الوقت- بعد مدة طويلة من القطيعة والجمود في العلاقات بين کوبا وآمیرکا ، ومع اختتام الرئيس الامريكي باراك اوباما "قمة الامريكيتين " ببورت أوف سبين- ترينيداد وتوباجو، /19 ابريل الحالى/، وبحضور33 زعيما من الدول المجاورة لامريکا في نصف الكرة الغربي ، تعهد اوباما بالسعي الى " بداية جديدة " مع كوبا، الدولة الوحيدة في القارة التي استبعدت من القمة .
وصرح اوباما : " انني مستعد لان تعمل ادارتي مع الحكومة الكوبية على نطاق واسع من القضايا - بدءا من حقوق الانسان وحرية التعبير والاصلاح الديموقراطي الى المخدرات والهجرة والقضايا الاقتصادية ".
وفي وقت سابق هذا الاسبوع ، أعلنت الولايات المتحدة عن فشل سياسة العزل تجاه كوبا، وقالت انها ستعمل على اعادة العلاقات الدبلوماسية مع هافانا وتخفيف القيود المفروضة منذ عدة عقود على التجارة والسفر اليها. وقال مسؤول في ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما ان واشنطن ستعيد فتح سفارتها في هافانا " خلال الاشهر المقبلة ". هذا واتخذت ادارة اوباما اجراءات لالغاء القيود على سفر اسر الامريكيين الكوبيين والتحويلات المالية الى كوبا ، ما يشير الى " اتجاه جديد " نحو تحسين العلاقات مع كوبا .
وكان أوباما قد أجرى اتصالا هاتفيا مع نظيره الكوبي راؤول كاسترو لمناقشة التغيرات في السياسة الأميركية إزاء كوبا، ودعاه لدعم حقوق الإنسان ورفع القيود عن العمل السياسي وحرية التجارة .
من ناحية أخری فإن ثلاثة من عملاء المخابرات الكوبية عادوا إلى كوبا بعدما قضوا 16 عاما في السجون الأمريكية في إطار اتفاق لتبادل السجناء ، مقابل اطلاق السلطات الکوبية سراح آلان غروس الامريکي الذي كان قد اعتقل في ديسمبر/كانون الأول 2009 وحُكم عليه بالسجن 15 عاما لتورطه في تهريب معدات إنترنت قالت هافانا إنها تأتي في إطار عمليات تجسس، والذي وصل إلى قاعدة أندروز الجوية قرب واشنطن .
الخطوات التصالحية الاميرکية لقيت ردا سريعاً من الرئيس الكوبى راؤول كاسترو، الذي قال في قمة اقليمية في فنزويلا يوم الخميس ان بلاده مفتوحة للمحادثات مع واشنطن حول " كل شيء ".
وصرح " ارسلنا كلمة الى الحكومة الامريكية فى السر والعلن اننا نرغب في مناقشة كل شيء - حقوق الانسان وحرية الصحافة والسجناء السياسيون وكل شيء ".
واشار الى اننا " ربما نكون قد اخطأنا، ونعترف بذلك. فنحن بشر"، قائلا " اننا نرغب في الجلوس للتحدث كما يجب علينا ان نفعل وفي اي وقت ".
اقتراح كاسترو بشأن المحادثات لاقی ترحيبا حارا من مسؤولين امريكيين رفيعى المستوى . وقالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلارى كلينتون فى اعتراف نادر ان السياسة الامريكية ازاء كوبا قد " فشلت ". هذا الجو الايجابي لاقى ترحيبا من امين عام الأمم المتحدة بانكي مون , وكذلك من بابا الفاتيكان الذي صرح بأن هذا التقارب هو لصالح البلدين وخطوة مهمة في اتجاه تحقيق السلام العالمي .
من جهة أخرى وأثناء اقامة قمة الدول الامريكية الاخیرة, التى استغرقت ثلاثة ايام ، والتي هدفت الى التركيز على الاقتصاد وقضايا اخرى كثيرة، لكنه كان من الواضح ان العلاقات الامريكية الكوبية احتلت المسرح المركزى للقمة، مصحوبة بدعم واسع من الزعماء لرفع الحصار الامريكى على هافانا وعودة كوبا الى منظمة الدول الامريكية. بعد أن كانت كوبا قد طردت من المنظمة فى عام 1962 بطلب من الولايات المتحدة .
وفى نهاية الاجتماع ، تحدث بعض الزعماء عن مشاركة كوبا فى القمة المقبلة .
