الوقت:بدأت الجمهورية الاسلامية الايرانية مطلع هذا الأسبوع تحركاً دبلوماسيا رفيعاً باتجاه دول محور المقاومة، بدءاً من سوریة مروراً في لبنان وصولاً الى العراق، ولا شك أن هذه الجولة التي قادها رئيس مجلس الشورى الاسلامي علي لاريجاني علی رأس وفد سیاسي و برلماني رفیع المستوی حملت العدید من العناوین إن من حیث الشکل أو المضمون.
لاقت زيارة لاريجاني الاقليمية صدا واسعاً على الصعيدين الرسمي والشعبي وكانت عنواناً جاذباً للقنوات الفضائية ووكالات الأنباء العالمية للقراءة في أبعادها، خاصةً أن کل دولة من الدول المشمولة الزیارة خصوصیة في ظل الاوضاع التي تمر بها المنطقة، فمن حيث الشكل يعتبرالتحرك الدبلوماسي الذي يقوده ممثلو الشعب الايراني تحدياً لأصحاب مشاريع الديمقراطية الأمريكية ومكافحة الارهاب، هذه الديمقراطية التي دمرت دولاً بأسرها مثل أفغانستان والعراق وسوریا وكذلك تسببت بمقتل الألاف من الأبرياء جلهم من النساء والأطفال، نفسها التي كانت سبباً في انتشار التنظيمات الارهابية بدأً بالقاعدة مروراً بالنصرة وصولاً الى داعش. أما من حيث المضمون فان الجولة الايرانية تؤكد أن دعم طهران لحلفائها في محور المقاومة لن يتأثر بالضغوط الغربية بقيادة أمريكا، وبالتعاون مع بعض الأدوات في المنطقة عبر استخدام سلاح النفط. اذاً، ما هي الأبعاد الاستراتيجية سورياً، لبنانياً، وعراقياً لجولة لاريجاني الاقليمية؟
سوريا
جهود لاريجاني الذي أكد خلال لقائه الرئيس الأسد أن "الكثير من الدول إقتنعت بالحل السياسي في سوريا لكن دولاً اخرى لاتزال ترفض هذا الحل"، تتقاطع مع الجهود التي تبذلها حالياً موسكو، والمبعوث الدولي إلی سوریا ستیفان دي میستورا، في دفع الازمة باتجاه الحل السياسي وبالتالي سحب الذرائع التي تتدخل بسببها الدول الغربية وبعض دول المنطقة في الشأن السوري الداخلي.
في السياق نفسه تؤكد زيارة لاريجاني التي أتت بعد أیام قلیلة من زیارة قام بها رئیس الوزراء السوري وائل الحلقي إلی طهران وتم خلالها التوقیع علی العدید من إتفاقات التعاون الثنائیة، أن كلا من طهران ودمشق لن تفترقان في ظل انخفاض أسعار النفط الى مستويات قياسية، كما أن هذه الضغوط لن تثني ايران عن مواقفها تجاه حلفائها، فهي التي واجهت حرباً مفروضة من الشرق والغرب طوال ثماني سنوات في ظل حصار اقتصادي رغم أن سعر برمیل النفط لم یکن یزید عن سبعة دولارات انذاك.
وتعتبر جولة لاريجاني السورية والتي زار خلالها أيضاً مرقد السيدة زينب في دمشق، والتقى رئيس البرلمان محمد جهاد اللحام ورئيس الحكومة وائل الحلقي، ترجمة للحراك الإيراني في إيجاد حل سياسي قائم على أسس ديمقراطية ووفق إرادة الشعب السوري ، خاصة بعد أن نقلت وسائل إعلام فرنسية بأن طهران مستعدة لمناقشة مسألة بقاء الرئيس الأسد في السلطة أو رحيله عنها مقابل الحفاظ على بعض المصالح الإستراتيجية ، ويبدو واضحاً إن موقف ايران منذ بداية الأزمة ثابتة وغير قابلة للمساومة على مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد المنتخب شعبياً.
