الوقت ـ لايعتبر طالبان حاليا تهديدا على روسيا والبلدان الأخرى في آسيا الوسطى؛ لأنه يعيش في حالة الضعف ولايزعم السيطرة على أفغانستان وخاصة مناطق الشمال خلافا لتسعينات القرن الماضي.
وتطرق الخبير السياسي الروسي "ألكساندر كينيازوف" في مذكرة قدمها إلى مكتب وكالة فارس للأنباء في العاصمة التاجيكية "دوشنبه"، أشار إلى الإتصالات والعلاقات بين روسيا وطالبان وأكد فيها أن الفهم الصحيح عن التطورات في السياسة الخارجية الروسية حول أفغانستان والتي أشار المبعوث الخاص للرئيس الروسي في شؤون أفغانستان وباكستان "زامير كابولوف" إليها في بياناتها الأخيرة، يتطلب الرجوع إلى تاريخ العلاقات بين البلدين.
ووضعت روسيا دوما قبائل بشتون والنخب الأفغانية في صلب سياستها الخارجية تجاه أفغانستان التي كانت في البداية ملعبا للمواجهة بإمبراطورية البريطانية وأمريكا بعد تشكيل باكستان.
ويقف التواجد الأمريكي بأفغانستان بعد سنوات الألفين والعلاقة المباشرة بينها وبين حكومتي "حامد كرزي" و"أشرف غاني" عائقا أمام التعاون الإيجابي والبناءة بين موسكو وكابول لتنحصر العلاقات بين البلدين إلى إجراءات غير منظمة وموسمية في مجالات العسكرية، والإقتصادية، ومكافحة التطرف والمخدرات والتي لم تكن مؤثرا إلى حد كبير.
وتغيرت الموازنة القومية السياسية في أفغانستان جذريا طيلة ثمانيات القرن الماضي وأصبحت المجتمعات والفصائل القومية والسياسية من أصول تاجيكية وهزارة ذات وزن ثقيل لايمكن تجاهلها.
والوصول إلى الآليات الحديثة للتعاون بين الفصائل الأفغانية في إطار حكومة واحدة يعتبر إحدى المشاكل الرئيسية، بينما بقى طالبان منظمة وطنية من أصول بشتون والتي يشكل نخب البشتون النواة الصلبة لها. ودخل هذه الجماعة في تنافس شديد مع الفرق البشتون الأخرى التي تهيمن على مقاليد الحكم في كابول.
وتحاول موسكو استعادة العلاقات والاتصال المباشر بطالبان كإحدي الأطراف لنخب البشتون المعارضة لحكومة الأفغانية تحسبا للخطرات الكامنة التي تهدد روسيا في أفغانستان.
روسيا لاتنظر إلى طالبان تهديدا لها
وتعلم موسكو أن طالبان لم يكن في يوم من الأيام (إما في التسعينات للقرن الماضي وإما اليوم) تهديدا مباشرا لروسيا وحلفاؤها، بل هي حركة تنحصر مصالحها إلى حدود أفغانستان وقسم من باكستان، فيما يتمثل الخطر الرئيسي في إنتاج المخدرات ونشاطات الجماعات الإرهابية والذي كان شائعا أيام طالبان ولا نشهد تغييرا جذريا في يومنا الحاضر.
ورغم دعم طالبان في بعض المراحل عددا من الحركات كحركة الإسلامية الاوزبكية والاتحاد الاسلامي العالمي، لكن السبب الرئيسي لإستمرار نشاطات الجماعات الإرهابية في أفغانستان هو ضعف الحكومة الأفغانية وعجزها عن وقف النشاطات لهذه الجماعات وفي المقابل، ترغب واشنطن في الحفاظ على الوضع الراهن.
ولايمكن تشكيل حكومة قوية بدون مشاركة نخب البشتون الموالية للطالبان ومن المرجح أن طرح قضية "القتال ضد داعش" من جانب زامير كابولوف هو ذريعة للحوار حول المشاريع الكبيرة منها التاثير على المفاوضات بين طالبان وحكومة الأفغانية والتي تتم بوساطة أمريكا، والصين، والسعودية وباكستان بعيدا عن أي مشاركة لروسيا. وتجدر الاشارة أن هذه المفاوضات لم تسفر عن أي نتيجة طيلة السنة الماضية وهي مؤهلة للدخول في طريق مغلق.
النظرة السلية لروسيا تجاه التعاون مع الأمریکا
يرفض "زامير كابولوف" إمكانية التعاون بين روسيا والأمريكا حول أفغانستان ويؤكد أن الكرملين لاترغب بتاتا للمشاركة بمشاريع متسرعة لاتصب إلا في مصلحة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولا ناقة لموسكو فيها ولا جمل.
رفض طالبان أي تعاون مع روسيا في مجال القتال ضد داعش بعد إنتشار البيان الأول لكابولوف ديسمبر عام 2015 والتي كان يؤكد على ضرورة الإتصال المباشر مع طالبان ضد داعش واعلنت الجماعة أنها لاتحتاج أي أحد في هذا المجال، لكن يستبعد الكاتب أن يكون الموقف سائدا لحد الآن ويرجح أن تكون الإتصالات بين ممثلي الروس وطالبان مستمرة وربما يكون امتناع الجماعة عن المشاركة في المفاوضات المباشرة مع كابول رغم جهود بذلت كل من الحكومة الأفغانية والأمريكا والصين متأثرا من هذا الموضوع.
لكن الحقيقة هي أن مراجع صنع القرار في روسيا لم تتخذ استراتيجية جديدة حول أفغانستان حتى الآن ويرى البعض أن إستمرار الوضع الراهن يصب في مصلحة موسكو ويجب تعزيز القوى للبلدان الأعضاء في منظمة معاهدة الأمن الجماعي فضلا عن الحفاظ على الواقع الموجود لحكومة الأفغانية.
على أي حال، لاتهدد طالبان أمن روسيا وبلدان الآسيا الوسطى ومن الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع الجديد هي حالة الضعف لهذه الجماعة والتي لاتزعم الهيمنة على أفغانستان وخاصة مناطق الشمال فيها خلافا لتسعينات القرن الماضي، فضلا عن حصول التوتر في العلاقات بين طالبان والمنظمات العالمية طيلة الشهور الماضية يمكن أن نشير منها إلى قمع الحركة الإسلامية الأوزبكية واعدام قائدها "عثمان غازي".