وقال الرئيس البرازيلى لويس ايناسيو لولا دا سيلفا انه يعتقد ان هذه هى القمة الاخيرة للدول الامريكية بدون حضور كوبا .
واضاف لولا " ان القارة كلها تدعم دخول كوبا الى القمة. ليس هناك تفسيرا لابعاد كوبا . "
وقال رئيس منظمة الدول الامريكية خوسيه ميغيل انسولزا انه سيدفع بعودة كوبا الى مجموعة الدول الامريكية، عندما يجتمع اعضاؤها فى الجمعية العامة المقرر عقدها فى مايو المقبل .
واوضح انسولزا " اعتقد انه فى القمة المقبلة فى غضون ثلاثة اعوام ، من المعقول ان نفكر ان تكون كوبا حاضرة . "
خلفيات الانفتاح الامريکي الجديد : امريکا هي هي .. تعدد الأوجه لسياسة واحدة !!
تكتيك امريكي يقضي بالظهور بوجه جديد :
لا يخفی علی المراقب للحراک السياسي الأمريکي في الفترة الحالية ، أن ادارة اوباما تسعی جاهدة لتحقيق مکسب سياسي في ملفات دولية تمکنها من حفظ ماء وجهها في ظل الاخفاقات الکبری التي انتجتها سياساتها الخاطئة ومن سبقها في المراحل الماضية وحساباتها الضيقة في مقاربة الملفات الدولية ، والتي کان لها نتائج ضخمة علی الادارة الاميرکية .
فتجدها اليوم ، تحاول استدراک هذه الاخفاقات عبر الالتفاف السياسي الذي يمکنها من تحقیق ما عجزت عنه سیاسات المواجهة والاقصاء والعقوبات , فتسعى لتقديم نفسها طرفا متفهما ومستعدا للتنازل لحل عقد في ملفات دولية عالقة .
الصراع الداخلي مع الحزب الجمهوري :
من جهة أخرى , تتصاعد المواجهة بين الحزب الجمهوري وادارة اوباما قبل الاستحقاقات الانتخابية القادمة , حول اسلوب مقاربة الملفات الدولية وفي معرضها الملف الكوبي حيث يحتدم الخلاف , فقد صرح العديد من اعضاء الحزب الجمهوري في الكونغرس أنهم سيبذلون جهودهم القصوى لمنع حدوث هذا التقارب بالطريقة التي يريدها اوباما لما يعتبرونها من خطوات لا تصب في مصلحة هيبة وموقع اميركا, وتعتبر مكافأة لكوبا على سياستها العدائية تجاه الولايات المتحدة وفق تعبيرهم , وتشجع الدول الأخرى المناهضة لامريكا على الاستمرار في مواقفها المناهضة وتحمل الضغوط .
يعزز توجه الحزب الجمهوري , موقف جزء من اعضاء الكونغرس من الأصول الكوبية , وما يمثلون في الشارع من اميركيين ذات اصول كوبية يشكلون معارضة للحكم الكوبي الحالي , ويجدون في التقارب الامريكي خطرا على مشروعهم ويسعون بالتناغم مع التيار الجمهوري لافشال هذا التوجه .
في المقابل , ان ادارة اوباما تعتبر وضع السياسة الامريكية في العالم يحتاج الى طي صراعات ماضية والظهور الى العالم بحلة جديدة تحقق فيها امريكا مصالحها , وفق استراتيجية المواجهة الغير مباشرة بالضغوط والعقوبات من جهة وفتح باب التفاوض من جهة اخرى بعيدا عن الصراع العسكري المباشر , كما يحصل اليوم بينها وبين روسيا وايران عبر استثمار سلاح النفط السعودي والعقوبات والملف السوري والاوكراني , لانتزاع تنازلات في ملفات تخص هذه الدول , فالادارة الحالية أدركت أن منطق الصدامات لا يعود على امريكا بأي عائدات ايجابية . إنما على العكس , سبب فشلا في السياسة الخارجية مما حملها تبعات ضخمة جدا, تحصد اليوم امريكا نتائجها اقتصاديا امنيا وسياسيا .
وفي مواجهة معارضة الكونغرس , لوح اوباما بالمقابل , بالتمسك بهذا النهج " التصالحي " وبضرورة رفع العقوبات عن كوبا لتحقيق تقارب والوصول الى تفاهم شامل حول القضايا العالقة , حتى ولو اضطر الى استخدام القرار الرئاسي التي يتيح له تجاوز رأي الكونغرس وفق الية دستورية معتمدة .