لبنان
لبنانياً، كانت دقائق الزيارة مليئة بكل التفاصيل السياسية، بدء من حجم اللقاءات التي عقدها الرجل، الى ما قيل فيها، فلاريجاني الذي التقى الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وريئسي مجلس النواب والوزراء في لبنان، استمع من المسؤولين اللبنانيين الى رؤيتهم للحل في لبنان، المأزوم رئاسيا والمواجه للخطر التكفيري، وأكد دعم بلاده للبنان بكل أطيافه، موضحاً أن الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة تعتبر مسألة الرئاسة امرا داخلیا لبنانیا لا تتدخل به.
الزيارة التي تزامنت مع اجواء ایجابیة تعیشها العاصمة اللبنانیة علی خلفیة انعقاد اولی جلسات الحوار بین حزب الله وتیار المستقبل الذی یهدف الی تخفیف الاحتقان المذهبي الذي یعیشه البلد منذ حوالي الثلاث سنوات، أكدت مواقف ايران السابقة بتأييد هذا التوجه بين مختلف اللبنانيين.
اطلالة لاریجاني من الجامعة اللبنانیة التي ترکت صدا کبیر في لبنان، لا تقل أهميةً عن اطلالاته السياسية من حيث المضمون لا الشكل، هذه الخطوة التي قلّما تحصل من قبل الزائرین، تعبّر عن اهتمام طهران بالشباب ما یعطي انطباعا عن مستوى التعویل الایراني علی الشباب الجامعي في لبنان .
رسالة الدعم الايرانية التي حملها لاريجاني معه للمسؤولين اللبنانيين، مرر خلالها اشاراتها بان الحل في سوريا سياسي، فرسائل لاريجاني المبطنة في بیروت مفادها ان ایران متمسکة بالتهدئة لتخفیف الاحتقان المذهبي وتغلیب منطق الحوارعلی منطق العنف .
العراق
العراق احد هذه الدول . زیارة لاریجاني الی بغداد لا یمکن فصلها عن سیاق العلاقات الایرانیة العراقية، كما أنها ستفتح افاقا جديدة للتعاون الاقتصادي والسياسي بين البلدين، ومن المؤكد أن موضوع الارهاب سيمتلك "حصة الأسد" خلال هذه اللقاءات.
رئیس مجلس الشورى الاسلامي التقى المراجع الدينية الأربعة في مدينة النجف الأشرف، وشدد خلال لقائه آیة الله السیستاني الذي أكد على ضرورة التعايش السلمي في العراق، أن الاخير نعمة للجمیع خاصة للشعب العراقي ولسماحته نظرة ثاقبة لجمیع القضایا والظروف التي تمر بها المنطقة.
ومن المقرر أن يلتقي لاريجاني رئیس الجمهوریة فؤاد معصوم ورئيس الوزراء حيدر العبادي ونظيره العراقي سليم الجبوري ووزير الخارجية ابراهيم الجعفري لیبحث معهم العلاقات بین البلدین وسبل تطویر التعاون الاقتصادي الی جانب موضوع مکافحة الارهاب .
ويرى مراقبون أن هذه الزيارة تؤكد وقوف الجمهورية الاسلامية الايرانية بجانب الشعب العراقي ومساهمتها في دعم العراق على مختلف الجوانب لاسيما الأمني منها.
في المحصلة، وعطفاً على ما سبق فإن جولة لاريجاني الاستراتيجية من حيث الشكل والمضمون، تهدف إلی محاربة مشروع الإرهاب المتفشي في المنطقة، وربما تشکیل غرفة عملیات مشترکة بین العواصم الأربعة طهران، بغداد، دمشق، بیروت، لأن هذا الارهاب الذي ولد سعودياً، وترعرع أمريكياً، وترجم اسرائيلياً، بات من الصعب القضاء علیه إذا لم تتعاون دول المنطقة في محاربته .