعمال الصحيح للاعلام الإجتماعي الذي ما زال العديد من الأنظمة العربية يفشل في ممارسته.
وکشفت دارسة إيطالية مؤخرا" قام بها مجموعة من الإحصائيين في جامعة ميلان, أن قطر وباکستان وبلجيکا هم المصادر الأکثر دعما" لداعش على صفحات التواصل الاجتماعي وبحسب الأرقام التي نشرتها صحيفة غارديان فإن قطر تحتل الصدارة من حيث التعليقات الداعمة لداعش وبنسبة تصل الى 47.6% ومن ثم باکستان 35% بعدهما بلجيکا وبريطانيا ب 31% و24% وتهبط الى أدنى مستوى لها في إيران بنسبة 5.8% أما سوريا 7.6% منها 92% من تلك التعليقات ضد داعش .بالاضافة الى ذلك كشفت تقارير صحافية أن تنظيم /داعش/ الإرهابي يوسع نطاق عملياته في تجنيد النساء واستقطابهم إلى صفوفه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وزيادة استغلالهن وتسخيرهن لخدمة جرائمه.واضافت هذه التقارير ان داعش يعتمد على مجموعة من النساء معظمهن يحملن جنسيات أوروبية من أجل تطبيق ممارساته وأفكاره الظلامية على سكان المناطق التي ينتشر بها مشيرة إلى أن التنظيم الإرهابي الذي يعتمد بشكل واسع على بث حملات دعائية على المواقع الالكترونية تظهر جرائمه وانتهاكاته المروعة.
لقد نجح هذا التنظيم الى حد کبير في حربه الاستقطابية للعقول والشباب متخطيا" کل العوائق التي تواجهه, متخذا" من دول الحضن الاوروبي مرتعا" لعملية الجذب هذه, رغم ذلك بعض الحكومات الغربية وعلى رأسها البريطانية والامريكية تواصل تجاهل ضرورة التعاون مع حكومات ودول المنطقة في محاربة الإرهاب الذي كانت دول الغرب سببا أساسيا في نشوئه وتمدده حتى بات يطول داعميه ومموليه على حد سواء فبدأت هذه الدول بسن قوانين تمنع عودتهم إلى دولهم ظنا منها أنها بذلك تحمي نفسها من المارد الذي صنعته وغذته واعتنت به.