کل هذا التجاذب الامريكي الداخلي ولد حاجة لدى الادارة الحالية , لايجاد نجاح فی أي من الملفات الدولية العالقة لتحقيق انجاز يسجل لها على حساب التيار الجمهوري , يسمح لاوباما بتدعيم توجهاته ويكسبه مصداقية أمام الرأي العام الأمريكي .
هذا يفسر الجهود المكثفة التي تسعى من خلالها ادارة اوباما الى فتح ثغرة في الجمود الحاصل علی مستوی الملف الفلسطيني الاسرائيلي ، في محاولة للقطاف عبر ملف من اصعب الملفات الدولية ، حيث فشل کل من تواترعلی الحکم في البيت الابيض من ايجاد اي تقدم ملحوظ نتيجة التعنت الاسرائيلي وعدم استعداده لتقبل فکرة التنازل امام الفلسطينيين ، وهذا ما يقف وراء تدهور العلاقات الدبلوماسية الحاصلة بين امريکا واسرائيل . في موضع اخر ، نجد الامريکي مهتما جدا بالوصول الي تفاهم مع ايران حول البرنامج النووي ، لما لهذا الملف من نتائج کبری علی مستوی الشرق الاوسط . وايضا ، تصطدم الرغبة الامريکية بالموقف الاسرائيلي والعربي ، الرافض لهذا الاتفاق لما يحمله من نتائج تکرس ايران کقوة اقليمية نافذة ، ويفتح لها ولمن تقف الی جانبه من قوی الممانعة الطريق أمام المزيد من التمدد والنجاحات ويخولها سيادة الشرق الأوسط علی حساب السيادة المزيفة لبعض الدول العربية الطامحة .
هذا اضافة الی الضغوط التي تمارسها علی روسيا لدفعها الی تقديم تنازلات في الملف السوري ، حيث اعترفت ادارة اوباما مؤخرا بصعوبة سقوط نظام الاسد ، فراحت تناور في الملف الاوکراني للضغط علی روسيا مع استخدام سلاح النفط عبر التعاون مع السعودية الابن البار لها ، لخفض اسعار النفط الامر الذي يؤدي الی تضرر الاقتصاد الروسي والايراني لحملهما علی تقديم التنازل .
الملف الكوبي الخيار الأسهل والنجاح الأضمن لاوباما :
اخر ما ابتدعته السياسة الامريکية ، الانفتاح الذي قامت به ادارة اوباما لکسر الجمود في الملف الکوبي ، للتسويق لنفسها کراع للسلام ومدير للازمات ، وأنها تقدم التنازلات المعقولة سعيا وراء طي صفحات من الصراعات الماضية ، وسط مناخ دولي يعاني من اشتداد التطرف واحتداد النزاعات الدولية . فهل نزل ملاک البراءة علی اوباما فألبسه ثوب الغفران والتوبة في ليالي الميلاد ؟؟
هل تناسی الانفتاح الامريکي الحادث أنه الموجد الأول للحرکات التکفيرية التي تهدد العالم وأن ولده البار السعودي هو الحاضن والحارس الضامن والأم المنجبة لهذه الحرکات ؟؟
هل يمارس الانفتاح السياسي , متسول نجاح افتقر , بعد قد عاث فسادا وتجبرا في الکرة الارضية ولم يترک بقعة في العالم الا واشعل فيها فتيل نزاع وأفسدها ؟؟
هل هي قناعات امريکية بضرورة اعتماد منطق الحوار الحقيقي والتنازل لصالح السلم العالمي أم أن تصاعد الصراخ الجمهوري في وجه اوباما الذي يتهمونه بالجبن دفع الأخير لتسول نجاحات في أي من الملفات الدولية لاثبات صوابية توجهاتها ؟؟
الجواب على هذا , يختصر بعبارة يدركها كل من قرأ مفاتيح السياسة الأمريكية بامعان , إنما هي آمريکا بأوباما أو بغيرها فالوجهان هما لعملة واحدة !! كل شيء مباح أمام امريكا بما أنه يوافق ويجاري مصلحتها , يختلف التكتيك والهدف الاستراتيجي واحد , المصلحة .
الملف الكوبي ممر نحو بوابة الانجاز الأكبر :
انجاز الملف الكوبي بنجاح بالنسبة للادارة الامريكية , انما هو تكتيك تسعى من خلاله ادارة اوباما الى تحقيق انجاز اولي ليس المقصود الأصيل , عبر فض النزاع الصاخب مع الجزيرة الجارة , التي ووفق السياسة الامريكية يتم احتواءه لاحقا عبر العمل على اعادة صياغة النظام وبنية وثقافة الشعب الثوري الكوبي من الداخل , واعادته الى ما كان عليه قبل كاسترو الأول , باعتماد سياسة التغيير الهادئ والناعم , وفق استراتيجية " من سيصطاد السمكة السمينة لا يبخل بطعم لائق لها " , لتعود كوبا حديقة جميلة من حدائق الولايات المتحدة الامريكية في البحر الكاريبي وفق حسابات امريكا وهذا ما سنتحدث عنه في مقال منفصل تحت عنوان ماذا بعد الانفتاح الكوبي الامريكي ؟؟
اذا , كوبا ليست الوجبة التي تشبع الادارة الامريكية , إنما هي تفاحة صغيرة على طريق القطاف السياسي الأكبر , الهدف الثمين الذي تضغط ادارة اوباما لتحقيقه في هذه المرحلة,ما بعد بعد كوبا , انه الاتفاق حول الملف النووي الايراني , لما لهذا الملف من نتائج وتأثيرات متشعبة على عدة جبهات ومستويات .
الاستراتيجية الامريكي لتحقيق توافق حول هذا الملف المهم جدا , تعمل على جبهيتن : الاولى بالضغط على ايران وروسيا , عبر السلاح النفطي والملف السوري والاوكراني للذهاب الى تفاوض يسجل فيه الامريكي تقدما امام خصومه المؤثرين على هذا الملف . هذا ما يدفع ايران وروسيا للاستعداد لتقديم تنازلات تؤدي للوصول الى اتفاق موافق للشروط الامريكية وفق استراتيجية " التفاوض مع عدوك من فوقه " وهذا له حساباته ورده من الطرف المقابل وليس معرض الحديث .
الجبهة الثانية وهي المقصد , حيث أن ادارة اوباما وجدت من موقف الكونغرس المعارض سدا قويا في وجه التوافق مع ايران , فأدركت أن استخدام حق الرئيس الدستوري في تجاوز تصويت الكونغرس في ملف اساسي كالملف الايراني دفعة واحدة له حساسية كبرى , وسيقود البلاد الى ازمة لا تدرك ابعاد نتائجها, لما لها من تبعات دولية كبرى .
فاعتمدت ادارة اوباما تكتيكا التفافيا تمهيديا ان صح القول , يقضي بكسر جمود وصلابة الكونغرس في ملف محسوب النتائج والانعكاسات , فيستخدم اوبما صلاحيات منصب الرئيس ويتجاوز رأي الكونغرس ويذهب الى الاتفاق مع كوبا ليصيب عصفورين بحجر واحد , الاول حل الصراع الكوبي الامريكي وترجمة هذا الانجاز لتحقيق مصالح امريكية كبرى واستثماره في الساحة الداخلية والدولية وسحب البساط من تحت الجمهوريين .
ثانيا توجيه رسالة للكونغرس تفيد أن بامكان من استخدم هذا الحق في الملف الكوبي أن يستخدمه في الملف الايراني , مما يضع الكونغرس أمام طريقين : أما تخفيض سقف المعارضة في وجه اوباما والانضمام لتسوية الملف بصيغة توافقية موحدة بين اوباما والجمهوريين بما يراعي هواجسهم وبالتالي التخفيف من حدة الاعتراض واشتراك الجمهوريين في القرار بأقل الخسائر تفاديا لاستثنائهم كليا من قبل الرئيس كما فعل في ملف كوبا , وأما الاستمرار في المعارضة وبالتالي تكون ادارة اوباما قد قيمت التجربة الاولى في الملف الكوبي لأخذ خيار اللجوء الى قرار رئاسي منفرد واستمالت جزءا من اعضاء الكونغرس والشارع الداخلي والموقف الدولي , حينها ووفق نتيجة التقويم تتخذ الخطوة المناسبة .
نصر كوبا قادم في عشاء مصالحة .. لكن على مائدة أمريكية مسمومة :
في كلا الحالات , يمكن لصور الثوار الشاخصة على الطريق بين هافانا وسنتا كلارا أن تبتسم لهذا اليوم , الذي تحطم فيه الكبرياء الأمريكي على شواطئ ساحل وطأتهم أقدامهم يوما ما , تبشر شعب الجزيرة المضطهد حينها من حكم جائر , بثورة ستصنع لشعب الجزيرة عزا تاريخيا , طال زمن الصبر والألم والنضال, لكن وصل, نعم وصل مركب الثوار الى مراده بأمان ..كوبا هنيئا نصرك الاول والى مزيد من الانتصارات بوعي الشعب والقيادة واخلاصه للثورة .
تنام أرواح ثوار كوبا , ولكن في عيون غيفارا بعض الأرق وفي عقل كاسترو بعضا من القلق .. كأنهم يتساءلون ويقولون.. انتصرنا.. ولكن مكر العدو لم ينته بعد.. نخاف عليك كوبا .. ماذا سيحل بكوبا بعد الغد الذي سيطوي صفحة نصف قرن من العزلة ؟؟ ماذا بعد انفتاح كوبا على امريكا باسواقها وشعبها وثقافتها ؟؟
بعد الانتصار نشوة تصيب الثوار.. هي أخطر من كل ما عانوا وما مضى عليهم .. انها مرحلة ما بعد النصر .. لو كان غيفارا وكاسترو حاضرين ماذا كانا ليفعلا في هذه المرحلة الجديدة مع عدو بدهاء الثعبان الامريكي ومكره ؟؟
خلاصة ، الانفتاح الامريکي ، هو عنوان لمرحلة جديدة حساسة جدا, مليئة بالتحديات ، والکلام الذي قيل حول تقهقر التفرد الامريکي في الساحة الدولية فيما يسمی الاحادية القطبية ، وتراجع الاداء الامريکي في العالم نتيجة ما حملته سياساته السابقة , مما دفعه للتراجع وتقديم تنازلات هو صحيح .. وأن ما يشهده العالم هو انتصار بدأت معالمه في كوبا صحيح... لکن من المفيد جدا الالتفات الى أن هذا , لا يعني انهزام أمريكا الى الحد الذي ينير بصرها لتعتبر فتصبح ملاكا حارسا وتكون الراعي الأول للسلام في العالم !!
إنما هي آمريکا بأوباما أو بغيرها فالوجهان هما لعملة واحدة , فالثعلب حين يتراجع عن الهجوم والمواجهة , يبقى في عيناه كل الطمع لقنص فرص الانقضاض والالتفاف بالحيلة والمكر . کالمثل الذي قال: " اذا رأيت نياب الليث بارزة , فلا تظنن أن الليث يبتسم ".
نقول , مبارك لك كوبا , انتصرت في كسر سياسة الاخضاع بالقوة التي يمارسها الامريكي وفرضت عليه حدودا لا يمكنه تجاوزها وسقفا في المعادلة , مع عدو النصف قرن , لا يمكنه أن يقفز فوقه, وهذا مهم جدا لكوبا ولكل الحركات المناهضة للسياسات الامريكية .
لكن نقول ايضا , احذر كوبا , هذا ليس كل شيء, للصراع الكوبي الامريكي جولات وصولات قادمة ربما ليست على نار صاخبة بل في وجه اخطر , على نار هادئة مع ابتسامة امريكية تخفي لكوبا نوعا جديدا من التحدي , لأن هذه امريكا وهذه روح سياستها " ما لا تستطع ان تغيره بالقوة , غافله بالابتسامة وغيره بسلاسة .. المهم أن يتغير !! "
مبروك كوبا النصر, هنيئا لقمر كوبا الجميل في ليال على شواطئ الكاريبي , الثوار تشي - كاسترو , أثمرت الثورة التي ستشجع كل دول امريكا الجنوبية ,وستجر النصر الى بوليفيا كولومبيا وغدا المزيد نحو الانفتاح الامريكي الاضطراري , لكن الحذر كل الحذر من مرافئ بلادكم المتواضعة التي اعتادت على مراكب الصيادين الفقراء , الحذر والخوف من البوارج الامريكية المتخمة الملوثة , الجشعة , الكثيرة المطامع , حين تتوجه الى تلك المرافئ !!!.
سؤال مشروع يطرح : ماذا بعد الانفتاح والمصالحة الكوبية الامريكية ؟
هذا ما سنعالجه في مقال يحمل الاجابة على هذا السوال :
انفتاح كوبا- امريكا, يحمل لكوبا مخاطر و تحديات, فرص وايجابيات , فما هي النتائج والتداعيات ؟؟